كــركــر جـمـل

> عبده حسين أحمد:

> لو كان الشيخ علي محمد باحميش حيا.. لصعد المنبر وقال: سبحان مغيّر الأحوال.. الدهر يومان.. يوم لك ويوم عليك.. والحمد لله الذي هدانا إلى فهم الحقيقة.. وماكنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

> ولابد أن الشيخ علي باحميش قال كثيرا .. وتحدث أكثر.. وكان كمن لا قال ولا تكلم .. أرادوا أن يقطعوا لسانه ولكنهم لم يستطيعوا.. حاولوا كثيرا.. ثم صدموه بسيارة وكسروا ساقه.. ثم (اقرب ياموت واقرب ياسبب) وكان أحقر سبب في وفاة واحد من أشجع رجال الدين في عدن .

> فإذا كنت تعرف الشيخ علي باحميش.. فاحمد الله أنك عاصرت عالما شجاعا .. خطب ذات مرة عن الذين تربعوا على كراسي الحكم والإدارة .. دون ثقافة أو علم أو كفاءة.. وكيف أن الثورة اقتلعت السلاطين .. ثم جاءت بألف سلطان وسلطان.. ولم نفهم في ذلك الوقت.. أو أننا لانريد أن نفهم معنى أن يجيء سلاطين جدد ليست لهم قيمة أو معنى .. وليس لهم أي سند أو مرجعية سوى القبيلة والعصبية.. هي المؤهل الوحيد الذي يحملونه ويعطيهم الحق في أن يكونوا شيئا .. وهم الذين كانوا لايساوون شئيا .

> أما إذا كنت لاتعرف الشيخ علي باحميش .. فسوف أحاول أن أقدمه لك .. فالشيخ باحميش كان قاضي عدن وخطيب مسجد العيدروس .. حارب الظلم والفساد والإلحاد والخوف والجوع والمرض والجهل .. وأفتى بتحريم خلو الرجل (حق المفتاح) وشجع التعليم للجنسين وأصدر جريدة (الذكرى) .. وكان متعدد الثقافة والاطلاع الواسع .. قرأ في الأدب والشعر والفلسفة والتاريخ والمنطق والاشتراكية العلمية أيضا .. حاروه أحد الأصدقاء في مطلع السبعينات حول الاشتراكية العلمية.. ولم يكن صديقنا جادا أو واضحا فسكت وضحك وضحكنا معه.

> وكان مسجد العيدروس ملتقى كل الناس من كل مكان يوم الجمعة .. وكان المصلون يتدافعون بالأيدي والمناكب ليجدوا مكانا يرون فيه الشيخ باحميش.. يسمعونه ويفهمونه.. لكي يقتربوا من الله أكثر.. في ظروف أقسى وأصعب.. وبعد أن كانت علاقة الناس بالناس التقارب في حذر .. والتباعد في راحة .

> كان الشيخ باحميش فقيرا .. تعذب وصبر.. وتعب في حياته .. ولكنه بالكفاح والصبر والإصرار استطاع أن يكون واحدا من أعظم رجال الدين.. فقد توكل على الله.. فأعطاه الله مايعطيه للمؤمنين الصابرين.

> وكان الباحميش لايفكر في شيء من الدنيا أكثر من أن يراه ويسمعه الآخرون .. فالناس عيون وآذان .. أما حواسهم الأخرى فقد كانت معطلة أو مشغولة بأشياء أخرى.. وكان يرى أن الناس لايستحقون كل هذا العذاب .

> ولو كان الباحميش حيا لفارق الحياة من نكد الدنيا -في هذا الزمان - واحتمال الأذى ورؤية النصابين والمحتالين والدراويش .. ولو كان حيا .. ما سكت ولا التزم الصمت على الغلاء والجشع والاستغلال والنهب والسلب والبطالة.. وجاهر الدولة بالذي ينبغي والذي لاينبغي .

> ولو كان الباحميش حيا .. لتساءل لماذا هو على قيد الحياة .. وهل كانت هذه الحياة تستأهل .. ثم رفع يديه بالدعاء إلى السماء بالستر وحسن الخاتمة .. ولكن شاءت الأقدار أن تكون الخاتمة صعبة وقاسية .. كسروا ساقه وهو على الرصيف ثم توفاه الله أعز وأكرم .

> رحم الله الشيخ علي محمد باحميش رحمة الأبرار.!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى