بانتظار عودة الحكمة

> د.محمد حسين حلبوب:

> كما هو الحال في امتحان الثانوية العامة، الذي يمثل امتحانا مصيريا يحدد إمكانية دخول الجامعة من عدمه، ستواجه اليمن في العام القادم (2009) امتحانا مصيريا مشابها.. ونجاح اليمن في امتحان العام القادم سيجعلها مؤهلة للدخول في المسيرة (الجامعة)، التي سيتوافق فيها المجتمع اليمني للانطلاق في إطار الركب الآسوي الناجح. أما الفشل - لا سمح الله - فيعني انزلاق اليمن نحو المجهول ضمن الركب الأفريقي المتعثر.

إن متطلبات دخول اليمن إلى (جامعة) النجاح الآسيوية، تتمثل في نجاح مكونات النظام السياسي (السلطة والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني) في التوافق على آلية لحل مشكلة المشاركة في إجراء الانتخابات التشريعية، والاعتراف بالقضية الجنوبية، وحل مشكلة صعدة. وهذا لن يتحقق إلا بعودة الحكمة إلى السلطة أولا.

وينطلق شرط عودة الحكمة من افتراض أن السلطة لا تدرك بعد أنها في وضع لا يسمح لها بفرض شروطها، وأن هناك متغيرات سياسية واقتصادية محلية وعالمية تفرض عليها أن تقدم تنازلات كبيرة، تضمن مشاركة شعبية أوسع في السلطة والثروة.

ومن وجهة نظرنا فإن على السلطة أن تدرك أنها قد فشلت في المجالين السياسي والاقتصادي، كما يلي:

أولا: مظاهر الفشل في المجال السياسي:

1- إن أهم مظاهر فشل السلطة في المجال السياسي، هو فشلها في الحفاظ على الوحدة الوطنية، متمثلا في:

- تجدد الحرب في (صعدة) خمس مرات - حتى الآن - خلال الفترة (2003 - 2008).

- تصاعد الاعتصامات والاحتجاجات في الجنوب، واستمرارها لأكثر من عامين متتاليين.

- ظهور أشكال من تعارض المصالح بين مراكز القوى في إطار الحزب الحاكم، خاصة في الآونة الأخيرة.

2- فشل السلطة في التعامل مع منظمات المجتمع المدني، واستخدام الرصاص الحي والاعتقالات غير المبررة لمواجهة الحراك السلمي الجنوبي.

3- فشل السلطة في التعامل مع حرية الإعلام، واستخدام وسائل العهد القديم لتهديد أصحابها، أو من خلال المكايدات القضائية الفاشلة.

4- بسبب الفشل في البندين (3،2) فشلت السلطة في كسب موقف المعارضة إلى صفها بخصوص الحرب في صعدة، والاعتصامات والاحتجاجات في الجنوب. وكان يمكن ذلك.

5- فشل السلطة في استخدام الوسائل الديمقراطية المحتكرة لديها، ولجوئها مؤخرا إلى استخدام وسائل الحرب الاقتصادية، مما يعني السماح للجميع باستخدامها. وهذا يمكن أن يتحول وبالا عليها.

من وجهة نظرنا فإن أهم أسباب الفشل السياسي تعود إلى التالي:

1- إن المركزية الموروثة من طبيعة النظام السياسي للجمهورية العربية اليمنية - التي سادت كنتيجة لحرب 1994 - لم تستطع استيعاب عظمة الوحدة اليمنية. وهذا ما يفسر احتجاجات (الجنوب)، وغضب (صعدة)، وعدم رضى (البيضاء، ومأرب، والجوف، وغيرها)، أي كل البعيدين عن المركز.

2- إن الطمع والجشع، والفساد، قد أضاع على السلطة 18 عاما من زمن الوحدة و14 عاما بعد الحرب، أبلته عناصرها في لهث شديد للاستحواذ على المال العام والأراضي والسيارات. وكان الاستبداد المتوارث، وغرور النصر، قد أعمى السلطة عن تفعيل آليات معاصرة لحل المشكلات المتوارثة عن (الدورة الثمان سنواتية للتداول الدموي للسلطة)- 1948، 1955، 1962، حتى 1970، 1978، 1986، وآخرها في صعدة في 2003 وحتى الآن.

لذلك استمر الإقصاء والتهميش للمهزومين في الحروب السابقة والشرفاء الآخرين، حتى طفح الكيل في صعدة، ووصلت النفوس إلى الحناجر في (الجنوب)، وقريبا سيتحول عدم رضى الباقين إلى ما يشاء الله. نسأل اللطف والرحمة.

ثانيا: مظاهر الفشل في المجال الاقتصادي:

تكمن أهم مظاهر الفشل الاقتصادي في أن الإصلاح الاقتصادي وإن نجح في إيقاف التدهور، والتكيف الهيكلي، إلا أنه فشل تماما في الوصول إلى الهدف الأهم للإصلاح الاقتصادي، وهو تهيئة مناخ ملائم لعمل القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات الخاصة التي يمكن من خلالها ضمان نمو اقتصادي مستدام يحمي الاقتصاد من الاعتماد على عوائد النفط المتقلبة الأسعار، والمتناقصة الكمية.

ويتفق خبراء البنك الدولي والأمم المتحدة ومعظم الاقتصاديين المحليين على أن السبب الأساس لفشل السلطة في المجال الاقتصادي يعود إلى عدم توفر عناصر الحكم الرشيد المتمثلة في:

1- مكافحة الفساد 2- الاحتكام للقانون 3- تطبيق الأنظمة 4- تطبيق مبدأ المسألة والمحاسبة 5- تحسين عمل الإدارات المسئولة عن الخدمات الحكومية 6- تحسين عمل الإدارات الحكومية المسئولة عن البنية التحتية 7- تفعيل دور الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني في محاربة الفساد، وتصحيح الأخطاء.

وكان يمكن للسلطة أن تكون في وضع أفضل لولا تضافر ثلاثة عوامل مفاجئة لم تكن في الحسبان هي:

1- الأزمة المالية العالمية التي سوف تكشف تداعياتها (عورة) الوضع الاقتصادي اليمني في العام القادم.

2- كارثة الأمطار والسيول في حضرموت.

3- تزايد التأثير الاقتصادي السلبي لمشاكل القرصنة في خليج عدن وبحر العرب.

إن عدم إدراك السلطة لضعف موقفها، وأنها في حاجة ماسة إلى إشراك الآخرين في تحمل المسئولية معها للخروج من الوضع الذي ينتظر اليمن في الأعوام القادمة، هو الخطر الأكبر الذي يواجه اليمن.

إن المشكلة تكمن في أن السلطة تؤمن بنظرية (الخلايا النائمة)، وتستخدم الوسائل الأمنية لحلها، والحقيقة أن (خلاياها السرطانية) هي التي أثارت حفيظة الجميع.

وانطلاقا من نظرية (الخلايا النائمة) ماتزال السلطة مصرة على استمرار فرض شروطها (شروط المنتصر) وتتمسك - حتى الآن - برفض الانصياع لقواعد اللعبة التي تفرض على الفاشل أن يدفع ثمن فشله، وإلا سيقاطع الجميع اللعب معه.

إن ما يبعث على الخوف هو غياب الحكمة في تصرفات السلطة، وارتباكها الشديد، وانكشاف نياتها، ولتوضيح ذلك يمكن إيراد الأمثلة التالية:

1- تقديم مبادرة الرئيس حول النظام الرئاسي إلى مجلس النواب، ثم التراجع وسحبها. بما يوحي بعدم التوافق داخل الحزب الحاكم عليها.

2- مناقشة التعديلات في قانون الانتخابات، ثم التراجع عنها وإقرار القانون المقر. بما يوحي بالارتباك وقلة الحيلة وضعف نفاذ البصيرة.

3- التراجع عن وعد استمرار دفع راتب شهر كإكرامية في شهر رمضان. بما يبعث رسالة توحي بضعف الوضع الاقتصادي وأن الدفع سيتم أثناء الانتخابات.

4- التراجع عن اتفاق إطلاق سراح قادة الحراك السلمي، ثم التراجع عن ذلك التراجع. بما يوحي بالتخبط خاصة بعد إقالة وزير الداخلية الذي نفذ الاعتقال.

5- تقديم قانون غير طبيعي للسجل العقاري يهدف بوضوح إلى الاستيلاء على الأراضي في الجنوب بحيلة تحت اسم (قانون)، وبعد انكشاف النيات يتم الاضطرار إلى التراجع وتوقيف المناقشة.

6- استهداف صحيفة «الأيام» بخطاب علني من رئيس الجمهورية. بما يثير الشكوك حول مصدر المضايقات السابقة، ويحدد مسئولية أية تبعات لاحقة.. وهنا نطالب رئيسنا - حفظه الله - أن يتراجع عن ذلك كما تراجع عن سابقاتها، كما نطلب منه حل اللغز التالي (كيف يمكن أن تسقط رئيسا، أو تقتل ذبابة بأداة واحدة ؟).

في الأخير:

جاءت فضيحة اللجنة الدائمة التي أعلنت الحرب الاقتصادية ضد أحد كبار المستثمرين في اليمن (شركة سبأفون) بعذر اتهامها بالتجسس على أعضاء الحزب الحاكم، والكل يعلم أن الشركة لا تمتلك أمنا سياسيا ولا أمنا قوميا.

إن استخدام اللجنة الدائمة لوسائل الضغط الاقتصادية يعني السماح للجميع باستخدامها، وسوف تدرك اللجنة الدائمة حجم الخطأ الذي ارتكبته، فيما إذا تم استخدام الوسيلة نفسها من قبل المستثمرين والمغتربين لإظهار دعمهم للقضية الجنوبية ولصحيفة «الأيام» واحتجاجها على ما يعانيه المستثمرون. والبادئ الأظلم هو اللجنة الدائمة.

إن دعوة الرئيس إلى الحوار (من دون شروط مسبقة) ستكون مؤشرا على عودة الحكمة إلى السلطة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى