هدم التاريخ ونكران الواقع

> محمد علي محسن:

> أيها الشيء اعمل شيئا، فاللاشيء يقتلني. هكذا يبدو حالنا اليوم ونحن نبحث عن هذا الشيء ولم نعثر عليه في الأحزاب السياسية أو الانتخابات أو الصحف والقنوات الفضائية أو الهيئات والجمعيات الحقوقية والمهنية.

في البدء كان البحث في الدولة الواحدة عن اليمن الديمقراطي الموحد سلمياً ومن دون دماء أو أرواح مزهقة، لكننا وبعد العام الأول كنا قد فرطنا في أشياء ولم نحصل على الشيء المرجو من الديمقراطية والتعددية والوحدة السلمية، عندما فشلت الانتخابات البرلمانية في تسوية عادلة للخلافات المحتدمة، كانت الحرب الأهلية وسيلة أخيرة للحسم، ومع كل ما حدث فإن المعركة أفقدت الجميع ما بقي من أشياء تحققت في ظل الدولتين أو الدولة الموحدة دونما الظفر بشيء غير المكاسب التي جناها البعض، وجلها شخصية.

خمسة عشر سنة على الحرب، ومازلنا محلك سر، بين الدولة الموحدة المراد فرضها واستمراريتها بذات العقلية والمنهجية الجهوية المنتصرة في الحرب الأهلية وبين محاولات لاتنتهي من جهة شركاء الوحدة السلمية ومعهم دعاة شركاء الدولة الوطنية الموحدة غير المحققة بسوى العلم والنشيد والسلطة والشعار في البحث عن الشيء المفقود الذي استنزف جهد وطاقة الغالبية المجتمعية في البلد بما فيها الجهة المحاربة للانفصال عام 94م، والتي وجدت نفسها في نهاية المطاف أكثر مرارة وخيبة من الفئة المهزومة ذاتها، خاصة بعد أن ثبت لها حجم ما خسرته من مكاسب وحدوية ووطنية وديمقراطية في حربها الأهلية من أجل الشيء المفقود في الوحدة السلمية.

الواجب يقتضينا جميعاً أن نحاول وألا نكف عن المحاولة، حتى ولو أحسسنا في بعض الأوقات أننا ننطح في الصخر رؤوسنا، فالتشاؤم إهدار للتاريخ، والتفاؤل إنكار للواقع، هذه الكلمات خطها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في تقديمه لكتاب صلاح الدين حافظ، نقيب الصحافيين العرب، (أحزان حرية الصحافة). لا أظن أن ثمة فارق بين أحزان حرية الصحافة في مصر وبين (أوجاع اليمن) في كتاب الدكتور البيضاني نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في الشمال، الفارق أننا هنا في هذا البلد المترع بالتشاؤم والتفاؤل من ناحية لم نهتد جميعنا للوطن الواحد الجدير بآمالنا وطموحاتنا وحياتنا المهدرة في سبيله، عندما نقول الوطن الواحد فلايعني قسر الناس على القبول بوحدة لاتستقيم أبداً مع الوحدة الوطنية القائمة مداميكها على المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية والشعور بالانتماء لوطن واحد، ولكننا نشير إلى ماهية المشكلة الناتجة عن سنوات من البحث عن وطن مستقر ومزدهر ودونما جدوى، وقبل ذلك الشيء الذي لم ولن نصل إليه في المدى القريب.

البعض منا ذهب خلف حنينه للأيــــام السالفـــات في كنف الدولةـــ المجزأة لعلـــه يستعيد مـــا فقده في الدولـــة المتوحدة، البعض الآخــر سئم الأحـــزاب والانتخابــــات والواقـــع الوحدوي، إلا أنـــه لم يكف عن التفـــاؤل بإمكانيـــة التغيير لمجمــل الأوضـــاع الوحدوية القاهرة ولو بعد حين، وهنالك من وجد في الحالتين الأولى والثانية ضالته بالبقاء في السلطة أو المعارضة في الحياة السياسية أو المنافع الشخصية و..و.. إلخ، من ثنائية قائمة منذ صمتت دانات المعركة وبدأت نيرانها تستعر في بطون وأفئدة المصطلين بها.

التفاؤل بمعالجة المسألة بواسطة صناديق الاقتراع يعد مغالطة وتزويغا لواقع مأزوم يزداد بمضي الوقت قتامة وتعقيدا، كما أن التشاؤم المفرط باستحالة الحل بغير هدم التاريخ والديمقراطية والأحزاب والدولة الواحدة هو إهدار للوقت والجهد والتفكير وللمحاولات المبذولة من أجل التغيير المنشود الذي يعد غايتنا، لكننا نجهل أو نضل السبل المؤدية إليه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى