الفتاوى القانونية بدعة يمنية صرفة

> د. يحيى قاسم سهل:

> ترتكز بنية المؤسسات السياسية في الدول الديمقراطية القائمة على الانتخاب الشامل والبرلمان بوصفهما أساس مشروعيتها، على مبدأ شهير هو مبدأ فصل السلطات. ويعد الكاتب الإنجليزي جون لوك في مؤلفه (بحث في الحكومة المدنية) 1690 ومونتسكيو في مؤلفه (روح الشرائع) 1748 مؤسسي هذا المبدأ.

وبحسب لوك ومونتسكيو، قسمت سلطات الدولة إلى سلطة تشريعية تضع القوانين وتوكل إلى البرلمان، والسلطة التنفيذية لتطبيق القوانين وتوكل إلى الحكومة، وأخيرا السلطة القضائية ومهمتها حل النزاعات الناتجة عن تطبيق القوانين، وتوكل إلى القضاء لأن وظيفة القاضي الفصل في المنازعات.

وهنـاك عوامل كثيرة تؤهل القضاء لمباشرة هذه الوظيفة، ومن تلك العوامل حياد القاضي واستقلاله وحرصه على العدالة وعقليته وخبرته القانونية وطبيعة عمله في الفصل في المنازعات، كما أن القضاء ضمانة لحماية مبدأ المشروعية (خضوع الجميع حكاما ومحكومين لقواعد القانون بمعناها الواسع، أي القواعد المكتوبة وغير المكتوبة)، فالقاضي هو الحارس الطبيعي للمشروعية بين الأفراد، ويصبح قائما أيضا على حمايتها ضد محاولات الدولة المساس بتلك المشروعية.

يعد ما سبق ذكره من المسلمات المستقرة في دساتير الدول وقوانينها منذ منتصف القرن السابع عشر (انظر دستور الجمهورية اليمنية المواد 62، 105، 149) ووفقا للمادة 149 من الدستور (لايجوز لأية جهة وبأي صورة التدخل في القضايا أو في شأن من شؤون العدالة، ويعد مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها اللقانون، ولاتسقط الدعوى فيها بالتقادم).

وعلى الرغم من هذه المبادئ الدستورية والأحكام العامة والأصول الثابتة في قوانين الدول باختلاف نظمها وفلسفتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن القانون رقم 19 لسنة 1991 بشأن الخدمة المدنية ينص في المادة (5) الموسومة (صلاحيات الوزارة) على أن تتولى وزارة الخدمة المدنية والإصلاح الإداري الإشراف على تطبيق هذا القانون، ولها في سبيل ذلك الصلاحيات التالية:(هـ-إصدار الفتاوى مسببة فيما يثور من إشكالات عند تطبيق هذا القانون، وتكون فتاواها ملزمة، وتوضح اللوائح التنفيذية الإجراءات اللازمة والمتبعة في هذ الشأن).

وكذلك قانون رقم (30) لسنة 1996 بشأن قضايا الدولة، ينص في المادة (7) على أن تتولى الوزارة - وزارة الشؤون القانونية وشؤون مجلس النواب- فيما يتعلق بقضايا الدول إصدار الفتوى القانونية المتعلقة بغموض النصوص أو تنازع الاختصاصات بين الجهات المعنية.

إن (إشكالات تطبيق القانون) بحسب تعبير قانون الخدمة المدنية، أو (غموض النصوص أو تنازع الاختصاصات بين الجهات المعنية) هي من اختصاص السلطة القضائية، كما أوضحنا سلفا، ويستحيل أن ترد نصوص قانونيــة في أي قانون من قوانين كل دول العالم تسلب القضاء سلطته لصالح الحكومة، بل على العكس، ينص القانون رقم (47) لسنة 1978، والمعدل بقانون (5-4) لسنة 2000 بشأن العاملين المدنيين بالدولة في مصر، وذلك في المادة (6) على أن:(يختص مجلس الدولة - القاضي الإداري- دون غيره بإبداء الرأي مسببا فيما تطلبه الوحدات الخاضعــة لأحكام هذا القانون متعلقا بتطبيق أحكامه ولوائحه التنفيذية عن طريق إدارة الفتوى المختصة، وذلك خلال شهر من تاريخ طلب الفتوى من طريق الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة)، وكذلك المادة (6) من قانون مجلس الشورى والدولة العراقي (القضاء الإداري) رقم (65) لعام 1979 أعطت المجلس حق إبداء المشورة القانونية في المسائل التي تعرضها عليه الجهات العليا أوالمسائل المختلف فيها بين الوزارات أو بين الوزارات وغيرها من الجهات غير المرتبطة بوزارة.. إلخ.

وهذه الأمثلة للتمثيل لا الحصر، لأن المشرع لايمكن أن يهدم ما استقر عليه الفكر القانوني منذ القرن السابع عشر، ويضع نصوصا غريبة لا عهد لتشريع على وجه البسيطة بها، لذلك فإن ما ذهب إليه المشرع اليمني في قانون الخدمة المدنية وقانون قضايا الدولة يعد خروجا لا مسوغ له، بل سابقة يجب الوقوف أمامها بحزم لتصحيحها بوصفها خرقا دستوريا، بل خروجا عن أصول القانون المتعارف عليها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى