(من أفريقيا عبر باب المندب إلى آسيا)

> فاروق لقمان:

> تحدثت في مقال سابق في هذه الصحيفة الغراء عن الهجرات الإفريقية عبر ما يسمى حالياً الجمهورية اليمنية إلى ما نسميه اليوم شبه القارة الهندية. ولما حدثت الهجرات قبل آلاف السنين أو مئات الآلاف لم تكن لتلك البقاع أسماء معينة كما لم تكن هناك خرائط ولم يكن حتى الأفارقة المهاجرون يعلمون أين يقصدون وما هي الأراضي التي عبروها من شرق أفريقيا على الأرجح إلى جنوب اليمن من خلال باب المندب كما نسميه اليوم.

وكانت الوثيقة التي استندت إليها هي خريطة نشرتها مجلة «ناشيونال جوجرافيك» الأشهر في عالم الصحافة الجغرافية ولا تزال وإن كان الإنترنت قد بدأ منذ فترة طويلة ينافسها على الاهتمام العالمي.

لكن المقال الذي استند إلى الخريطة لم يشر إلى وسيلة برية أو بحرية للعبور إلى السواحل اليمنية وكان هناك افتراض بأن العابرين استفادوا من عدة جزر لتحقيق أهدافهم. كذلك فعل الآسيويون الذين عبروا إلى ما يسمى حالياً الولايات المتحدة لأنها كانت مرتبطة بآسيا براً قبل أن تغمرها المياه ويضطر الناس إلى استخدام القوارب.

وذكر بحث استعانت به جريدة «الأوبزرفر» البريطانية خلال الشهر الحالي أن الأفارقة قطعوا البحر إلى باب المندب في أقصى جنوب اليمن الحالية بالقوارب الصغيرة ولا بد أنها كانت بدائية، كما يفعلون حالياً من الصومال إلى الجمهورية بقوارب بدائية جداً بالنسبة لتلك المتوافرة، لذلك تجد أعداداً متزايدة منها تغرق مع حمولتها من البشر الذين سلموا من الموت برصاص مهربي البشر حتى بلغ عدد الضحايا نسبة عالية من إجمالي الركاب المضطرين للهروب من جحيم الصومال الحالي.

حدث ذلك العبور، كما تقول الأوبزرفر، قبل ستين ألف سنة، وقد يزيد أو ينقص قليلاً لأن العالم لا يملك سجلات عن تلك الهجرات الإفريقية الضخمة لأنها في الأصل بدأت من أفريقيا ولم يكن الإنسان قد تعلم مبادئ القراءة أو حتى اللغات دع عنك حفظ السجلات كما فعلت أمريكا بعد ذلك في القرن السابع عشر عندما اندفع الأوروبيون نحو الدنيا الجديدة.

ومع أن المسافة الفاصلة بين الساحل الإفريقي والأرض اليمنية لم تكن تتجاوز عشرين ميلاً إلا أن الفترة كانت مهمة في التاريخ الإنساني لأنها سجلت تطوراً خطيراً بخروج الإنسان من القارة إلى بقية أنحاء العالم حسب تحليلات عينات الحامض النووي المستخدمة حالياً في المستشفيات والدراسات الجامعية.

ماذا حدا بالأفارقة إلى الهجرة خارج القارة إما إلى أوروبا وإما إلى اليمن ومنها إلى بقية آسيا. الاحتمالات متعددة وتشمل نقصا في الطعام، تغيير المناخ مثل تحول الغابات إلى صحاري، انقراض فصائل من الحيوان كانت الشعوب تعتمد عليها. ومع ذلك ازدادت أعداد المهاجرين وتناسلت حتى وصلت بضعة ألوف إلى أكثر من ستة ألف وخمسمائة مليون نسمة حالياً. ولا يزال الناس يتكاثرون ومنهم من حددوا أعدادهم مثل أوروبا واليابان بعدة وسائل ومنهم من تزايدت أعدادهم مثل الصين، ألف وثلاثمائة مليون، والهند، ألف ومائة مليون. وتشهد الجمهورية واحدة من أعلى نسب التكاثر رغم ضآلة عدد السكان ومع ذلك فإن بلداناً أخرى تحاول جاهدة تحديد النسل لأن طلب الناس زاد على العرض كما يقولون في مصر دائماً. ويتوقع البعض تزايد عدد سكان العالم بحوالي مليار نسمة خلال الثلاثينيات من القرن الحالي أو بعد عشرين سنة فقط. وبالإمكان تصور نسبة التضخم الاقتصادي بارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص المياه الجوفية والتغييرات المناخية التي قد تؤدي إلى جفاف شديد أو فيضانات رهيبة كالتي شهدناها في أمريكا والهند خلال الشهر الحالي - سبتمبر. أو أي كوارث كبيرة أخرى. وقد أشار العلماء، كما قالت «الأوبزرفر» إلى بركان «ماونت توبه» الذي اندلع في جزيرة سومطرة الإندونيسية قبل حوالي سبعين ألف سنة قضى خلالها على معظم المخلوقات في العالم من حيوان ونبات وكان أسوأ ما حدث للعالم في مليوني عام.

جاذبية الدراسة تكمن في وقوع باب المندب اليمني - لا أدري ماذا كان يُسمى قبل سبعين ألف سنة - في الطريق بين أفريقيا والشرق الأقصى عن طريق الهند. ولا شك في أن عدداً كبيراً من الأفارقة العابرين استقر في اليمن الميمون حيث الماء والنبات والحيوان وعمر الأرض وزرعها وتناسل ومن ثم توجه إلى أقرب بقعة أرض خصبة وطبعاً كانت غير مأهولة لأن الهجرات الأفريقية كانت لا تزال في بداياتها كما تقدم ومن بعدها بعشرات السنين ازداد عدد الناس حتى وصلت حالياً إلى مئات الملايين. وبعد الهند استمر المشوار إلى بقية شبه القارة ثم جنوب شرق آسيا وبعدها الصين. ومن هناك توزع الناس حتى أن معظم سكان القارة خارج الهند يعودون إلى أصول صينية ومن ضمنها اليابان وجنوب المحيط الهادي حتى الولايات المتحدة براً قبل أن تغمرها المياه. وباكتشاف الحامض النووي يستطيع أي طالب علوم تحديد الأصول حالياً وبسهولة وسرعة. لذلك تعتمد المحاكم الغربية حالياً المورثات - أي الجينات - كأدلة قاطعة على الأبوة والأمومة حتى وإن امتدت الأصول إلى القرون الوسطى. وهناك أدلة كما تقول المصادر العليمة «للأوبزرفر» على أن بعض سكان لبنان يعودون في أصولهم إلى الأوروبيين الذين غزوها خلال الحروب الصليبية ولا شك أن ملايين الأسبان سيجدون مورثات عربية في دمائهم بعد أن استوطن المسلمون الأندلس لسبعمائة سنة. وسيجد أهل اليمن مورثات هندية كما سيجد الهنود مورثات يمنية خصوصاً من حضرموت. الحضارم استوطنوا ساحل ملبار في ولاية كيرالا الحالية وآخرون من يافع والعوالق سكنوا حيدرعباد عندما كان يحكمها المغول سيما النظام أو الملك مير علي خان ومن قبله أجداده لأنهم كانوا يفضلون العرب في جيوشهم وشرطتهم وحرس القصور لأن غالبية سكان حيدرعباد كانوا من غير المسلمين أي الهندوك حتى الوقت الحاضر. وبعد استقلال الهند حاول النظام إعلان دولة مستقلة ذات سيادة بعد خروج بريطانيا إلا أن الهند سحقت المحاولة بغزو الولاية وضمها إليها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى