رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> الولادة والمنشأ:الفنان الكبير خليل محمد خليل من مواليد 5 يونيو 1917م في إحدى حارات عدن كريتر العريقة، وهي حارة حافة حسين التي ارتبطت تسميتها باسم المسجد الشهير فيها مسجد السيد حسين الأهدل.

الفنان خليل عاشر إخوانه وآخر أبناء الحاج محمد أحمد خليل من زوجته الأولى، التحق بكتاب (معلامة) الفقي العولقي ودرس على يديه القرآن ومبادئ اللغة العربية، وبعد بلوغه السابعة من العمر التحق بالمدرسة الابتدائية التي عرفت في البداية بمدرسة الإقامة residency school وعرفت فيما بعد بـ (مدرسة السيلة الحكومية للبنين)، وحاليا المتحف الحربي ومن زملاء دراسته يوسف حسن السعيدي وعبدالله علي جابر وعبدالرحيم لقمان وعبدالله سالم باسودان وحمزة علي لقمان.

خليل أحد المستفيدين من نظام بناء الشخصية المتكاملة

انتقل خليل إلى مدرسة أخرى تعمل بنظام دمج المرحلتين المتوسطة والثانوية فترتها سبع سنوات ويقدر عدد سنوات دراستك بالأبواك (أي الكتب) فهذا عنده 3 أبواك وذاك 4 أبواك وهكذا دواليك، ومن حسنات النظام التعليمي آنذاك حتى ثمانينات القرن الماضي أنه كان نظاما يقوم على بناء الشخصية المتكاملة للطالب ومكونة من شقين: نشاطات صفية ونشاطات لاصفية، وكان خليل بارعا في القفز العالي والكرة والكريكيت والهوكي كما أخذ دروسا في الملاكمة والمصارعة وكان مدربهم سلول شقيق أحد قضاة محاكم عدن المشهورين، ونشط في الموسيقي والحركة الكشفية، وكان من زملائه عبدالله بلال وعلي لقمان ومحسن خليفة رحمهم الله.

العام 1936م بداية المشوار الصعب

عند انتصاف مرحلة دراسته الثانوية وتحديدا في العام 1936م انتقل الحاج محمد أحمد خليل إلى جوار ربه وكان مصابا بمرض البروستاتا، فقرر ولده خليل ترك الدراسة للخروج إلى معترك الحياة بالبحث عن وظيفة تدر عليه دخلا منتظما، فالتحق بوظيفة كاتب بمكتب الاستشارية بالمكلا، حاضرة السلطنة القعيطية والحضرمية براتب شهري قدره 60 روبية، وعمل لعام واحد فقط في سيئون (حاضرة السلطنة الكثيرية الحضرمية) والمكلا (حاضرة السلطنة القعيطية الحضرمية) وقدم استقالته في العام 1937م نتيجة الخشونة التي تعامل بها المسؤول البريطاني هناك مع موظفي المستشارية ورفضت استقالة خليل وتم تهديده بالسجن إذ ترك الخدمة.

وقدم خليل مبلغا من المال لضابط الميناء، ليسهل له السفر إلى عدن بحرا..( لمزيد من التفاصيل راجع خالد صوري الفنان الرائد خليل محمد خليل- من إصدارات جامعة عدن صـ 18).

خليل يهرب من سلطة انجرامز إلى

سلطة رايلي

ترك الفنان خليل وظيفته المتواضعة لدى مكتب المستشارية بالمكلا ورجلها السياسي البريطاني الكبير السير هارولد انجرامز harold ingrams وفي العام نفسه 1938م التحق بـ(السكرتارية) the secrtariat التي كانت تمثل السلطة التنفيذية أوقل إنها كانت عبارة عن حكومة مصغرة وكان مبناها بالقرب من دكة الأبكاري (المجاور لرصيف السواح بالتواهي) واستخدم مبناها قبل الوحدة كمدرسة للكوادر الشبابية.

كانت السكرتارية عند التحاق خليل بها تخضع للحاكم البريطاني أو الوالي the governor وكان الوالي آنذاك السير برنارد رايلي sir bernard reily، وتعتبر الكتب التي أصدرها هارولد اجرامز وبرنارد رايلي كتبا مرجعية بكل المقاييس وزادا لكل باحث في تأريخ المنطقة.

خليل مع قامات وهامات في المجلس الثقافي البريطاني

انحصرت خدمة خليل في السكرتارية بوظيفة (كاتب) clerk خلال الفترة 1938 - 1943م وانتقل في العام نفسه 1943م إلى سجن عدن للعمل بوظيفة (مساعد سجان)وشغل تلك الوظيفة حتى العام 1952م وارتقى السلم الوظيفي ليصبح (سجانا) jailer حتى عام 1954م وغادر عدن في دروتين إلى كل من كينيا وبريطانيا، لتأهيله لوظيفة مدير عام السجن حتى عام 1959م.

نشط الفنان الراحل من خلال عدة أطر فنية وإبداعية واجتماعية كان منها على سبيل المثال المجلس الثقافي البريطاني the british council وكان اسم خليل ضمن قائمة أعضاء المجلس الناشطين في فعاليات المجلس، وكانت هناك نشرة شهرية تسلط الضوء على الأنشطة التي كان يقوم بها الأعضاء وكان منهم السيد عبدالرزاق فكري والسيد محمد عبده غانم والأستاذ حسن فريجون (وهو سوداني وكان يشغل منصب مدير كلية أبناء الأحرار والمشايخ) والشيخ أحمد محمد نعمان وغيرهم كثيرون.

وكان دور خليل في هذه المجموعة كما جاء في برامج هذا المعهد هو (أغاني وموسيقى عربية يقدمها السيد خليل محمد خليل)..نشاط فني محض.( خالد صوري مرجع سابق صـ 22).

خليل فنان من بيئة مشبعة بالفن

لاجدال أن خليل انتزع باقتدار لقب (رائد الفن العدني) وقد ورد في سياق حوار أجراه الصحفي المتألق الزميل مختار مقطري مع الفنان الكبير محمد مرشد ناجي نشرته «الأيام». راجع (ملحقات كتاب خليل) صـ255 الذي أفاد «أن عدن هي رائدة الغناء في المنطقة دون منازع»، ويفيد الأستاذ المرشد أن «الشيخ علي أبوبكر باشراحيل هومرجعية الفن الصنعاني».

نشأ خليل في بيئة فنية فوالده الحاج محمد أحمد خليل كان عازفا جيدا على العود الصنعاني، كما كان يجيد ترديد الأغاني الصنعانية، ثم الأخ الأكبر أحمد محمد خليل (والد صديقنا خالد أبو وليد) وهو فنان عريق له تأريخ حافل في مجال الموسيقى والألحان، فقد كان صاحب تخت خاص به، وأكثر عزفه على العود من الألحان الخليجية والصنعانية والمصرية والهندية، وقد صاحبه الكثير والكثير من الفنانين بتخته الموسيقي في الكثير من التسجيلات الغنائية المعروفة في ذلك الوقت.. والأخ الثاني هو الفنان طه محمد خليل كان هو أيضا عازفا بارعا ومغنيا مشهورا في ذلك الوقت، فقد قام بتسجيل العديد من الألحان والأغاني بصوته الرخيم على اسطوانات التاج العدني ثم يأتي الأخ الثالث وهو عبدالقوي محمد خليل الذي كان هو أيضا عازفا جيدا على العود، إلا أنه كان كوالده يعزف الأغاني والألحان الصنعانية فقط، وهو الذي أهداه الفنان الكبير الشيخ علي أبوبكر عوده الشخصي، وأخيرا يوسف محمد خليل ويعزف على الرق بصورة جيدة وأنواعها، كما كان أخوه طه يقتني مجموعة كبيرة من الاسطوانات المصرية والشامية لكبار الفنانين في ذلك الوقت منيرة المهدية، سيد درويش، الشيخ الصفيتي، أم كلثوم ..الخ. (خالدصوري مرجع سابق 38)

ندوة الموسيقى العدنية

في أكتوبر 1948م كان الفنان خليل في أواخر العقد الثالث من عمره، وكان رحمه الله اجتماعيا فاعلا ونشطا من خلال الحلقات الاجتماعية وأبرزها مقايل القات في عدة مبارز، وكان مبرزه المفضل هو مبرز الفاضل محمد عبدالله باخبيرة وكان خليل نجم ذلك المبرز الكريتري العريق، وكم كان يحلو له احتضان عوده ليغني الأغاني الرائجة آنذاك منها( أحب عيشة الحرية، وعندما يأتي المساء) والألحان الهندية بكلمات عربية، وكذا الألحان الكويتية مثل (متى ياكرام الحي، أغاني ليلى مراد وأسمهان وفريد الأطرش) ففكر بعض الأصدقاء في تكوين إطار يضمهم فشكلت (الندوة الموسيقية العدنية) في أكتوبر 1948م من الإخوة: خليل محمد خليل وعلي سالم علي والسيد محمد عبده غانم ووديع سالم حميدان والشيخ عبدالله حامد خليفة وياسين شوالة وعبده أحمد ميسري وعبدالله بلال.

تم تكليف السيد محمد عبده غانم بكتابة نصوص الكلمات، وأن يقوم الفنان خليل بوضع ألحانها، وتمكنت الكوكبة الطيبة من تكوين فرقة موسيقية من عازفين من الأعضاء أمثال عبده ميسري عازف كمان، ووديع حميدان وياسين شوالة ضاربي إيقاع والشيخ عبدالله حامد خليفة عازف عود وكان متفوقا في أداء الأغاني الصنعانية.

خليل في عصر الغناء وشركات الأسطوانات

كان عصر خليل حافلا بالفن، فمدينة عدن ساحلية، وتشكل عمقا لمناطق ساحلية أخرى مثل الكويت وساحل الإمارات المتهادنة (دولة الإمارات حاليا) والبحرين، وللوافدين من مناطق الداخل hinter land مناطق محميات عدن، بل وخارج هذا النطاق فوفد إليها الفن الصنعاني واللحجي واليافعي إضافة إلى الفنون الأخرى، ناهيكم عن الفن الهندي وجملة من تأثر به الفنان محمد جمعة خان من حضرموت وأحمد عبيد قعطبي من عدن.

صدحت في عدن أصوات فنية دافئة في مقدمتها الشيخ علي أبوبكر باشراحيل وإبراهيم الماس وأحمد عبيد قعطبي وعمر محفوظ غابة وحسين عبدالله الصوري ويوسف عبدالغني وصالح العنتري وطه خليل وعبده عجين، ونشأت الحاجة لتسجيل الأغاني على اسطوانات فنشطت شركة في مجال إنتاج الاسطوانات أولها شركة بارلوفون وهي ألمانية ثم شركة اودويون وجعفر فون (مستر حمود) والتاج العدني، وظهرت بعدها شركة طه فون، وعزعزي فون، واسطوانات الجنوب العربي، وشبيب فون، وآخرها كايافون، التي اقتصر نشاطها على تسجيل أغاني الندوة العدنية.

الندوة وجمهور الصفوة

سبق الإشارة إلى تأسيس (ندوة الموسيقى العدنية) في أكتوبر 1948م وقد وضع الأستاذ إدريس حنبلة أنشودة خاصة بالندوة لتكون رمزا لها، ومطلعها:

نحن بنو الفن الجميل

نمشي على ضوء الفنون

من التفاصيل الأخرى الشائقة (الأستاذ خالد صوري مرجع سابق صـ 148 و149 ) بأن«من انخرط في الندوة التي تفضل الأستاذ علي سالم علي بتوفير مقرها وتأثيثها، وشملت مكرمته دفع فواتير الماء والكهرباء والهاتف، وكان مقرها في شارع الميدان بكريتر (عدن) بجانب فندق (إحسان الله) وشاطره في توفير الآلات الموسيقية الأستاذ أمين قاسم شميري، والأستاذ علي عبده جاوي، وأحد الأصدقاء من جيبوتي رحمهم الله جميعا. وممن انخرط فيها كما أسلفنا علي بن علي شماخ، وعلي عبدالله بدوي، وحمدي يعقوب خان، والسيد طه مستر حمود، وعلي أحمد حيدر، وعلي عبده جاوي، وعلي سعيد صوفي، وعلي عيسى، وأحمد بن أحمد الدبيش، وأحمد عبدالرحمن باسندوة، والشيخ عبده عجين، وحامد القاضي، وعبدالله صالح عمر (الذي رشح لعمادة الندوة) وحامد عثمان دجنة، والشيخ سالم بن عمر العمودي وغيرهم، ثم توافد إلى الندوة عدد من المناصرين والمشجعين هم: عبدالله إبراهيم صعيدي، وعلي محمد لقمان، ومحمد علي باشراحيل، ومحمد سالم باسندوة، وعبدالله سالم باسندوة، ومحمد سالم علي عبده، وإدريس أحمد حنبلة، وعلي عثمان جرجرة، وعبدالرحمن محمد عمر جرجرة، وأمين قاسم سلطان الشميري، وياسين مستر حمود، والحاج محمود عوض راشد، والسيد علي السقاف، وحسن علي بيومي، وحسين علي بيومي، وعبدالله عبدالمجيد الأصنج، وحامد محمد زليخي، وسعيد علي باشرين، ومحمود صديق، ومحسن عبدالله شيباني، وعثمان غانم، وعبدالكريم طه خليل، وعبدالحميد غانم، وحسن مصري ويحيى مكي، ولطفي أمان وغيرهم من الشباب الواعد الذين كانوا أعضاء يحضرون بعض جلسات الندوة أمثال: محمد مرشد ناجي، وعلي محمد خليل، وخالد حسين صوري، وجميل عثمان غانم، وأحمد بن أحمد قاسم، وسالم أحمد بامدهف وياسين عبدالله فارع، وأخوه أبوبكر عبدالله فارع.

خليل يدفع روبية إضافية طمعا في زواج سعيد ودائم

من الملاحظات اللافتة أن كل أبناء الحاج محمد أحمد خليل تزوجوا في شهر شعبان، وكذلك تم زواج فناننا خليل في العام 1941م من الطيبة الذكر والمنبت، الفاضلة زينب بنت الشيخ حسين علي أمان، ومن العادات التي تواتر عليها أفراد المجتمع أن كان العريس يدفع روبية واحدة فوق المهر المتفق عليه طمعا في زواج سعيد ودائم، وكانت الروبية الإضافية فألا حسنا في نظر المجتمع العدني.أثمر ذلك الزواج إنجاب تسعة أطفال، الذكور منهم أربعة هم محمد، وبيان توفي صغيرا، ومزيد، وحسين، والإناث خمس هن: منتهى، وياسمين، ونادية، وخلود، ورشا.

خليل في موكب الخالدين

انتقل الفنان الكبير خليل محمد خليل إلى رحمة الله فجر الجمعة 26 محرم 1430هـ الموافق 23 يناير 2009م عن عمر ناهز الـ 92 عاما، وشيع جثمانه إلى مثواه الأخير في مقبرة القطيع بكريتر بعد الصلاة عليه في مسجد حسين الأهدل العريق بمدينة كريتر (عدن) بعد مشوار عطاء وفير في مجال الفن والوظيفة العامة، وقدم خلال مشواره الفني عشرات الأغاني سجل معظمها في إذاعة عدن وإذاعة هيئة الإذاعة البريطانية bbc القسم العربي.

نال الراحل الكبير حقه من التكريم من عدة مؤسسات تربوية ورياضية وعامة، وعلى المستوى الرسمي كرمه الرئيس الأسبق علي ناصر محمد في العام 1973م بمناسبة تأسيس اتحاد الفنانين اليمنيين الديمقراطيين، وكرمه بعد ذلك السيد المهندس حيدر العطاس رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 17 مايو 1990م.

تقبل أفراد أسرته الكريمة العزاء في وفاة عزيزهم وعزيزنا الغالي خليل محمد خليل في صالون بن لادن (بجوار فندق ميركيور بخورمكسر) وتصدر المقام المهيب نجله (مزيد) وابن شقيقته أ.م. بدر محمد ناجي، أحد أعيان عدن البارزين وكوكبة من أحفاد المرحوم محمد أحمد خليل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى