ما الذي ينقص الفنان الصلاحي حتىيرتفع إلى مصاف نجوم الغناء في اليمن؟

> «الأيام» محمد عمر بحاح:

> الفنان فيصل الصلاحي صاحب صوت عذب، وواحد من أصحاب الأصوات الجميلة الذين ظهروا في السنوات الأخيرة، والذي لاخلاف حول جمالية صوته وقوته وأحقيته بالنجاح، لكنه ظهر في زمن غير مواتٍ، وفي مكان كان قد بدأ يفقد الكثير من العناصر المؤهلة، فكان من الطبيعي أن يتأخر نجاحه كل هذه السنوات.

منذ ظهوره قبل ثلاثة عقود لم يحظ الصلاحي بما هو جدير به من شهرة، بالرغم من امتلاكه كل العناصر الفنية من موهبة أكيدة، وجمال صوت، وحضور على المسرح ومن وسامة وجاذبية ومن خلق حسن، وهي كفيلة بنجاح أي فنان يملك مواصفاته.

والمتتبع لمسيرة هذا الفنان المهضوم لابد أن يضع علامة سؤال تدعو للتأمل أكثر منه للجواب.. ولعل أهم ما في هذا الاستفهام: ما الذي ينقص فنانا مثل الصلاحي يمتلك كل تلك المواصفات التي أشرنا إلى بعضها حتى لايحقق النجاح ويرتفع إلى مصاف نجوم الغناء في اليمن؟ هل القضية فردية تتعلق بذات الفنان أم أنها أبعد من ذلك؟.

أسئلة قد لاتتعلق بالصلاحي وحده، بل بجيله، وبالراهن الغنائي في كل الوطن.. وتتعلق بالعلاقة بين الذاتي والموضوعي، لأننا لن نصل إلى فهم للظاهرة من دون أن نشخص طبيعة تلك العلاقة وتأثيرهما المتبادل، ومساهمة أحدهم في نجاح الآخر.

ومن أولى علامات كبح مسيرة الفنان الصلاحي وجيله الذي ظهر معه أو بعده، عدم توفر مناخ غنائي وإمكانيات وموارد مادية وفنية ومعنوية تساعد على تطورهم واستمراريتهم والمساهمة في نجاحهم.. فقد اختفت الحفلات الفنية، واختفى المتعهدون الفنيون الذين يتبنون المواهب والمبدعين، ويوجدون الصلة المباشرة بينهم وبين الجمهور، والتي كانت تسهم في التنافس بين الفنانين.

كما تلاشى دور المؤسسات الإعلامية (إذاعة وتلفزيون) في تسجيل ونشر الأغنية، إلا لمن يملك الواسطة، حتى وإن لم يمتلك الموهبة! فلم يعد أمام الفنان الحقيقي من صلة تصله بجمهوره غير (الكاسيت).. ولما كان لايملك إلا قوت يومه فإنه يعجز عن إنتاج ألبوم خاص به.. فيجد نفسه محاصرا، مختنقا أمام تجاهل الجهات الرسمية التي يفترض بها رعاية الفن والفنانين، أو واقعا تحت وطأة احتكار شركات الإنتاج (الخاصة) على قلتها، وتخلف أدواتها الإنتاجية، فينكفئ من يحترم نفسه وفنه على نفسه، أو على الخاصة من أصدقائه ومقدري فنه وموهبته، أما من يذل نفسه، ويمتهن فنه فتجده يقف على أبواب من لاعلاقة لهم بالفن وأهله، يشحذ موعدا أو فرصة لتسجيل أغنية أو أكثر من أغانيه، ثم لايناله من حقوق الإنتاج الفكري المادية إلا الفتات!!.

محنة الصلاحي وأترابه من الفنانين المبدعين، إنهم يملكون الموهبة الحقيقية، ولكنهم لايملكون الأدوات والوسائل التي يصلون بها إلى الجمهور ويحققون من خلالها النجاح.

لايمكن تحقيق الازدهار للأغنية بدون وسيلة بث وانتشار.. بدون أضواء، بدون إعلام، بدون منافسة، بدون حرية ومسئولية، بدون اعتراف بالتعدد والتنوع، بدون فرق موسيقية، بدون وسائل جديدة يفرضها تطور التكنولوجيا، بدون التفاعل بين الفنان والجمهور من خلال الاتصال المباشر، بدون رعاية غير مشروطة من الدولة ومؤسسات المجتمع للفنان كي يبدع بدون حدود ولارقابة ولاتوجيهات، ولايمكن تحقيق الازدهار بوجود تمييز بين فنان وآخر لأسباب مناطقية أو شللية، وأيضا بوجود هذه المركزية اللعينة التي لاتحترم التنوع والتعدد، وتخنق الإبداع وتريد أن تصيغ ثقافة المجتمع كله بقالب بارد وجاف ومغلق بدل أن تحولها إلى حالة ثقافية حضارية خصبة فاعلة ونشيطة.

محنة الصلاحي الفنان وجيله هي جزء من محنة مدينة ومجتمع يراد احتضانهما إلى حد الاختناق!. لقد كانت عدن الحاضنة والمستوعب لتراث الغناء في اليمن من صنعاني ويافعي ولحجي وحضرمي، والرحم الذي ولدت منه الأغنية الحديثة (العدنية) وانطلقت منه الأغنية اليمنية إلى رحابها وفضاءاتها الإقليمية والعربية ولم تقم أية مدينة أخرى بهذا الدور في حفظها لخصائصها المحددة التي تميزها عن سواها.. فعلت ذلك في زمن الاحتلال والانعزال، فساهمت في تجديدها وتطويرها وانتشارها. هذا واقع، وتاريخ، وحقيقة لاينكرها إلا جاحد.. وفعلت ذلك حتى في ظل التزامها الأيديولوجي والسياسي الذي كان تعبيرا عن زمن سياسي، لكنه مع ذلك لم يفرض عليها التخلي عن دورها ومسئوليتها، وفشل الذين حالوا ذلك لوهلة معينة، لأن منعطف الأشياء كان أقوى.. اليوم هناك من يريد أن يخنق هذا الرحم الخالق، وهناك من يريد أن يكتم هذا الثغر الباسم، إما عن حقد دفين أو عن جهالة أو عن غيرة عمياء، ولكي يتحقق له ذلك الهدف، فإنه يسعى بكل ما يستطيع إلى طمس هويتها الثقافية والتاريخية وخنق طموحاتها وطموحات أبنائها، لأنه يرى في مدنيتها وحداثتها المجتمعية وسماتها الحضارية الإنسانية خطرا عليه وعلى مشروعه الذي ينتمي إلى عصور ما قبل الدولة وما قبل الحضارة والمدنية.. لكن عدن مدينة عصية على الموت.. إنها مدينة الحياة والحرية.. إنها عنقاء الرماد أو طائر الفينيق.. قد يكون صوتها حزينا مثل قُبّرة لكنه الحزن المتمهل الذي يمثل نشوة الأمل.

فغنِّ ياصلاحي، فإننا نرى في غنائك تغريد العندليب، وفي صوتك العذب انتصار المستقبل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى