أطفالنا .. فلذات أكبادنا أمانة في أعناقنا ..الحقوق الضائعة للطفولة من يتحمل مسؤوليتها الحكومة.. المجتمع.. المدرسة .. الأسرة أم مسؤولية الجميع؟.. (1-2)

> «الأيام» سالم لعور:

>
تظهر الابتسامة على وجه الطفل وبعد جهد شاق استطاع فتح الإطار
تظهر الابتسامة على وجه الطفل وبعد جهد شاق استطاع فتح الإطار
أطفالنا فلذات أكبادنا وهم مصدر سعادتنا وفرحتنا حين نراهم في صحة جيدة والابتسامة مرسومة على شفاههم .. وحين نضمهم إلى صدورنا في رفق وحنان يشعرون بالدفء والأمان ونشعر معهم بالراحة والاطمئنان.

وهم مصدر تعاستنا وحزننا حين يصابون أو تداهمهم الأمراض، فنشعر حينها بالحزن والقلق وتصاحبنا مشاعر الإحباط والهلع والخوف وحينها نفوض أمرنا لله في شفاء فلذات أكبادنا .

لذا يجب علينا أن نرعاهم ونربيهم التربية الحسنة، فهم عماد المستقبل وبهم تصلح الأمم وتنهض المجتمعات إذا ما أحسنا التعامل معهم في التنشئة الاجتماعية التي تسهم في تحليهم بالأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن، و تفسد الأمم وتباد المجتمعات إذا ما حصل العكس ..ونتساءل أين نحن من حقوق أطفالنا التي كفلتها اتفاقيات حقوق الطفل الدولية مثل حقه في الحياة والتنشئة الاجتماعية والتعليم والصحة واللعب وغيرها من الحقوق كالحماية والرعاية الاجتماعية والنفسية أيضاً ؟

وهل يمكن أن نحمل عبء ما يحصل لهم اليوم على طرف بعينه مثل الأسرة فقط أم أن هذا العبء يتحمله أيضاً المجتمع بشقيه الحكومي والتكافلي؟ وهل للمدرسة والمناهج التعليمية (العملية والعلمية) علاقة بما يحصل للطفولة اليوم من عذابات ومتاعب ومعاناة ؟

لاشك أن العبء لا يتحمله طرف بعينه فكل من الأسرة والمدرسة والمجتمع والحكومة تتحمل المسؤولية ككل متكامل .. وهذا ما أمكننا استنباطه من خلال إجابات شافية لتلك التساؤلات في ثنايا هذا الاستطلاع .

صورة من صور عمالة الأطفال
صورة من صور عمالة الأطفال
استهلالة لابد منها للاستطلاع :

إن الطفل بحاجة إلى حماية ورعاية نظراً لعدم اكتمال نضجه العقلي والجسمي، فقد صدر إعلان حقوق الطفل بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذا اتفاقية حقوق الطفل التي وقعت عليها جميع دول العالم (عدا الصومال والسودان) في العام 1989م.

وفي بلادنا أصدر قانون حقوق الطفل رقم 45 لسنة 2002م، الذي شمل في فقراته كافة مضامين الأحكام الواردة في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل .

وحقوق الطفل التي تتضمنها الاتفاقية كثيرة ومنها حقه في الحياة والتنشئة وحرية التعبير وحقوقه الشرعية (النسب ، الرضاعة، الحضانة، النفقة ورؤية والديه).. وحقوقه المدنية في الاسم والجنسية والرعاية الصحية والتعليم ومجالات الأدب والمعرفة وحقه في الراحة واللعب ورعاية المعاق والحدث والعامل (14 عاما) وحظر عمل الأطفال أقل من 14 عاما وحمايتهم من الاستغلال وغيره .

خواطر لاتسر الخاطر

أطفال في عمر الزهور وأعمال شاقة فوق طاقاتهم :

أينما وليت وجهك باتجاه الشوارع العامة والفرعية أو في المطاعم والورش والأسواق لابد أن تلفت انتباهك خواطر لاتسر الخاطر بمشاهدة تلك الأعداد (الهائلة) لأطفال (قصر) في عمر الزهور يزاولون أعمالاً شاقة فوق طاقاتهم وتتطلب قوة بدنية (جسيمة) كبيرة مثل (حمالة) أكياس القمح، الدقيق، الأرز وغيرها على عربة (جاري) أو على الظهر أو نقل الأحجار والطوب (الخرسانة) لمسافات طويلة أو لارتفاعات عالية مقابل أجور بخسة لاتغني ولاتسمن من جوع أو تجدهم يعملون في المطاعم تلفح وجوههم (الطرية) ألسنة اللهب -دون رحمة - ويتقاضون رواتب شهرية ضئيلة يرسلونها لأهاليهم في محافظات أخرى ولايعودون إلى أهاليهم إلا بعد بضع سنين بسبب ظروف أسرهم الصعبة التي تعيش تحت مستوى خط الفقر .

فما ذنب هؤلاء الأطفال الذين حرموا من الاستمتاع بطفولتهم وحرموا من حقوقهم في العيش بكرامة في وطن يضمن لأسرهم الرعاية الاجتماعية وتوفير المأكل والمشرب والملبس والتعليم والصحة المجانية وغيرها؟.

محتويات الشوال يحصل الطفل من خلالها على مصاريف اليوم
محتويات الشوال يحصل الطفل من خلالها على مصاريف اليوم
أطفالنا ضحايا شجرة شيطانية اسمها القات:

لو شاء القدر أن تشد الرحال إلى بلد من بلدان العالم للسياحة مثلاً فلابد أن تستقبلك لوحة جميلة خضراء اللون تقرأ عليها عبارة (ابتسم أنت في ...) مثلاً الشارقة، دبي، باريس ...إلخ، ولاغرابة في الأمر لأنك سترى أمام ناظريك كل ماهو جميل واقعاً ملموساً يبعث على الفرحة والسرور .. لكن العجب العجاب أن شعورك هذا لايتغير عند عودتك إلى بلدك (اليمن السعيدة).

فلا تستغرب وأنت ترى أطفالاً في عمر الزهور يدلفون أسواق (القات) دون خجل أو خوف ويتناولون وريقات شجرته الشيطانية بتباهٍ ودون أي اكتراث لأحد، فلا تستطيع أن تحرك ساكناً، وكأن شيئاً لم يكن وتظل مبتسماً، لأنك ترى منظراً طبيعياً تعودت عيناك رؤيته، فأين نحن من فلذات أكبادنا ضحايا هذه الشجرة القاتلة التي أهلكت الزرع والضرع وأفسدت الأخلاق وشتتت شمل كثير من الأسر .

فهل تقوم الحكومة وجهات الاختصاص باتخاذ الإجراءات الكفيلة للحيلولة دون تعرض فلذات أكبادنا لمخاطر (شجرة القات)؟ وما دور الفرد والأسرة والمدرسة والمجتمع تجاه هذه الظاهرة المثيرة للخوف والقلق من وقوع الأطفال ضحايا (لكيف) هذه الشجرة الآفة الاجتماعية التي انتشرت وتنتشر في مجتمعنا اليمني كانتشار النار في الهشيم

وعن ظاهرة تهريب الأطفال تحدث الإعلامي ناصر أحمد الشماخي قائلاً :

«ظاهرة تهريب الأطفال والتجارة بهم واحدة من الظواهر السيئة والمنتشرة في أنحاء مختلفة من العالم أجمع، وبلادنا تعد من بين الدول التي تعاني استفحال هذه الظاهرة المتمثلة في تهريب الأطفال القصر عبر المنافذ الشمالية الحدودية مع السعودية الشقيقة، للدفع بهم إلى سوق العمل وما ينتج عن ذلك من نتائج.

العامل الاقتصادي وانحدار مستوى خط الفقر للأسر اليمنية سبب رئيس في تهريب الأطفال والاتجار بهم، وأحيانا بموافقة أهاليهم بدافع العمل وطلباً للرزق للتخفيف من وطأة الحياة المعيشية الصعبة، وتقع على عاتق الحكومة اليمنية والمنظمات الحقوقية والإنسانية مسؤولية وضع التدابير التي تسهم في وضع برامج اقتصادية من شأنها رفع مستوى الحياة المعيشية للأسر (المعوزة (المحتاجة التي تعاني تدني مستوى الدخل أو لايوجد لها مصدر دخل على الإطلاق، هذه التدابير تحد من انتشار الظاهرة وحماية الأطفال من نتائجها السلبية اقتصادياً واجتماعياً وجسدياً ونفسياً .

أثناء التجوال في قلب مدينة لودر وفي إحدى ورش السمكرة و(البنشر) شاهدت طفلاً صغيراً يقوم بعمل مضنٍ (بنشر) إطارات لمختلف أنواع السيارات والحراثات الزراعية، وكان أثناء قيامه بهذا العمل يبذل جهداً كبيراً يفوق طاقته وقوته الجسمية (البدنية) أشفقت لحاله حينما رأيته والعرق يتصبب من جسمه النحيل ويعمل بهمة ونشاط ويقاوم التعب لينجز عمله بإتقان، وسألته عن اسمه وعمره ودراسته وعمله الشاق، فأجاب بثقة الكبار: «اسمي علي أحمد محمد الدماني (عسكر) عمري 11 سنة وأدرس في الصف الخامس (أساسي) بعد الظهر (الفترة المسائية) أعمل مع والدي في الفترة الصباحية والعمل مش عيب (الرئيس قال اتصرفوا اشتغلوا)».

تبدو حالة الإحباط على وجوه أطفال يبحثون عن لقمة عيش من خلال عربة (الجاري)
تبدو حالة الإحباط على وجوه أطفال يبحثون عن لقمة عيش من خلال عربة (الجاري)
وفجأة جاء والده .. سألناه لماذا تحمل ابنك الصغير متاعب هذا العمل الشاق؟ فأجاب: الظروف الصعبة أجبرتني على تشغيله في البنشر من شب على شيء شاب عليه بدلاً من اللعب وضياع الوقت العمل مقدس وعلى الأقل مع صعوبة التوظيف لخريجي الجامعات لو أكمل دراسته ولم يجد وظيفة فإنه اكتسب هذه الحرفة ليعيش وأسرته .

تصدق رغم الظروف القاسية وكبر حجم عدد الأسرة التي أعيلها لم تمنحني الشؤون الاجتماعية (إعانة) ومن وعد إلى وعد ومساعدة ابني لي وهذا البنشر يخفف علينا نوعاً ما من أعباء الحياة الصعبة، ولن أطيل الحديث معكم انتوا يا أصحاب «الأيام» يبان أنكم فاضين معكم (كباش امعيد وكساء عيالكم) الويل بنا العيد اقترب ونا لابعد معي كبش (عيده) ولاكساء بالله خلوا لي حالي». فتركته وولده مع الإطارات (التايرات) كي لايحرموا من لحمة العيد.

مشاهدات :

أثناء جولتنا في المدينة وجدنا الطفل محمد أحمد السعيدي (10 سنوات) يعمل في تجميع الخردوات الحديدية ويبذل جهداً شاقاً في تجميعها سألنا والده للتعليق وقال: «إنها الظروف المعيشية الصعبة ولابأس أن يعمل ابني هذا العمل الشاق لأن الظروف قاسية والجوع كافر ولو تحسنت ظروفنا لن أدعه احظة واحدة يعمل في العمل الشاق أبداً» .

وفي شارع آخر وجدنا مجموعة من الأطفال يعملون في حمل ما تيسر من البضائع والمواد على (الجواري) العربات التي أصبحت أسرهم تعتمد عليها في مصدر دخلها ويبدو أن معظمهم تركوا دراستهم أو كانوا غائبين عن الدراسة في ذلك اليوم وسألت أحدهم هل تدرسون ؟ فأجاب ساخراً في غموض :

«حتى لو كملنا الجامعة مافيش وظائف (الجاري) أحسن وأضمن».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى