حسن عطا.. العطاء الحسن

> «الأيام» أمل عياش إسماعيل:

>
ظاهرة تهاوي الفنانين والمبدعين على فراش مرضهم، ظاهرة مقلقة أشبه ما تكون برصاصة الرحمة التي تنتظر الحصان (الميري) في نهاية خدمته.

«شعرت بألم العبرة داخلي إلى أن تحولت إلى بكاء شديد ألما من ما أنا فيه!».

تلك كانت جملة في حديث الفنان وبطل الأناشيد (حسن عطا) صاحب العطاء الحسن في تربية جيل منذ بداية الثورة اليمنية والعربية بالإحساس الوطني حتى قيام الوحدة.

وواصل حديثه قائلا: «كان ذلك الألم عندما هاتفني المذيع جمال مهدي بمناسبة ذكرى الرابع عشر من أكتوبر كي أسمعه من أناشيدي الوطنية، في الوقت الذي كنت أسيرا مقيدا في حبسي.. من سيسمعني؟ من سيقول حسن عطا مرمي في البيت؟ يأكل أو لايأكل؟ يتلقى العلاج أم ينتظر قدر الله؟!».

وواصل حديثه قائلا: «ولأن المقام هو الحديث عن الثورة من خلال رؤيتي كفنان أروي لكم قصة أغنية (ثرنا على الرجعية) عندما ألفتها ولحنتها وغنيتها كان من باب التحدي بيني وبين شخص آخر، بعد أغنية الفنان الكبير محمد محسن عطروش (برع يا استعمار)، وقال لي هذا الشخص هل تستطيع أن تغني أغنية مثلها، وأنا حينها كنت شابا وأي كلمة تؤثر في، وقبلت التحدي، على الرغم أني لست مؤلفا ولا شاعرا، ولكن حينها الحماس الوطني ولد عندي الشعر، ألفت هذه الأغنية ولحنتها، وطفت بها بعض المحافظات في ليلة 29 نوفمبر1967، استمررت بالغناء في تلك الليلة حتى صباح ليلة الثلاثين من نوفمبر1967، وكان الشعب كله يغني (ثرنا على الرجعية ثرنا) فرحا بالانتصار».

ومن المعروف أن الفنان حسن عطا تربوي قدير، إذ عمل في مجال التربية والتعليم حتى العام 1967.

وكان مديرا لأكبر مدرسة في الجنوب، مدرسة (المحسنية)، نسبة إلى الأمير محسن فضل بن علي أخي السلطان عبدالكريم فضل بن علي العبدلي.

ويقول الفنان حسن عطا: «حينها كان التعليم محدودا، فطورت المدرسة المحسنية، وجعلت الدراسة فيها فترتين صباحية ومسائية، وتتلمذ على يدي كثير من الإخوة الفنانين والقادة، وكان لهم فضل في عملية ترشيحي ونجاحي في انتخابات مجلس الشعب المحلي».

الفنان حسن عطا مثل الثقافة في المجلس التنفيذي عندما كان عضوا فيه في إطار محافظة لحج، ثم عين من قبل المجلس التنفيذي مديرا للثقافة في لحج.

وقال حسن عطا: «تركت الثقافة لأنني لم أستطع أن أطور من الثقافة من حيث إني مرتبط بها، على أساس أن أعمل فيها تطويرا ما، فوجدت فيها صعوبة، فقررت أن أترك الثقافة قبل أن أحال للتقاعد».

ويصف الفنان حسن عطا وضعه المادي في تلك المرحلة من العطاء بقوله: «كل هذا وكنت أسير على قدمي، لا أملك سيارة خاصة أو حتى سيارة عمل».

وفي فترة الصراع القومي العربي ضد المستعمر كان للفنان حسن عطا دور بارز بين في هذا المجال، إذ غنى لثورة الجزائر الأغنية والأنشودة المعروفة التي مطلعها:

أخي في الجزائر ياعربي

تحدى فرنسا ولاتهبِ

أنت الدفاع وأنت الأبي

عهدناك في الشرق والمغربِ

غنى هذه الأغنية بصوت مجلجل في زخم الثورة العربية ضد الاستعمار الفرنسي والبريطاني.

ويصف الفنان حسن عطا عملية التواصل مع الأحداث في تلك المرحلة بقوله: «كنا لانملك جهاز تلفزيون، بل نستمع إلى (صوت العرب) من الإذاعة، وبمجرد أن نسمع المذيع أحمد سعيد (يلعلع) بالإذاعة تأخذنا الحماسة والوطنية، ونؤلف ونلحن ونغني من أجل القضية العربية، وكانت لي أغنيتي للجزائر من تأليف صالح نصيب وألحان محسن بن أحمد، وأخرى من تأليف الأستاذ عبدالله هادي سبيت وألحان محسن بن علي».

وليست أغنية (ثرنا على الرجعية) التي ذكرتها في بداية حديثي هي الوحيدة التي لها قصة تروى، بل إن هناك قصصا لكثير من الأغاني الوطنية منها أغنية غناها على المسرح في النادي البريطاني في مدينه الشعب بعنوان (أيها العمال) ويقول مطلعها: «أيها العمال هيا يارجال اتبعوا جمال».

وقال: «قيلت هذه الأغنية في تكوين (النقابات الست) وحدث بسبب هاتين الأغنيتين أن هدد المستعمر بالقبض عليَّ وطاردني في جميع الأماكن التي كنت أغني فيها، حينها كان صوتي سلاحا، بل وأقوى من السلاح والرصاص والقنبلة».

واستطرد قائلا: «الرصاص كان يلعلع من سلاح المستعمر وأنا صوتي بالمقابل يلعلع ضد المستعمر وللوطن، واستمر المستعمر بتهديدي إلا أن الشعب قال: نحن لانسمح أن تمسوا شعرة من حسن عطا، وهنا أدركت معنى أن يقف الشعب مع الفنان حين يهب نفسه في سيبل القضية لأن المستعمر يخشى سلاح الأغنية».

يقول أيضا: «أنا لم أغن من فراغ، غنيت حبا للوطن وللشعب الذي يمتلك وطنية وقوة إرادة قوية، غنيت قبل أن تأتي الثورة أغان ثورية ووطنية منذ العام 1958، حتى جاءت ثورة 26 سبتمبر، وأرسلنا عدة أغان، أنا كتبتها ولحنتها، وهي موجودة في إذاعة صنعاء، نحن أدينا الأغاني الوطنية في الشوارع والمسارح والأماكن الشعبية حبا بالوطن».

لم أشر في بداية حديثي مع الفنان حسن عطا لحالته وبؤسه حينما التقيته في منزله في محافظة لحج، ولأهمية أن أضع القارئ العزيز على وضعه الراهن وجدته على سريره لايستطيع النهوض حتى للسلام والترحيب، ومنزله المتواضع ينبئ عن حالته بأفصح من الكلام.

وعندما فتحت معه سيرة معاناته مع المرض، قال باقتضاب شديد: «ثماني سنوات وأنا طريح الفراش، لا أستطيع القيام أو الذهاب حتى إلى الحمام كي أقضي حاجتي أو الوضوء للصلاة إلا إذا كان بجانبي مرافق، أعاني من السكر منذ العام 83م وانزلاق في العمود مما أدى إلى تكسر فقرتين، وأعاني من تحسس في جسمي مما يؤدي إلى جروح أحيانا، المرض أقعدني في الفراش».

رأيت في عينه دمعة، وهو يحاول أن يتوقف عن الحديث عن مرضه، وتحت إلحاحي واصل القول: «ذهبت للعلاج إلى سوريا على نفقة أهل الخير من الذين يعرفوني وأنا لا أعرفهم، ولكن لم أستطع متابعة العلاج لأن المبلغ الذي كان بحوزتي لم يكف، وكما ذهبت رجعت، دون أمل».

أنهيت حديثي معه بعد مغالبة الدمع كثيرا أثناء سير النقاش معه، شعرت بأن حالته تتجسد في جملة أغنيته صاحبة أول لحن له (حالتي ترحم)، قطعت الطريق من لحج إلى عدن، ومازالت صورة الفنان الكبير حسن عطا ماثلة أمامي متوغلة في مخيلتي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى