«الأيام» في وادي الفجرة همزة وصل الصبيحة الشرقية بالغربية .. حضور عريق في عمق الزمان والمكان ينهشه الظمأ وقسوة الصحراء والحرمان (2-3)

> «الأيام» علي الجبولي

>
في أقصى الجنوب الغربي من النطاق الإداري لمديرية طور الباحة محافظة لحج ، وعلى بعد نحو25 كم من عاصمتها يمتد وادي الفجرة بتضاريسه المتميزة على التخوم الإدارية الشرقية لمديرية المضاربة وعلى مقربة من التخوم الجنوبية الشرقية لمديرية المقاطرة.

انعدام أبسط مقومات الحياة والخدمات وغرابة المعاناة وإصرار أهالي وادي الفجرة على تحدي قسوة الحياة، كان الحافز الرئيس لارتحال «الأيام» إلى تلك المنطقة لاستطلاع ورصد معانات أبنائها وقد رصدنا لكم الآتي:

وادي الفجرة مضيق عبور وحيد يصل شرق الصبيحة (طور الباحة) ببلدات الصبيحة الغربية قبالة الساحل الشرقي لخليج عدن والبحر الأحمر .

واد فريد التضاريس يمتد من الشرق إلى الغرب, تلتقي فيه عدد من الأودية، فتبدو متعامدة عليه من شماله وشماله الشرقي و الغربي بصورة غريبة، حتى ليبدو أشبه بمصب مائي أو حفرة راشحة تصب عليها مخرجات عدة مدن، حتى يحط رحاله في خليج عدن.

مكانة تاريخية تزخر بمعالم أثرية قديمة رغم تواضعها، تبدو كحصون عسكرية قديمة اندثرت وأخرى لم يبق منها سوى بقايا أطلال، آثار مبان وبئر عتيقة جدا، وحياة بؤس وبداوة مبعثرة في تداخل السهل والجبل والوادي والصحراء.

الزعيم الشهيد سالمين في وادي الفجرة

على ضفتي الوادي والشعاب وسفوح التلال تتوزع أراض زراعية خصبة، خصبتها السيول الآتية من عديد أودية، تتنوع تربتها، وتتداخل ألوانها بين اللون الرمادي والأصفر، وتشتهر بزراعة الحبوب، الغربة (الذرة الحمراء) الحيق، الهند ( الذرة الشامية )، الدخن، الدجر، السمسم، وأعلاف الماشية. وثمة مساحات واسعة لم تزل بكرا لم تمسها يد الإنسان.

تعتمد الزراعة في وادي الفجرة على السيول المنحدرة من جبال المناطق في مديريات طور الباحة والمقاطرة والقبيطة بمحافظة لحج، وجبال حيفان محافظة تعز ، وعلى الإمطار التي تهطل بندرة وعلى غير انتظام.

رغم كل ما قيل عن وجود دراسات جيولوجية قديمة من عهد الوجود البريطاني لجنوب اليمن لم تعرف المنطقة الري بالمضخات الارتوازية حتى اليوم.

يقول الشيخ علي صالح: «في عام 77م زار الرئيس الشهيد سالم ربيع علي وادي الفجرة وأعجب كثيرا بخصوبة الأرض واتساعها ووجه ببناء سد وحفر آبار ارتوازية وإثر ذلك قام خبراء بلغار بإجراء مسوحات ودراسات في الوادي ثم توقف العمل.

منطقة الفجرة تمتلك أراض واسعة خصبة ونقص المياه وتضاريس المنطقة تستدعي إقامة حواجز مائية أو سدود لتوفير المياه والحفاظ عليها وتغذية المياه الجوفية في الوادي، تضاريس المنطقة ملائم جدا لبناء مثل هذه الحواجز وسوف تمتد فوائدها إلى مناطق كثيرة في الفجرة وخارجها».

وادي الفجرة من أشهر مناطق الصبيحة تنوعا صخريا، به ثروة صخرية ما زالت بكرا لم يمسها محجر ولا مقلاع، ولعل متخصصي الجيولوجيا وحدهم من يستطيع تصنيف أنواع تلك الأحجار، تسمياتها، أهميتها، وتصنيف استخداماتها للبناء أو الزينة والتصنيع.

تلال ومرتفعات تحف بالوادي من شماله وجنوبه تبدو كحارس لا ينام، أما غربه فيتصل بما يشبه الهضاب.. تلال ومرتفعات تتشكل من طبقات صخرية متنوعة الألوان والأصناف يشكل منظرها لوحة ملونة لصخور متنوعة الجمال والألوان منها الأخضر، الأسود، الأصفر الأحمر، البرتقالي، والكحلي. ومنها ما يتداخل ألوانه.

قال الشيخ علي الخليفي: «في أواخر خمسينات القرن الماضي كانت الطريق إلى المنطقة وعرة وكانت القلابات تأتي من عدن إلى وادي الفجرة لأخذ الأحجار ذات اللون الأبيض والأصفر، وبالذات من جبل يسمى العقيق وآخر يسمى العند لنقلها إلى عدن لاستخدامها في البناء».

حضور في تكوين الزمان والمكان الصبيحي

غطاء نباتي طبيعي يكاد يكون رقيقا متنوعا بتنوع تضاريس الوادي، فيبدو أحيانا كثيرة شفافا لا يكاد يستر جسد الوادي. وكثيرا ما تشاهد تلال جرداء تكاد تكون عارية إلا فيما ندر، في حين تكتسي بعض التلال والمرتفعات والجبال العالية بأشجار وشجيرات متنوعة.

على ضفتي الوادي وفي الشعاب تنمو أنواع من الشجيرات والأشجار أبرزها: الأراك، الأثل، المرخ، السمر، الضبة، المشاق، وشجيرات الفطنة، العوسج، والبكاء، القصار، القصف.

وكلما توغلنا جنوبا نحو الصحراء برزت الحشائش والشجيرات أشهرها: الخزام، العلقة، الشنقير، الشوخن، الثم، الفطنة، الشرشر.

وتعد مراع غنية للماشية ـ لاسيما في فصلي الربيع والخريف ـ التي تكثر في المنطقة، وقديما كانت مراتع الظباء والأرانب والحيوانات البرية، قبل أن يجور اصطيادها بواسطة المطاردة بفحول الإبل حتى أوشكت على الانقراض اليوم.

اشتهر وادي الفجرة بموقعه كمضيق يربط شرق الصبيحة بغربها، ولسان على الحدود الجنوبية الغربية لطور الباحة يقترب من التخوم الجنوبية الشرقية لبلدة الزريقة بناحية الحجرية بمحافظة تعز سابقا، إذ كان وادي الفجرة تضاريسيا وطبيعيا واحدا من أقرب منافذ التماس الشطرية، عبره تمر التجارة من عدن إلى الزريقة في أطراف الحدود اليمنية المتاخمة للصبيحة إبان الانتداب البريطاني في الجنوب.

قال الشيخ على صالح : «في 1945م أقامت السلطنة العبدلية جمركا في وادي الفجرة لتحصيل عشور(رسوم ) المنتجات المحلية: فحم، مواشي ...الخ التي تمر الوادي، ثم ألغي هذا الجمرك مطلع الستينات، وبعد الاستقلال تحول إلى مركز قوات شعبية ثم أغلق نهائيا أواخر السبعينات».

وجود بعض المباني والآثار التاريخية، وآبار عتيقة شواهد تدل على مكانة الفجرة وحضورها القديم في تاريخ وجغرافيا الصبيحة. فوق أحد التلال ينتصب مبنى قديم هو آخر ما تبقى من مبان عسكرية قديمة بنيت في عهد سلطنة العبادل، وبعد الاستقلال أقيمت نقطة أمنية لم تزل سوى في أواخر ثمانيات القرن الماضي.

وعلى التلال الجنوبية الساندة للوادي ثمة آثار وشواهد مبان انهارت وبعضها على وشك الانهيار، لا أحد يعرف من بناها ومتى، والغرض منها، لكن أهالي الفجرة عرفوها موجودة وربما وجدت قبل مئات السنين، مما يدل على حضور هذه المنطقة في المكان والزمان المكونين لتاريخ الصبيحة.

يقول الشيخ علي صالح: «في تل الحصن وجد حصن يعرف بـ (نوبة) يبدو أنه بني للحماية من الأعداء، ونحت نحوه مدرج طريق إلى قمة التل، وفي هذا التل بنى أجدادنا دارا كبيرة سميت (دار العند) كديوان لمشيخة الحكم.وفي جبل ( قنبر) توجد بقايا آثار وكتابات حميرية تدل على قدم هذه المنطقة، وكثيرا ما زار المنطقة باحثون عرب وأجانب لكن لا نعرف عما ينقبون أو يبحثون».

الخيالة البريطانية في الفجرة

يقول الشيخ علي صالح عن مكانة الوادي: «في أربعينات القرن الماضي وتزامنا مع الحرب العالمية الثانية وصلت إلى وادي الفجرة قوات بريطانية من الخيالة، رابطت في المنطقة لعدة أشهر، قامت خلالها بشق طريق للخيول إلى دار العند بجبل الحصن وتمركزت فيه، ثم جندت عددا من أبناء الصبيحة كجنود وفرقة هجانة لنقل وتوصيل الرسائل (البريد) القادم من الصبيحة الغربية ومن ثم نقلها إلى موضع سمي حبيل الطيار ( حبيل عمار حاليا) كانت المروحيات البريطانية تحط فيه لاستلام الرسائل وتنقلها إلى مستعمرة عدن والعكس».

لهذه الأهمية حفزت بريطانيا أثناء ولاية البريجادير جنرال ( فرانسيس سيبي ) على مستعمرة عدن سلاطين العبادل على ضم بلاد الصبيحة إلى سلطنتهم العبدلية.

وفي 1881م في عهد السلطان فضل بن علي محسن العبدلي ضم العبادل بلاد الصبيحة لسلطنتهم لأول مرة منذ تأسيس السلطنة عام 1145م ،لأهداف عديدة منها: مراقبة الحدود، ضبط الأمن، وحماية التجارة، فبنت بها 12 حصنا عسكريا في مناطق متفرقة، من أشهرها دار الفجرة ودار داغم ودار سيعة.

وعقب الاستقلال احتفظ هذا المضيق بمكانته وأهمية موقعه كلسان يتاخم الحدود الشطرية، ومثلث يربط غرب الصبيحة (المضاربة) بشرقها(طورالباحة)، وممر عبور للبضائع المهربة.

ممر قوافل

تميز وادي الفجرة بطريق طبيعية سالكة، تشبه المثلث وتعد الطريق الوحيدة التي تربط شرق الصبيحة بغربها، يتجه منها فرع وعر نحو الشمال الغربي لربط طور الباحة ببلدة الهجرة المتاخمة لوادي الزريقة الجيب الجنوبي لشمال اليمن المتصل شمالا ببلدات مقاطرة الحجرية بتعز قبل أن تنتشر في المنطقة السيارات كان هذا المضيق ممر عبور وحيد لقوافل الجمال المحملة بالأسماك الجافة والوزف والسود ( الفحم الخشبي ) وأنواع الحصير القادمة كل أسبوع إلى سوق السبت من العارة والسقيا وشتى مناطق الصبيحة الغربية قبالة ساحل البحر الأحمر والبحر العربي، ومن ثم إلى بقية أسواق السلطنة العبدلية ومستعمرة عدن ولواء تعز.

ومنذ مطلع الثمانيات ظلت السيارات لا تكاد تنقطع ليل نهار عن هذا الوادي الضيق بين الزريقة وطور الباحة أو بين المضاربة وطور الباحة.

فكان طريقا لتسويق الأسماك الطازجة من السواحل الشرقية للبحر الأحمر والبحر العربي إلى طورالباحة والمديريات المتصلة بها، وتسويق المنتجات المحلية إلى سوق السبت والأسواق الأسبوعية في شتى مناطق الصبيحة والمقاطرة، وتسويق القات والخضار والبضائع التقليدية إلى الزريقة والمضاربة، إلا أن مكانة الطريق أخذت تتراجع عقب شق الطريق الساحلي الحديدة ـ عدن الإسفلتي، فقد تراجع عبور السيارات من هذا الطريق ،ولا سيما سيارات تسويق القات.

يقول الشيخ علي صالح: «من هنا كانت تمر قوافل المعطارة على ظهور الجمال آتية من مستعمرة عدن وعلى متنها بضائع الجاز، الكساء ،التبغ، السكر،التمر، السجائر، دقيق الحلوى ومختلف البضائع.

وفي أواخر الخمسينات حلت سيارات النقل محل الجمال لنقل مختلف البضائع منها المرسم ومنها المهرب، ومن مناطق الصبيحة تنقل المنتجات المحلية، الفحم، فرش الحصير، والمواشي، والحطب وغيرها».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى