مآثر تعميق الوحدة الفنية.. في أعمال عطروش الغنائية

> «الأيام» مازن سالم صالح:

> للفنان الكبير محمد محسن عطروش مآثره العديدة المتعددة في الارتقاء بالرسالة التنويرية للفن (الغناء) وتعميق مآثر الوحدة الوطنية.. إذ طبعها العطروش بطابع فني خالص.. تأتي بمضمون جذاب.

نظراً لما يمتلكه هذا الفنان من حس مرهف وعاطفة جياشة، ولتمكنه من معارف الفن والثقافة وإجادته للغناء صوتاً وأدواتا، وقد لعبت خلفية حياته بمحطاتها المتعددة بداية من أبين فعدن فمصر وتعز وغيرها.. لعبت دورها في النمط الفني الغنائي الذي كان مصدره العطروش، وتغلغله في نسيج وتكوينات المجتمع اليمني بمختلف شرائحه وانتماءاته.

إذ كانت حوارات وجمل وفواصل أغانيه الغنية (لزمات) حياتية حافلة بالحركة والحياة لتشعبها وتشبعها وتعمقها في رصد تفاعلات وحركات المجتمع الحية.

دأب العطروش على ذلك حتى غدا لديه هذا الأسلوب رافداً فنياً معطاءً، وتوجه غنائياً رفيعاً لرسالة الفن التنويرية.

وإذا ما نظرنا إلى دلالات هذا القول في خطاب العطروش الفني الغنائي بإلقاء نظرة أولية بسيطة من دون كلف في التعمق للاحظنا السياق متعدد الأغراض ومتنوع بتنوع المناطق والمدن اليمنية، سواء كان في الكلمات التي هي من شعره أو تلك التي كون بها ثنائياً فنياً لامعاً مع حالة الشاعر الكبير عمر عبدالله نسير، أو ألحانه وكلماته التي أسداها للغير، لكن بصمته واضحة عليها، ويمكن استنباطها من دون رؤية فنية أو خبرة غنائية.

لأن للعطروش صوته الفني المميز المختلف عن الجميع، وهذا سر تميزه وتفوقه وتأثيره في ذائقة المتلقي والمستمع، حتى أنه غدا في فترة من الفترات ذا ترجمة تستشرف الرؤى والأفكار والانفعالات.. وفي هذا الجانب استذكر جمالية بلاغية وخطابية طريفة للاستعانة بها في تأكيد الدلالة للراحل عبدالقادر خضر.. بأن العطروش هو الفنان الوحيد القادر حتى على تلحين نشرة الأخبار.. وهذا على سبيل المبالغة والإشارة والإشادة إلى جودة وقيمة الحالة، وأعماله وبراعته في تقديم اللحن السهل (الممتنع) والممتع في آن بأية كلمات ألفت وبأية لهجة قيلت.. وهذه ميزة أخرى انفرد بها العطروش وعرف بها، بمعنى آخر أن العطروش جمع في حوبته الغنائية كل الألقاب التي يمكن توزيعها على جملة من الفنانين، إذ كان ولايزال كما عرف بأنه فنان الكادحين والمزارعين والفلاحين، فغنى للبتول والصراب والسبول والفيوش والرميلة.. وبرع كصوت فني مجلجل وهادر، كما غنى للمدفع والرشاش والبازوكا.

علاوة على ذلك فإن خطاب العطروش الغنائي لم يراوح عند هاتين المحطتين، فكان الاهتداء إلى جمالية المناطق والأماكن وتأثيرها على النفوس والقلوب في الأعم الغالب.. في مثل حله والمحلة وتين حلال وأرجعوا لي مطنوش والنوبي وياعايل ياطاير على الروضة الخضراء ياهل لودر سقا الله سقاكم، وبائعي الفل في الشيخ عثمان وبائعات البلس والقات في صبر.. كما غنى للسهل والجبل والبندر.. أما على صعيد الأداء السماعي والصوت العاطفي فاجترار روائعه الغنائية الخالدة من قبل جيل اليوم لأبلغ دليل على قيمتها ونبوغها كما في طبع الزمان وجاني جوابك ورماني بالحدق وعاملونا صغار لاتركوا ذا العناد وأنته حبيبي أنته وغيرها، وحتى الموشحات والأغاني الدينية كان للعطروش نصيب وافر منها.. وقد لايعرف البعض أن ولوجه لمحطة الفن والغناء والثقافة كان عبر بها خاصة وهو الذي بدأ منشداً دينياً في حضرة والده بمسجد المحل برباط باجديد يومها.

وفي ما تقدم ذكره كان غرضنا الاهتداء إلى الدلالات الفنية التي تجمع ولاتفرق وتقرب المسافات ولا تجعلها غريبة.. تقدم الألفة والمحبة والشراكة على طبق الفن المباشر الذي يدخل القلوب دون استئذان، وهذا فقط من باب التعبير المباشر لصورة الفني المؤثر دون التعمق في بنية الكلمات الخطابية والأسلوبية والبيانية، هذه الكلمات التي تعين في التجمع والتوحد، دون تمييز لجنس أو لون أو عرق أو طبقة أو طائفة أو شريحة أو فئة.

والمعنى والمغنى لدى العطروش يذهب إلى أبعد من ذلك في الإيحاءات والدلالات والنصوص، ذلك أن باستطاعته الوصف والتعبير الدقيق بمقدرة فائقة، وهذا ما افتقده غيره.. أو قد غاب عن ذهن البعض منهم.

ولعل من نافلة القول أن نقول في الختام إنه ورغم خبرته الفنية وتجربته الحياتية الطويلة.. إلا أنها تميزت بالثبات والصبر.. لاسيما وهو الذي دوما ما يؤكد خطابه الحر الجاد الواثق الشجاع الذي دائماً ما يردده، وآخره في دردشة فنية عبر الفضائية في خواتم رمضان وعيد الثورة في هذا العام.. بأن «فنا لايقدم المعنى ولايليق بالمبنى ولايبث ويحرك ويعبر المشاعر العامة والخاصة ولايدغدغ العواطف ويهز المشاعر ويلم الشمل وينشد التغيير وينشر الوعي ويسعى إلى الإنتاج- وقد فاتنا أن نذكر بأنه داعي الإنتاج الفني الأول، كما في ياعامل يازارع ياصانع، ياصماصيم، عمل ياشعب- ليس بالفن، والفن منه براء، لكن عوامل وجوده تستدعي إطلاق الهمم وتنمية الإبداعات والقدرات ودعمها الدعم اللائق وبالإمكانات اللازمة، وإن لم يجد هدى أو إرشادا لتوجيهها، فتبقى الاستعانة مهمة بأصحابها، وهم أولى بها، كل في مجاله، أما أن تترك الساحة والباحة سدح مدح.. شعارات وهتافات وزعيق وصفير وخرير فتلك عيشة الحمير، والجميع يأباها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى