حضرموت وكارثة الأمطار والسيول

> علي صالح باقي:

> كارثة حقيقية تلك التي شهدتها محافظة حضرموت خلال ثلاثة أيام من الأسبوع الماضي, تحديدا الأربعاء والخميس والجمعة، راح ضحيتها حسب إحصائيات غير نهائية ما يزيد على (54) شخصا، وعدد آخر في عداد المفقودين.

ورغم الجهود الرسمية السريعة من أعلى هرم للدولة، إلا أن آثارها ستظل لفترة طويلة، فالأمطار والسيول التي شهدتها المحافظة- وهنا نتحدث عن عاصمتها المكلا- هي الأولى من نوعها منذ ثلاثة عقود، شهدت خلالها المدينة حركة عمرانية غير حضرية، أبطالها مهندسون (للأسف)، فقدوا إنسانيتهم وباعوا ضمائرهم، فصرفوا أراضي على مجاري السيول وخططوا في بطون الأودية، غير عابئين بتلك السيول المعروفة بمدينة المكلا، وهي سيول ثلاثة تأتي من أشهر أودية بمدينة المكلا، السيول الأولى المعروفة بسيول (وادي سقم)، والثانية السيول القادمة من (وادي السدد) والسيول الثالثة القادمة من (وادي الغليلة)، حيث تجتمع وتلتقي في (سائلة العيقة) التي تحول جانب كبير منها إلى (خور المكلا).

تلتقي هذه السيول الضخمة في سائلة (العيقة) لتشكل سيلا واحدا عرمرما، يجرف كل شيء أمامه دون رحمة، ولهذا كانت كارثة الأمطار والسيول التي شهدتها مدينة المكلا كبيرة وخطيرة، وزاد من خطورتها تلك الجسور التي بنيت أثناء الاحتفالات بالعيد الوطني الخامس عشر لبلادنا، ولعل الجسر الصغير الذي بني بجوار (جولة الكتاب) من أخطر تلك الجسور، وتحول إلى (سد منيع) أمام السيول الكبيرة القادمة من (منطقة سقم) بديس المكلا، الأمر الذي أدى إلى اصطدام مياه السيل بهذا الجسر أو السد، فعادت المياه بقوة إلى منازل المواطنين بحي (جول الشفاء) بديس المكلا، وكادت تودي بعشرات الأفراد من بيت آل (بن سميط) (وآل مقداد) وآل (بن عبادي) وآخرين، لولا لطف الله، وتصرفهم السريع بإخراج النساء والأطفال وكبار السن من نوافذ منازلهم في ليلة حالكة السواد ظلماء، بسبب انقطاع التيار الكهربائي، فضلا عن تضرر مسجد (عقيل بن أبي طالب) ومنازل عدة بأضرار مختلفة، وتهدم وإزالة الإسفلت المؤدي إلى هذه المنطقة، في حين أحدث الطريق المؤدي من المؤسسة اليمنية الاقتصادية إلى جولة الكتاب- وهو الطريق الذي يقف سدا منيعا أمام السيل القادم من منطقة (الغليلة) ثاني أكبر السيول المعروفة بمدينة المكلا- أضرارا بليغة في جدران ملعب الفقيد بارادم، حيث تهدمت أجزاء كبيرة من جدران الملعب، ولم يترك المهندسون الذين قاموا بتنفيذ الطريق سوى فتحات بعرض مترين في مترين لمرور مياه السيول القادمة من منطقة الغليلة- وهي سيول لو تعلمون عظيمة- فكانت الكارثة وتحولت محافظة حضرموت بين عشية وضحاها إلى محافظة منكوبة.

إننا أمام كارثة حقيقية وقاسية، تجرع مرارتها أبناء محافظة حضرموت الذين فقد البعض منهم سياراتهم وممتلكاتهم الخاصة، فضلا عن الممتلكات العامة التي أنفقت الدولة عليها مليارات الريالات، أما في الوادي والصحراء فتحولت قرى بأكملها إلى أثر بعد عين، فقد أزالت أمطار السيول قرى عن الخارطة، وتشرد سكانها بين القرى الأخرى.

لهذا فإن قيادة محافظة حضرموت تقع عليها مسئولية كبيرة ومهمة، وليست هي فقط المعنية بالأمر، بل جميع المجالس المحلية في المديريات وأبناء حضرموت عامة معنيون بإصلاح الخلل الكامن في بعض الطرقات، والأخطاء الهندسية المميتة في الجسور التي تحولت بقدرة قادر إلى سدود منيعة لصد مياه الأمطار والسيول، واتخاذ إجراءات صارمة ضد من يقومون بالبناء العشوائي أو البناء في مجاري السيول والأودية، وإجراءات أقسى ضد المهندسين المتلاعبين بأرواح المواطنين، الذين قاموا بصرف أراضٍ على مجاري السيول ليعرضون الوطن والمواطن إلى كارثة حقيقية.

إن الضرورة تتطلب سرعة إعادة الخدمات الأساسية للمناطق المتضررة في جميع مناطق حضرموت، وسرعــة فتح الطرقــات الداخلية والخارجية بالمحافظــة، وتطبيع الحياة في أسرع وقت ممكن للتخفيف من حجم الكارثة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى