عبقري الإسلام.. لم يكن اشتراكياً!.. هل وأد عمر بن الخطاب ابنته؟!

> «الأيام» عن «القبس» الكويتية:

> لا تخلو الكتابة عن سيَر الصحابة والسلف الصالح (رضي الله عنهم) من صعوبة، فهي تحتاج إلى منهجية علمية واضحة تلتزم الدقة والحيادية، والبحث المتواصل والاطلاع المستمر والتأنّي، والأهم يجب أن تتميز بالصدق والموضوعية والبعد عن العواطف والأهواء.

أطل علينا د. أحمد الرفاعي بإصداره الخامس في موضوع سيرة عظماء المسلمين الذي يحمل عنوان «سفير قريش وعبقري الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب صلى الله عليه وسلم من إسلامه إلى استشهاده».

ربما يتساءل القارئ: ما الذي دفع د. أحمد الرفاعي إلى الاهتمام والتعلق بكتابة سير الصحابة وآل البيت (رضي الله عنهم).. وهو الحاصل على شهادات علمية متخصصة بعلوم الإدارة؟.. ليعرف القارئ أن د. الرفاعي نشأ في بيئة إسلامية وأسرة مؤمنة محبة للخير والصلاح وهبت نفسها لخدمة الإسلام والمسلمين، تنحدر من سلالة آل البيت (رضي الله عنهم)، فكان تأثيرها الديني واضحاً ومثمراً في حياة د. أحمد الرفاعي.

في مقدمة الكتاب يخبرنا د. الرفاعي بأنه لم يلتزم الترتيب الزمني في كتابة سيرة الخلفاء الراشدين. وقد تعمد أن تكون سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الأخيرة في سلسلة إصداراته عن الخلفاء الراشدين (رضوان الله عليهم جميعا).. وذلك لأن فترة حكم الفاروق عمر (رضي الله عنه) من أطول الفترات وأكثرها أحداثا، وتسترعي الوقوف أمامها والاسترسال في بعض أحداثها.

المحتويات

يحتوي الكتاب على ثمانية فصول تضمنت دراسة وافية كافية ومستفيضة لسيرة الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).. تثري الكتابَ آراء د. أحمد الرفاعي وآراء بعض المؤرخين الآخرين الذين استشهد د. أحمد بآرائهم السديدة في بعض الموضوعات المطروحة في الكتاب. يهمني أن يطلع القارئ على نماذج من تلك الآراء الغنية بالعلم والمعرفة..

وبالتالي سأقتطف من أهم ثمراتها.. وسأنتقي بعض الفقرات المعبرة عن الموضوعات ذات العلاقة.

مقتطفات

من ألقابه رضى الله عنه لقب سفير قريش، فيقول د. الرفاعي: «.. عرفت قريش فيه كل ما يشرّف القرشي ويجعله في الصدارة من إخوانه، فأحلّته المكانة التي شرفت باعتقاده إياها. فإلى عمر كانت سفارة قريش في الجاهلية... وأكرم بالسفارة مكانة في ذاك المقام، وهو دون الثلاثين من عمره».

ومن ألقابه أيضا لقب «عمر العبقري»، فيقول د. الرفاعي: «الألقاب التي تشرف بها أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه لقب العبقري، وهو ما كنّاه به الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: «أرى ابن أبي قحافة ينزع ذَّنوبا أو ذَّنوبين وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، ثم نزع ابن الخطاب فلم أرَ عبقريا من الناس يفري فريه حتى ضرب الناس بطعني»،

ويضيف د.الرفاعي «بهذا الحديث الشريف أود أن أبدي ما قيل عن عبقرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه.. انها عبقرية لا مثيل لها على مدى تاريخ البشرية أجمع..».

أما رأي الاستاذ عباس محمود العقاد، رحمه الله تعالى‍، فيقول تأكيدا لرأي د.الرفاعي عن عبقرية عمر الفريدة من نوعها: «كان طويلا بائن الطول يُرى ماشيا كأنه راكب، جسيما صلبا يصرع الاقوياء ويروض الفرس بغير ركاب، ويتكلم فيسمع السمع منه وفاق ما رأى من نفاذ قول وفصل خطاب».. كما استشهد د.الرفاعي بآراء اخرى حول شخصية عمر رضى الله عنه، منها رأي الاستاد حسن العلوي وغيره.

هل وأد عمر ابنته؟

من إحدى التهم التي حاول أعداء المسلمين تلفيقها لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه انه قد وأد إحدى بناته في الجاهلية، ولقد جمع لنا د.الرفاعي عدة آراء لاساتذة مفكرين ومؤرخين عرب تشكك في صحة هذه التهمة المنسوبة إلى سيدنا عمررضى الله عنه.

والرواية المنسوبة تقول «إن عمر أخذ ابنته التي أراد وأدها، فحفر لها حفرة فصارت تنفض التراب عن لحيته فدفنها حية».

من رأي الاستاذ العقاد نقتطف: «فالوأد لم يكن بالعادة الشائعة بين جميع القبائل العربية، ولم يشتهر بني عدي خاصة بهذه العادة، ولا اشتهرت بها أسرة الخطاب التي عاشت منها فيما نعلم فاطمة أخت عمر وحفصة أكبر أولاده، وهي التي كني أبا حفص باسمها، وقد ولدت حفصة قبل البعثة بخمس سنوات فلم يئدها، فلماذا وأد الصغرى المزعومة وهي في السن التي تفهم فيها كيف تنفض التراب عن لحية أبيها؟ لماذا انقطعت أخبار هذه الصغرى المزعومة فلم يذكرها أحد من إخوانها وأخواتها ولا أحد من عمومتها وخؤولتها؟».

أما رأي الاستاد حسن العلوي حول هذه التهمة فيقول: «لعلها فرية كبرى أراد بها أتباعه ومحبوه أن يبرهنوا على ما أحدثه فيه الإسلام من انعطاف وما كان هو عليه في جاهليته من جهل وقسوة، تكون ذروتهما أن يدفن الأب ابنته حية، وكأنها ظاهرة يومية وعرف لاتحيد عنه»..

ويضيف أ.العلوي : «ولماذا لم يئد ابنته حفصة التي ولدت قبل البعثة النبوية، وهل عرف عن بني عدي انهم يئدون بناتهم؟ ام ان المعروف والسائد في الروايات ان زعماءهم كانوا على سنة عمرو بن نفيل؟».

اما رأي الشيخ عبدالرحمن السحيم حول هذه التهمة فهو قوله: «لم يثبت هذا عن عمر رضى الله عنه، والأصل أنه لا يثبت مثل ذلك إلا بإسناد ثابت، وليس لدينا إسناد ثابت أن عمر رضى الله عنه فعل ذلك فعلاً!..».

اما رأي د.الرفاعي في ذلك يقول: «قبل البدء في شرح وتحليل هذا الطعن على ابنته، وجب علينا أن نذكر بعض الحقائق التي لا يمكننا إغفالها، ومنها: لم نجد تلك الرواية في أي من كتب التاريخ والسير سواء في كتب أهل السنة أو كتب أهل الشيعة، ولم يؤكد تلك الرواية أحد، حتى أن العقاد، رحمه الله تعالى، ذكرها وهو مشكك في صحتها».

ويضيف د.الرفاعي: «من المعروف أن قبيلة قريش، وهي القبيلة المهيمنة على الحرم المكي تتكون من فروع كثيرة، من أهمها بنو هاشم وبنو أمية وبنو مخزوم وبني عدي وبني تيم وغيرهم. وهؤلاء يعيشون عيشة أهل الحضر، فهم ليسوا كالبدو الرحل، ولم نسمع بأن أحدا من قريش كان قد وأد ابنته خوفا عليها من عملية السبي أو الفقر...».

ويضيف: «وهناك ملاحظة مهمة يجب أن لا نغفلها، وهي كثرة القصاصين في ذلك الزمان، والذين كانوا يبالغون في رواية الأخبار، وما أكثر الكذابين منهم حتى أن عمر رضى الله عنه ومن بعده الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، كانا يعاقبان أولئك القصاصين، بل إنهما منعاهم من ذلك في عهديهما... وإن صحت تلك الرواية فهي ليست بطعن في عمر رضى الله عنه وحده، بل إنها طعن بمعظم أهل مكة المكرمة ومن يعيش في حدودها في ذلك الزمن وفعل ما فعل... وأخيراً فأنا أتفق مع العقاد وغيره من الذين أنكروا هذه الرواية جملة وتفصيلا» .

رأي

نتمنى أن نكون قد وفقنا بتلك الفلاشات البسيطة والومضات المختصرة عن محتويات هذا الكتاب القيم الغني بمعلوماته والثري بدقة آرائه.. بحيث لا يمكن أن نوفيه حقه بهذه الوريقات القليلة.. لكننا حاولنا أن نبرز بعض الأمور المهمة الواردة بين دفتيه والتي تشكل أهميته وخصوصيته.

يتميز الكتاب بمنهجية علمية وحيادية وموضوعية، تؤكد على نزاهة الكاتب وصدقه في طرح الحقائق التي توصل إليها في بحثه الدؤوب، كما أبدى رأيه حولها بكل أمانة ومصداقية.. وبالتالي توفر للقارئ والباحث والمتابع نتائج علمية وتاريخية صحيحة ومنطقية.. موثقة ومحققة.. وهذا ما يميز جميع كتابات د.أحمد الرفاعي السابقة.

فالكتاب دراسة وافية كافية جدية تتميز بخاصية الشمولية.. وهو جهد طيب ومبارك أثرى المكتبتين العربية والكويتية في هذا الجانب المطلوب تحقيقه وإثباته والاكثار من الكتابة حوله.. ويعتبر مرجعا مهما جديراً بالقراءة والاقتناء، لأنه يستحق الصدارة مع قائمة الكتب الإسلامية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى