الفنان عبدالرحمن البيضاني الوجه المخلوق من الفكاهة والريشة النابضة بالمعاناة

> «الأيام» محمد علي محسن:

> الفنان التشكيلي المسرحي عبدالرحمن علي صالح المعروف بلقبه (البيضاني) يعد الوجه الساخر المعبر عن الضالع وناسها وأوجاعهم وطموحهم ونضالهم حتى في الضروف الراهنة التي تعيشها كمتقاعد بمعاش شهري قدره (27) ألف ريال تجده حاضرا برسوماته الكاريتيرية بنكاته اللاذعة الصارخة وبوجه المعتاد، الدال على الرفض والمقاومة لحالة الانكسار والهزيمة الثقافية والمجتمعية تجاه مجمل القضايا الوطنية والقومية بلوحاته الفنية النابضة بروح المكان والزمان، وبمعاناة الناس اليومية أو لحظات فرحهم وسرورهم.

هكذا إذن لمن لا يعرف الوجه الآخر لمدينة الضالع.. فالفنان المتعدد المواهب عبد الرحمن البيضاني خير طريقة وأفضل وسيلة لمعرفة ما خفي في صدور الناس أو عقولهم وأفكارهم وحتى سخطهم أوضحكتهم أو مراراتهم، فجميعها يعبر عنها الفنان بريشته الساخرة الناقدة للأوضاع أو بتعليقته كممثل مخرج وكاتب مسرحي لا يضاهيه أحد في التقاط المعاناة الحياتية وإحالتها إلى صورة أو مشهد كوميدي مضحك.

لا يتذكر البيضاني متى وكيف بدأ الرسم.. كل ما يتذكره الآن هو أنه والفن صنوان في جسد واحد وميلاد واحد، فالطفل المولود في العام 1960 عرف نفسه رساما بالفطرة والموهبة منذ الصغر، وقبل أن تكتشفه المدرسة كانت أنامله قد نقشت أولى خربشاته وتجلياته الطفولية في الجدران والأمكان، ولأنه من أسرة فقيرة لا تقوى على حمل مواصلة دراسته العليا في الفن التشكيلي الذي برع وبرز به كان البيضاني قد أجبرته الظروف القاهرة للعمل في سينما النصر، ففي عام 1979 تم توظيفه في قطاع السنيما بوظيفة مشغل آلة ليتأخر تأهيله في معهد الفنون الجميلة بعدن إلى ما بعد العام 1986، فعلى إثر رسمه لوحة بديعة للشهيد عبدالفتاح إسماعيل كان إيفاده إلى المعهد بقصد التأهيل له للقيام بتدريس الوسائل التعليمية في المديرية حينها، إلا أن الظروف السياسية التالية حالت دون إتمام رغبته في تعليم التلاميذ الصغار في المدارس مادة الرسم، إذ أن تخرجه من المعهد عام1990 تزامنا مع قيام دولة الوحدة، وبرغم التقدير الحاصل عليه (جيدجدا) الذي يؤهله للبقاء في المعهد كمعيد إلا أن الواقع الجديد شكل أول ضربة موجعة لفنان حديث التخرج، فلقد وجد ذاته وشهادته وتخصصه أشياء محرمة وممنوعة، فالرسم والتصوير صارا من المحرمات التي تستوجب العقاب لفاعلها خاصة بعد حرب 1994.

الفنان البيضاني الحاصل على دبلوم معهد الفنون الجميلة نشرت له صحيفتا «صوت العمال» و«التجمع» رسوماته الكاريكاتيرية بعد تخرجه، والآن توجد له بعض من هذه الرسومات في الصحافة المحلية، كما شارك الفنان في معظم المعارض التشكيلية المقامة في المحافظة أو العاصمة صنعاء التي مثل فيها وزملاؤه الضالع في أسبوعها الثقافي في عام 2004، وعلى الرغم من وفرة الأعمال الإبداعية التي تميز البيضاني عن غيره من الفنانين، وكذا تعدد مواهبه وأعماله الفنية التي لم تقتصر على الرسم، بل تجاوزته إلى كتابة النص المسرحي والتمثيل والإخراج، حتى ألعاب الأكروبات فإنه يشكو حال الثقافة في الضالع مما أصابها من إهمال وتهميش وإقصاء على يدي مكتب الثقافة والقائمين عليه الذين أحالوه إلى جهة منظمة للرقص والبرع والاحتفالات المناسباتية البعيدة عن الفن والفنانين، فيما المواهب والإبداعات الأدبية والفنية فليست من اختصاص الثقافة رعايتها والاهتمام بها أوتكريمها أو تأهيلها، ولعل فرقة (سالمين) بما تملكه من فنانين وشعراء ومسرحيين لخير شاهد على حالة المشهد الثقافي في الحاضر.

(الفنانون الذين هم خلف ثورات أوروبا وأمريكا وهم طليعة رموز المجتمعات المتحضرة يولى عليهم هنا من لاعلاقة له بالفن والإبداع) والحديث هذا للبيضاني الذي لايستذكر اسمه غير في المناسبات والأعياد إذا ماتطلب الأمر وجود الفن التشكيلي، أما أن يستذكره القائمون على الشأن الثقافي في دورة أو مشاركة خارجية أو دعم وتكريم أو حتى مساعدة للعلاج فهذه تعد من المستحيلات الأربع في وطن ضاق ذرعا بالفن وأهله، والحد وصل بالفنان (البيضاني) للمطالبة بتميكنه من تدريس مادة الرسم في مدارس المحافظة التي لايوجد بها من يقوم بتعليم التلاميذ فن الرسم وتنميته وصقل مواهبه.

الفنان (البيضاني) كان أول من رسم شعار المحافظة الرمزي والدال عنها، وذلك بجمعه معلم دار الحيد وحرضة دمت وجسر عامر بن عبدالوهاب الطاهري في لوحة قماشية غطت خلفية المسرح في أعياد الثورة والوحدة، ناهيك عن لوحات فنية جميلة أخذتها الجهات الحكومية ?\?أو تم بيعها بأسعار زهيدة أثناء مشاركته في المعارض الفنية. كما يحفظ الفنان في جعبته ومنزله الكثير من هذه اللوحات الفنية أو الرسومات الكاريكاتيرية، وماننشره له في سياق موضوعنا هذا لايتعدى الثلاثة الأعمال الكلاسيكية التي قدر لنا تصويرها في إحدى الفعاليات المنظمة للوحدة الأولى (عودة الفرع للأصل) وفيها جسد القضية الجنوبية بفتاة حسناء مكبلة القدمين والبدن بجذع شجرة (الأصل) اليابسة والفاقدة لنظارتها ورونقها وحيويتها باستثناء مابقي منها قائما أو غارزا أطرافه في بدن الفتاة المقيدة المضرجة بدماء جروحها، فيما الطيور الجارحة تحلق حولها، واللوحة الثانية (النضال السلمي)، وهي عبارة عن يد تطلق حمامة للسماء، ورغم كل الطعنات المنبثقة اليد من وسطها والتي جميعها خابت في وقت انبعاث النضال السلمي الذي أثرت فيه طعنة واحدة وجهت له من داخله، اللوحة الثالثة (ذهول) رسم فيها الفنان الحالة الراهنة بوجه إنسان هاله ماحدث أمام ناظريه وما يحدث لفكرة ودراسة من تساقط كالحجارة إلى الأسفل، فيما الوجه مذهولا بين الإثنين، علاوة لهذه الأعمال هنالك الكثير منها والتي بلا شك سنتناولها في موضوعات قادمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى