الثقافة والسلطة

> «الأيام» عصام خليدي:

> ربما كان نصيب المبدعين في اليمن أقل حظاً وأكثر معاناة من أترابهم في البلاد العربية الأخرى فقضية الإبداع وما يتخللها من إشكاليات : (سياسية، ثقافية، اجتماعية) تعد من القضايا المهمة الشائكة المعقدة في مجتمعاتنا العربية المتخلفة كونها تخضع لضغوطات وعوامل وملابسات متعددة متباينة تبرز بصورة واضحة جلية في طبيعة العلاقة بين المثقفين والسلطة .

تاريخنا القديم والمعاصر يفضح عبر الأزمنة بالأدلة القاطعة والبراهين أن الأرض اليمنية أنجبت الكثير من (العظماء) في حقول الثقافة والإبداع كافة ممن ساهموا بما قدموه من عطاءات إبداعية راقية (استثنائية) استندت بمشروعها التنويري الفكري النهضوي إلى قاعدة (حرية الرأي) والانفتاح على كل الثقافات والأديان والمشارب السماوية والدنيوية في مختلف بقاع الأرض.. هذا النوع من الاشتغال (الثقافي الإبداعي) تحقق في مدينة (عدن) ووجد مناخاً ملائماً وتربة خصبة في بداية القرن الماضي الزاخر بالإنجازات والمشاريع الريادية التأسيسية على مجمل المستويات والأصعدة .

واستطاعت مدينة (عدن) بمشاريعها النخبوية.. الفكرية.. الإنسانية أن تحقق دوراً ريادياً ومكانة مرموقة، بل أصبحت (مناراً) ينفث إشعاعاً ووهجاً يرمي بظلاله الثقافية الإبداعية في كل مناطق وبلدان الجزيرة العربية والخليج والوطن العربي بأسره إلى يومنا هذا .

فكانت مدينة عدن (المكان .. الزمان..الصوت) بفضل مشاريع ورؤى وتطلعات وأفكار أبنائها (العظماء) .

وفي الواقع أن كلمة (عظماء) يندرج في طياتها من كان لهم دور رائد في تأسيس البنيان الثقافي من خلال عطاءاتهم الإبداعية والفكرية، ذلك العطاء الرائع الذي شكل تأسيساً للفعل الحداثي النهضوي الثقافي الإبداعي الذي كان مرده طبيعة العلاقة التي حكمت سياق ذلك التطور مع السلطة، إذ كانت أكثر استقلالية وأقل تورطاً في التهافت لخدمة أهواء وأغراض السلطات .

ومن الواضح أن صروف التطور السياسي السلطوي العربي قادت تحت ذرائع ومسميات كثيرة إلى ما يشبه الاستبداد، وبالتالي الهيمنة السلطوية الرسمية على المؤسسـات الثقافية والإبداعية بصورة فجة أنتجت الكثير من الإشكالات التي أثرت سلباً على إيقاع التطور الطبيعي لحركة الثقافة والإبداع عموماً .

ومع كل الآثار الناتجة سلباً عن هذه العلاقات تبقى قضية المفكرين والمبدعين وتحويلهم إلى أدوات تخضع لأهواء وولاءات متضاربة هي أشد وأعنف أشكال الاضطراب النفسي ضراوة ، حيث تأتي الصحوة المتأخرة وبعد أن يتم استخدام كل الطاقات الفكرية الإبداعية حسب (ظروف الزمان والمكان) لخدمة السلطة بعملية أشبه ما يمكن أن نطلق عليها عملية (الاغتصاب الفكري الإبداعي) التي يحدث على إثرها هوة واختلال كبيران في كيان المفكر المبدع، وذلك أمر طبيعي معطياته النتاج المبرمج نظير تلك العلاقة غير السوية لفكر وكيان يجب أن ينمو بمناخ مطلق من الحرية.

وأمام كل تلك الصراعات والهزات الفكرية تأتي (حالة الاغتراب الفكري الوجداني) في حياة هذا المفكر، فيفقد هويته وانتماءه إلى ذاته أولاً وتكون النهاية التي لاشك أنها إفراز طبيعي مرده تراكمات العلاقة السلطوية غير السوية ذلك أن القاعدة لتخلق أي نتاج إبداعي بعافية تامة هي مناخ رحب لممارسة الحرية، حيث إنها التربة الخصبة التي من خلالها ينمو الإبداع ويسـتـقيـم عـوده.

وبالطبع لايعي ذلك المفكر المبدع عواقب مسعاه لمثل تلك العلاقات غير السوية وهيمنتها نظراً لوطأة ظروف معينة ربما نالت من توازنه فلا يدرك أضرار تلك الهيمنة السلطوية إلا بعد أن يتوه بين دهاليزها وتفسده بما ليس بعلمه.

ومن ثم يفقد أغلى وأعظم ما يملكه من هبة الخـالق سبحانه وتعالى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى