قصة للأطفال .. بطل من بلادي

> «الأيام» سعيد عبدالله سعيد :

> فرغ الأطفال من تناول عشائهم، وتسابقوا إلى الـمِغْسلة لغسل أيديهم وتنظيف أسنانهم ومسح وجوههم، وجلس كل واحد منهم على سريره، وبعد لحظات دخل عليهم أبوهم فتصايحوا لرؤيته ليروي لهم حكاية كما اعتادوا منه كل ليلة، فبادرته ابنته أسماء بالسؤال:

- ماذا تحكي لنا هذه الليلة يا أبي ؟

أجابها أبوها باسماً وهو يقف على عتبة الباب:

- سأحكي لكُنَّ اليوم شيئاً آخر.

فقالت فاطمة ابنته الثانية:

- هل فَرِغَتْ جعبتك من حكايات .. فقاطعتها عائشة صغرى بناته متضايقة:

- لكنني أُحب سماع قصص الأساطير والخرافات.

وابتسم في وجهها ابتسامة رقيقة أذهبت عنها ضيقها، ثم تقدم قليلاً وجلس أمامها على طرف السرير وقال الأب جاداً :

- سأقص لكُنَّ الليلة قصة من واقع الحياة، وهي قصة بطل من أبطال أبناء شعبنا الذي حارب الاستعمار سنوات طويلة .. وسألته فاطمة على الفور:

- كم مكث الاستعمار في بلادنا؟

- 129 عاماً.

وسألت عائشة:

- وكيف احتلَّ بلادنا؟ ومتى كان ذلك؟

فأجابها أبوها:

- لقد كان ذلك في 13/1/1839م أما كيف احتلها فإنها قصة طويلة يا ابنتي إن الاستعمار لا يحتل أي بلد في العالَم إلا لأهمية موقعه الجغرافي أو لما فيه من الخيرات الكثيرة المتنوعة، وهو يختلق أية أسباب أو حجج وإن كانت غير صحيحة.. وسارعت أسماء إلى القول بلهفة شديدة:

- إنني في شوق لسماع قصة هذا البطل.

- كما تعلمون يا بناتي العزيزات أن أبناء هذا الشعب قَدَّموا الكثير من الشهداء في بلادنا لكي يحرروها من هذا الاستعمار الذي جثم على صدورنا كل هذه السنوات، وكنا خلال هذه الفترة نقوم بمحاربته دوماً حتى شعر بالخوف والقلق على جنوده وآلاته وباتت هذه المعارك تقضُّ مضجعه، وكان لا يهدأ له بال، لذلك ترك بلادنا إلى غير رجعة .. أما عن قصة هذا البطل ففيها تضحية وشجاعة.

وسألته أسماء:

- ما الذي فعله يا أبي؟

- كان يشعر بالظلم مثله مثل أي مواطن ويود أن يعمل شيئاً لأبناء شعبه ليريحهم من هذه الوجوه التي كانت تذيقه أصنافاً من الذل والهوان، وكان يتردد ويراقب من بعيد تحركات الجنود الإنجليز من أين ينطلقون وإلى أين يذهبون؟

فقالت عائشة:

- ألم يشكّوا في أمره؟

- إن لدى الأبطال عادة يا ابنتي ذكاء وشجاعة، وهم لا يهابون شيئاً .. وسألت فاطمة أباها:

- كم كان عمره عندما قام بهذا العمل ؟

- كان عمره في حدود عشرين عاماً، أي أنه كان في شَرْخ شبابه.

وقالت أسماء:

- وفي أي عام حدث هذا يا أبي؟

- قبل نَيْل استقلال البلاد.

وأردف قائلاً:

- حدث هذا ذات صباح عند خروج الجنود الإنجليز من منازلهم وهم على سيارتهم ذاهبين إلى ثكناتهم العسكرية، وكان هذا البطل متربصاً في شارع من شوارع المدينة يخفي بين ثيابه قنبلة يدوية ويعرف في أي وقت ستمر عربة الجنود الإنجليز ولاحت العربة أمام ناظريه من بعيد وفيها عدد كبير من الجنود، وانتظر حتى إذا دنت تأهب لكي ينزع صمام أمان القنبلة ويلقيها عليهم ويرديهم قتلى، لكن وفي آخر لحظة ولم يكن يتوقع أن يحدث هذا والقنبلة في يده برز له من منعطف باص يحمل في داخله أطفالاً صغاراً من الجنسين في ثياب المدرسة وهم يتضاحكون ويمرحون وكان قد سبق العربة بلمحة بصر ولم يجد أمامه سوى الارتماء على الأرض ووضع القنبلة تحت جسده كاملاً، وما هي إلا دقائق حتى سُمِعَ دوي الانفجار.... وتكريماً لكل من قَدَّم روحه ودمه لهذا البلد فقد أقيم له نُصبٌ تذكاري عند مدخل المدينة.

ثم توقف الأب قليلاً ساهماً حزيناً ونظر إلى وجوه بناته الثلاث وقد خيم عليهن الوجوم ورأى الدموع تترقرق في عينيْ فاطمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى