يوميات «الأيام».. من مشاهداتي في تركيا

> عيدروس الحامد:

> في مثل هذا الموسم من كل عام يقام في مدينه انقرة عاصمة جمهورية تركيا، معرض للصناعات التركية وهي صناعات ناشئة ولكنها تحظى بعطف الحكومة تشجيعها وهذه الصناعات تتمثل بصورة خاصة في مختلف أنواع الأقمشة الصوفية والقطنية والطنافس التركية الشهيرة (بالمفارش).

وفي الأواني الخزفية والطينية والتحف وبعض الأدوات المعدنية ومكائن رفع المياه وموترات الكهرباء ووابورات القاز والى جانب معرض الصناعات توجد شاشة تلفزيونية تشاهد عليها مختلف نواحي النشاط الزراعي والصناعي لجميع مناطق تركيا وبالإضافة إلى ذلك يوجد سرك لمختلف ألعاب الأطفال الرياضية والبهلوانية وألعاب الأطفال واليانصيب على اختلافها وذلك لجذب السواح وترغيب الناس في مشاهدة محتويات المعرض بشوق وشغف.

لقد وصلت إلى انقرة ليلاً قادماً إليها من اسطنبول جواً، ولم أكن أعلم بوجود ذلك المعرض، ولم أجد ممن قابلتهم من الاتراك من يمكن التفاهم معهم لا باللغة العربية ولا بالانجليزية التي أستطيع التفاهم بها نسبياً ورغم ذلك فقد جذبتني الأضواء الوهاجة التي تنبعث من حديقة غناء، او هي غابة يخيل للرائي ان ثمارها مصابيح حمراء وزرقاء وصفراء علقت بمهارة على اشجارها ووزعت توزيعاً متقناً.

جذبني ذلك المنظر الرائع ودفعني فضولي لمعرفة حقيقة الامر فمشيت شطر ذلك المنظر ولم اكن ادري من اين يمكن الوصول الى باب الحديقة وفي اثناء سيري وعلى غير هدى وجدت شخصين يسيران في الطريق ويتكلمان اللغة العربية فهجمت عليهما مسلماً فدهشا للامر،وبادلاني التحية وعلمت منهما انهما عراقيان وصلا الى انقرة في نفس اليوم واعتذرا عن مساعدتي لانهما لا يعرفان باب الحديقة، كما انهما لايفكران في زيارة المعرض في نفس الليلة فواصلت سيري الى ان وجدت شخصاً آخرا فكلمته بالانجليزية، فقال بلغة عربية سليمة: هل انت عربي؟ فقلت : أحمد الله الذي وفقني لمعرفه أخ عربي في مثل هذه اللحظة العصبية بالنسبة لي، فقال : انا لست عربياً ولكنني تركياً، ولدت في سوريا وعشت بها ردحاً من الزمن حينما كان والدي ضابطاً في الجيش التركي والآن ما الذي تريده؟ فشكرته لكريم أخلاقه وقلت له: هل لك في ان تدلني على باب هذه الحديقة؟ فقال : تفضل .! انها معرض من انقرة السنوي.

ومشينا معاً وعند باب الحديقة ودعته شاكراً واعتذر هو عن مرافقتي لانشغاله ببعض الاعمال.

ودخلت الحديقة.. فبدت لي أكبر مما تصورتها : كانت تشغل مامساحته ميلاً مربعاً وفي وسطها بحيرة جميلة تحف بها الاشجار الباسقة وتطوف بها زوارق يمتطيها بعض الشباب و الغواني من حسان تركيا يغنون ويعزفون على البزك والمندلين الحاناً تركيه حالمه . . . وآخرون تلعب ايديهم بالمجاديف فتمتزج اصواتها بالالحان السكرى وباصوات الشلالات والنوافير التي تملأ اركان الحديقة ذات المنظر الخلاب فتكون مع بعضها البعض فرقة موسيقية كاملة.

وعلى اطراف البحيرة تنتشر المطاعم وقهاوي الشاي التركي الاصيل تزخر بالرواد يدخنون (الشيشة) وياكلون الشاورمة - اللحم المشوي - ويشربون وياكلون مما لذهم وطاب ويمتعون انفسهم بما يشاهدونه وطريقة تقديم الشاي عند الاتراك عجيبة، فلكل شخص يطلب شايا يقدم له الشاي في الجهاز المعروف (بالسماور) وهو عبارة عن وعاء معدني لماع من معدن الكروم له مدخنة مستطيلة توضع فيها النار ويوضع الماء في المكان المخصص له حول المدخنة الى جانب اوعية الشاي الزجاجية المعروفة والسكر المقصص ويتركون المرائد ان ياخذ حريته الكاملة فيشرب مايشاء دون رقيب او حسيب، ومن ميزة هذه الاوعية انها تبعث الدفء في جو يزخر بالبرودة كجو انقرة لا سيما في شهر اكتوبر .

وفي كل قهوة من القهاوي يوجد مالايقل عن خمسمائة من هذه الاوعية بيلحظها الرائي وكانها نمارق مصفوفة رصت بفن ومهارة لعرضها وكانها ضمن معروضات المعرض, وقد قضيت في هذه الحديقة الى مابعد منتصف الليل الى ان احسست بالبرد يقرصني فآويت الى الفندق ومازالت مناظر الحديقة الجميلة تتابع خيالي حتى هذه اللحظة.

العدد( 35) في 18/ سبتمبر/1958م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى