أسعار أدوية الأمراض المزمنة تقصم ظهور الفقراء .. ما هو دور وزارة الصحة في هذا الجانب وإلى متى سيظل الوضع من دون حل ؟

> د. علـي محمـد سعيـد أكحلي :

> المرض المزمنChronic illness حسب تعريف «المركز الوطني الأمريكي للإحصاءات الصحية» هو ذلك المرض الذي يستمر لفترة طويلة (أكثر من ثلاثة أشهر) والذي لا يمكن شفاؤه خلالها بواسطة اللقاحات أو الأدوية.

ومن أهم أسباب ظهور الأمراض المزمنة هي: قلة النشاط الحركي، التدخين، العادات السيئة للأكل، أو سوء التغذية (عادة في البلدان النامية). والأمراض المزمنة قد يتعدى عددها عن ثلاثين مرضاً، ويختلف العدد بحسب ما تقره كل دولة بين فترة وأخرى تمشياً مع سياستها الصحية المتبعة ومنها إذا كانت تطبق التأمين الصحي أو تنتهج سياسة دعم أسعارها...إلخ. ومن الأمراض المزمنة الأكثر شيوعاً هي: ارتفاع ضغط الشرايين والقصور الوظيفي للقلب، مرض السرطان بكل أنواعه، مرض السكري بنوعيه ، وأمراض الكلى والفشل الكلوي. كما تشمل أمراضاً مثل التهاب المفاصل الرثياني، الأمراض النفسية والعصبية ، مرض الصرع ، الإكتئاب ، مرض الذهان، مرض الكبد الوبائي، أمراض الصدر المختلفة، التهاب القولون، أمراض قصور الغدة الدرقية، مرض باركنسون (الرعاش) ... إلخ. وتقوم كثير من دول العالم بإيلاء هذه الأمراض أهمية خاصة من حيث توفير الأدوية للمرضى بأقل سعر ممكن وبآليات متنوعة مثل :

(أ) الصرف المجاني كما في نظام الرعاية الصحية في دول أوروبا بعد استقطاع نسبة من راتب الشخص مقابل اشتراكه بنظام الرعاية.. (ب) دفع مبلغ رمزي مباشرة إلى الصيدلية (نظام الرعاية الصحية في بريطانيا).. (ج) دعم أسعارها كما في جمهورية مصر التي تقوم بدعم 278 مستحضراً دوائياً لعلاج الأمراض المزمنة .

(د) تخفيض نسبة ربح المستورد وبائع الجملة وصاحب الصيدلية عند تسعير هذه الأدوية، كما تعمل دولة الإمارات العربية. (هـ) تخفيض قيمة هذه الأدوية من خلال إلزام استيرادها بالأسماء الجنيسة Generic names، حيث تكون قيمتها أقل بنسبة 30% فيما لو كانت مستوردة بالاسم التجاري، وأقل بنسبة 45% إذا كانت مستوردة بعبوات كبيرة (باكت فيه 10 أشرطة × 10 أقراص مثلاً)، وهو ما تقوم به جمهورية الجزائر لنحو 160 صنفا، كما ألزمت وزارة الصحة الجزائرية مصانع الأدوية المحلية بعمل الشيء نفسه. (و) نظام استعادة الكلفة كما هو مطبق في المملكة المغربية لنحو 195 صنفا.

قائمة الأدوية الأساسية List of Essential Medicines بحسب منظمة الصحة العالمية لعام 2007م احتوت على نحو 352 صنفا بالإسم الجنيسي Generic name ومنها نستطيع فرز نحو 200 صنف دوائي التي تعالج الأمراض المزمنة. وقد استشعر مجلس النواب اليمني عند مراجعته للبيان المالي لمشاريع الموازنة العامة للسنة المالية 2009م في شهر نوفمبر الفائت أهمية توفيرأدوية الأمراض المزمنة وأوصى (من ضمن توصياته الموجهة للحكومة) بـ «توفير قاعدة بيانات دقيقة عن عدد مرضى الحالات المزمنة المستعصية، كالسكري، الصرع، الحالات النفسية والعقلية، السرطان والكلى، وتوفير العلاجات لها مبنياً على هذه الإحصاءات، لتجنب أية اختناقات في التموين الدوائي من خلال توفير الاعتمادات الكافية للأدوية المجانية».

ولكن كيف يمكن لوزارة الصحة الإيفاء بهذا الأمر في ظل إعتمادات غير كافية ، إذ أن المخصص الذي منحته الحكومة للوزارة خلال عام 2009م هو 590 مليون دولار، وهو ما يساوي 5,9% من النفقات العامة التقديرية لعام 2009م والمقدرة بـ 10 مليارات دولار أمريكي (×) ، أي أن نصيب الفرد الواحد من مخصص الرعاية الصحية سيكون بحدود 26 دولارا في السنة، على أساس أن سكان اليمن قد بلغ 23 مليون نسمة في أغسطس 2008م، وهذا المبلغ يشمل قيمة الدواء الذي سيستهلكه الفرد.

(2)

ولهذا ، اقترح أن تقوم وزارة الصحة بعدة خطوات عملية باتجاه توفير هذه الأدوية سواءً بتوزيعها مجاناً للشريحة الفقيرة من المواطنين أو بيعها بأسعار مخفضة للشريحة المتوسطة من الناس :

الخطوة الأولى : توفير قاعدة بيانات مثل (1) تحديد وإعتماد قائمة رسمية بالأمراض المزمنة، (2) تحديد قائمة بالمجموعات الدوائية الأساسية وتفرعاتها الجانبية التي تعالج هذه الأمراض، (3) تحديد قائمة بالأصناف الدوائية الجنيسة (بالاسم العلمي) المذكورة في القائمة الوطنية اليمنية للأدوية الأساسية، والتي يجب توفيرها لعلاج هذه الأمراض، (4) تحديد قائمة بالأصناف الدوائية الجنيسة (بالاسم العلمي) التي ليست مذكورة في القائمة الوطنية ولكن يجب توفيرها لعلاج هذه الأمراض، (5) القيام بمسح ميداني لمعرفة نسبة كل مرض مزمن من إجمالي الأمراض المزمنة حتى يتسنى توزيع المخصص بشكل متواز،(6)معرفة نسبة المصابين بهذه الأمراض في كل محافظة بغرض عدالة التوزيع، (7) تحديد أسماء المرضى من الشريحة الفقيرة والذين تم تصنيفهم كمرضى مصابين بأمراض مزمنة في كل محافظة وفق آلية معينة عبر المستشفيات الحكومية الكبرى، وحفظ الأسماء باستخدام الكمبيوتر أو في سجل خاص لهذا الغرض، (8) يتم تجهيز وصرف بطاقات تموين خاصة بلون مميز لهؤلاء المرضى تمكنهم من استلام مخصصات شهرية من الأدوية التي حددت لهم من قبل الاختصاصيين من الأطباء في تلك المستشفيات، وأية معلومات أخرى ضرورية لحفظها ضمن قاعدة البيانات.

الخطوة الثانية: على وزارة الصحة تحديد أسماء المستشفيات الحكومية في كل محافظة والتي ستقوم بصرف هذه الأدوية مجاناً وتحديد أسماء الأطباء الاختصاصيين كل في مجاله الذين يحق لهم وصف هذه الأدوية على روشتات خاصة مميزة (من أصل وصورة) يتم إقرار أنموذجها وطباعتها من قبل الوزارة، مع إلزامهم بكتابة هذه الأدوية بأسمائها العلمية (الجنيسة -Generics ) وليس بأسمائها التجارية.

الخطوة الثالثة: تقوم وزارة الصحة بتوفير هذه الأدوية عبر مناقصتها السنوية سواء باستيرادها من الخارج أو شرائها من المصانع المحلية، ثم يتم توزيعها على المستشفيات المحددة سلفاً في كل محافظة وفقاً لقاعدة البيانات التي بحوزتها، بحيث تصرف مجاناً إلى هؤلاء المرضى الحاملين لبطاقات التموين الخاصة.

الخطوة الرابعة: بالنسبة للمرضى ذوي الدخول المتوسطة يتم اعتمادهم كمصابين بأمراض مزمنة من قبل الأطباء أنفسهم المحددين من قبل الوزارة، وتصرف لهم بطاقات مميزة بلون آخر، بحيث يقومون بشراء أدويتهم من صيدليات المستشفيات بآلية استعادة الكلفة، والتي كانت معتمدة من قبل صندوق الدواء ، أي أن يدفع المريض 40% من قيمتها المقيدة على الصيدلية.

الخطوة الخامسة : بالنسبة للناس ذوي الدخول المقبولة والذين يمكنهم شراء هذه الأدوية من صيدليات المجتمع (الصيدليات الخاصة المنتشرة في شوارع المدن)، فيمكن لوزارة الصحة تقليص أسعارها بتوجيه الهيئة العليا للأدوية باقتصار تسجيل أدوية الأمراض المزمنة من الآن وصاعداً بالأسماء العلمية الجنيسة Generic names فقط وبعبوات كبيرة إن أمكن ذلك، وكذا إلزام مصانع الأدوية المحلية بعمل الشيء نفسه كما في المثل الجزائري.. وهذه الخطوة ستؤدي إلى تخفيض أسعار هذه الأدوية في السوق التجاري، كما يمكن للهيئة العليا الطلب من الشركات التي سبق أن تم تسجيل أصنافها بالأسماء التجارية للأمراض المزمنة بأن تبادر وبطواعية تسجيل نفس الأصناف بالأسماء الجنيسة، ولكن بأسعار أقل (بنسبة لا تقل عن 30% عن الصنف المسجل بالاسم التجاري). إن الاهتمام بعلاج الأمراض المزمنة التي يعاني منها العديد من المواطنين اليمنيين هى مسألة مهمة وضرورية، بل وأخلاقية، حيث يعيش 48% من السكان تحت خط الفقر وبمعدلات سواء تغذية تصل إلى 46% مع نسبة تضخم تصل إلى 17% سنوياً .

[email protected] mailto: [email protected]

هامش:

(×) تم إعداد هذا المقال قبل قرار الحكومة بتقليص النفقات العامة إلى النصف، وهذا يعني أن مخصص الرعاية الصحية قد تتقلص إلى النصف!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى