«الأيام» نحن فيها شركاء لنا ما لها وعلينا ما عليها

> علي محمد يحيى:

> منذ أن اتخذ الرجل الكبير عميد «الأيام»- رحمه الله وطيب مثواه - قراره الحكيم بتسمية صحيفته المرتقبة التي انتظر مولدها قبل خمسين عاماً بـ «الأيام»، لا شك في أن قراره ذلك لم يكن إلا حدساً منه وفراسة.. بل وإلهاماً استشرف وأدرك من تلك التسمية مالم يدركه غيره وقتها.. وربما خطر بباله حين خاضها ببث الشعر القائل:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً

وتأتيك بالأخبار مالم تزودِ

ذلك البيت الذي ما انفك رسول الله صلى الله عليه وسلم يردده حين يحار في شيء، وذكر قائله بالخير.

«الأيام» كانت المبتغى عند الرجل الكبير- مؤسسها- فجعل منها وقفاً لا حكراً لكل بني المجتمع، ولسان حال المستضعفين منهم على امتداد تاريخها وعمرها المديد.. فكانت انطلاقتها سباقة في الوقوف إلى جانب الوطن شمالاً وجنوباً، أرضاً وشعباً، وفي توعية الناس صوب حقوقهم ومطالبهم وقضاياهم، وثورتهم.

ألم يكن الرجل الكبير - العميد - هو أول من تحدى ظروف الاحتلال وحصاره في الجنوب حين أعلن في الشمال نجاح الثورة ليكون أول الواصلين إلى صنعاء لتهنئة الزعيم الراحل الرئيس عبدالله السلال - يرحمه الله - بانتصارها نيابة عن أبناء عدن والجنوب.. وجعل من جل صفحاتها أخباراً ومقالات تنصر الثورة وتدعمهـا .. بل واستمر وقعها على الحال ذاته إن لم يزدد بعد مدة وجيزة حين اشتعلت ثورة الجنوب، فكانت أقرب إلى أن تكون لسان حالها، لقناعة مؤسسها بأن نضاله الواعي ووطنيته لم يكونا ليعرفا الزيف.. ولم يكن له من مآرب غير رؤية بزوغ (فجر الحرية)، فكان الاستقلال، وكان لصحيفته شرف الإعلان.

مواقف الرجل الكبير - رحمه الله - حفزت الذاكرة لأستحضر مقولة للشيخ محمد عبده، قيلت في أمثاله وهي أن الكبار من الرجال مرآة في أممهم، وإنما يظهر أثرهم في إرشادها والسير بها في الطريق المؤدية إلى الغابة التي تطلبها، وليسوا بخالقين ولا ناشرين من موت.. وإنما تنجح الهداية فيمن رمى بفكره إلى المطلب وعرف أنه أبعد عما فيه فتهيأ للسفر، وتحفز للرحلة وأخذ لأمره أهبته، وأعد له عدته واستقام على أول الطريق، وأن الرجل الكبير يحس ويتألم ويدفعه الألم إلى أن يتكلم، بل تحمله شدة الألم على أن يجاهد قومه وهم أحب الناس إليه ويقاتلهم ليدفعهم عن موارد الهلكة وهم أعز الخلق عليه.. ولكن قد يبلغ بهم العمى أو قصر البصر أن يعدوه عدواً لهم، فإذا جاءهم عدوهم الحقيقي وأحسوا شدة الصدمة صاحوا.. ولكن صياح الثاكلة العاجزة، فينتهي بهم الأمر إلى الاضمحلال وما بعد الاضمحلال إلا الزوال.

واليوم وبعد سنوات مضيئة من إعادة إصدار «الأيام» على يد الناشرين العزيزين هشام وتمام لم تعد «الأيام» ملكاً لأصحابها، بل هي ملكنا جميعاً، نؤثر فيها ونتأثر بها، نعيش ظروفها.. أفراحها وأتراحها، فهي منا ونحن منها في عروة وثقى لا تنفصم، فكلما غوى أحد الجهلة من ضعاف النفوس أو عميت بصيرته في أن يسيء إليها أو إلى أصحابها ازداد تعاضد الأمة، وتماسك أبناؤها لحماية الكلمة الشريفة التي «الأيام» مصدرها والدفاع عن رعاتها الكبار أبناء الرجل الكبير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى