الضرائب والقطاع الخاص.. شريكان اختلفا

> أحمد سالم شماخ:

> قديما قيل «الاختلاف رحمة» و«الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية».. وموضوع حديثنا يدور حول «ضريبة المبيعات» والجدل الدائر بين مصلحة الضرائب وقيادتها وبين قيادات القطاع الخاص.

لكل طرف وجهة نظر تستحق الاحترام مادام المقصد الأخير هو مصلحة اليمن - حاضرا ومستقبلا - ونعني باليمن أرضا وشعبا. هذا الاختلاف في الرأي أمر مقبول وحتما سيؤدي إلى حل يخدم اليمن مادام نهج الحوار ابتعد عن «التجاوزات» اللفظية سواء أكانت بالاتهام المباشر أم المبطن من فريق لآخر أو واكبت الحوار فرقعات إعلامية فيها الكثير من الهمز واللمز والتهديد.. لابد أن جميع الفرقاء يعلمون بأن هذا الموضوع متعلق بالاقتصاد في إطاره الواسع وليس من مواضيع المشاحنات والمزايدات السياسية.. وإذا ما تعمق هذا المفهوم المبدئي عند فرقاء الحوار فإن الأمور سائرة إلى خير بإذن الله.

ما يدور في الإعلام ربما فيه بعض التهيج وننصح بأن يتوقف وأن تعود الأمور إلى نطاقها الطبيعي... مفهوم الضريبة أيا كان نوعها هي واحدة من العوامل لخدمة التنمية والاقتصاد.. أي أنها (ترس) في آلة الاقتصاد بصورته الشاملة مع غيرها من التروس لكي تعمل الآلة الاقتصادية بصورة سليمة.

أتمنى كغيري أن نكون حقًا في يمن الحكمة والإيمان لا يمن الفتنة والطغيان كما يحلو للبعض أن يسميها.. ومادام الأمر هو في «حقيقته» ضمن أرقام وإيجابيات وسلبيات سواء من حيث المردود الإيرادي والأعراض السلبية وتأثيراتها في عمل «آلة» الاقتصاد بشكل عام.. فالضريبة كما أسلفنا «ترس» في آلة الاقتصاد ضمن تروس تتفاوت في الأهمية كالجمارك والبنوك والشركات التجارية والاستثمارية والحالة المعيشية للمواطن اليمني.. فإذا أهمل أي ترس من هذه التروس فحتما ستكون النتيجة عملا غير سليم لآلة الاقتصاد ولا يمكن لأي ترس أن يعمل بشكل منفصل عن غيره.

قيادة الضرائب بطبيعتهم «محاسبون» أي يعرفون وضع الأرقام وقراءاتها.. لماذا لايعدون دراسة وافية تبين ماهي الإيرادات خلال السنتين المنصرمتين ومقارنتها «بالتوقعات» لما ستكون عليه الإيرادات «للأعوام» القادمة إذا تم العمل بقانون ضريبة المبيعات الحالي.. وإلى جانب الإيرادات ماهي الآثار الإيجابية والسلبية الأخرى.. فمثلا خبراء الضرائب يقولون إن الضريبة ستساعد القطاع الخاص على تنظيم سجلاته فهل درسوا الشؤون الأخرى التي قد لا تساعد على التنظيم كالجمارك والضرائب أو المكوس غير المرئية أو كما تسمى «حق ابن هادي».. عدم توفر الكوادر المؤهلة إلخ.. نحن نسمع أن الدولة قد أقرت بأن الصناعة هي مستقبل اليمن.. فهل مثل هذه الضريبة ستدعم مثل هذا التوجه آخذين بعين الاعتبار الوضع الضريبي في الدول المنافسة لليمن ومن الملاحظ أنه تحت هذا العنوان اتخذت التجربة الماليزية نموذجا يحتذى والمفهوم أن ماليزيا ليس لديها ضريبة مبيعات ربما لأنها رأت فيها عدم الجدوى أو على الأقل رأت سلبياتها على التنمية أكثر من إيجابيتها.. لماذا لا نسألهم الرأي (وما خاب من استشار).. يجب أن تشمل الدراسة وبكل حيادية ما مدى تأثيراتها على الإيرادات الفعلية للدولة أمام المكاسب الفردية (للعاملين عليها) فهناك عند البعض قناعة- يجب ألا تتجاهل- بأن ما سيضطرون إلى دفعه «للعاملين عليها» أكثر مما سيصل خزينة الدولة، وهنا لا نود توجيه اتهام، ولكن الهدف «سلامة» الأداء للمصلحة العامة وليس للمصالح الخاصة عند الطرفين.. هل ستتمكن الدولة من تطبيقها على «الجميع» مع وجود هذا الكم الهائل من «ذوي النفوذ» الذين لا يعترفون أساسا بأي نظام أو قانون أم أن الذين سيخضعون للأداء هم «الأضعف» سنداً أو المستضعفون في الأرض.. هل سيكون لها مردود من حيث جذب الاستثمارات وإن كان الرد بالنفي فما هو الأجدر بالاهتمام هل أن الزيادة في الإيرادات -وقد تكون بسيطة- أهم أم جذب الاستثمارات وما يؤمل منها في امتصاص البطالة الضخمة التي هي ألغام موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت.

متى اكتملت تلك الدراسة من قبل الواعين في جهاز الضرائب يتم تقديمها للطرف الآخر «القطاع الخاص» ليدرسها بعناية ومن منطلق وحيد (مصلحة اليمن) فإن وجدوا فيها الفائدة لليمن فعليهم القبول بها من دون أخذ ورد وإن وجدوا أن لهم «مراجعات» على الدراسة فليعدوا بها ملفا ثم يجتمع الطرفان بروح طيبة للوصول إلى ما فيه مصلحة اليمن.

إننا نرى كثيرا من الحكومات تدعم مؤسساتها البنكية أو الاقتصادية منعا لانهيارها مما سيسبب فقدان الكثير من الوظائف وفرص العمل.. فهل ياترى ستتحمل حكومتنا الضعيفة مثل هذا الموقف إذا لاسمح الله أدى الإصرار على فرض ضريبة المبيعات إلى مثل هذا الوضع.. الجواب بالطبع هو النفي.. واحذروا ألا تكون هذه الضريبة القشة هي التي ستقصم ظهر البعير.. وعندها لن تنفع الشكوى أو البكاء ولا صناديق العالم فاليوم كل واحد يقول نفسي نفسي.

يا ساداتي.. الوقت صعب بل صعب جدا وليس وقت مزايدات ومكايدات واليمن في أمس الحاجة لوحدة الصف في كل مجال ولا ننسى أن نشيره هنا إلى الوضع الاقتصادي العالمي المتجه للكساد وفقدان المزيد من فرص العمل، وفي الجانب الآخر الهبوط المتوقع في الإيرادات العامة للدولة وخاصة النفطية.

يا ساداتي...لقد جربت الحكومات المتعاقبة تطبيق الآراء الفقهية التي درستها كوادرها والتي هي بعيدة عن الواقع المعاش وأيضا جربت الوصفات الخائبة لصندوق النقد الدولي أو البنك الدولي وسواهم من «هوامير» الاقتصاد، وكانت النتائج ما نشاهده اليوم على أرض الواقع.. فقر وفساد وتشرد وتناحر وما خفي أعظم.. ولو كان في هؤلاء خير يرتجى لما حدثت الكارثة الاقتصادية العالمية التي هم سادتها وأمراؤها.. كلمة حق نقولها ولا يهمنا من يقبلها أو يرفضها وكل يعرف خراجه.

نسأل الله أن يوفق الجميع لخدمة اليمن.

* عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الحديدة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى