رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> غيل باوزير:فصلية «التراث» التي تصدرها جمعية أنصار الثقافة والتراث بمديرية غيل باوزير بحضرموت، ورئيس تحريرها الزميل أكرم أحمد باشكيل، وسكرتير تحريرها عمر عبدالله حمدون، ومن ورائها أسرة التحرير وكوكبة مستشارين يتقدمهم الأستاذ عبدالرحمن الملاحي، وأساتذة أجلاء آخرون هم: عبدالله صالح حداد وسالم فرج مفلح وعبدالله أحمد باوزير.

تصدر «التراث» نصف سنوية مؤقتا، ووجدت حاجتي في العدد (16) لشهري يناير - يونيو 2008م، ذلك أن مادة مشبعة تتعلق بالعلامة محسن بن جعفر النمي، رحمه الله، نشرت بين دفتي هذا العدد، وسبقت هذه المادة مادة أخرى في الصفحة (5) للدكتور محمد عبدالله بن هادي باوزير، عنوانها (الحفاظ على المناطق التاريخية وتراثها المعماري في حضرموت) «دراسة حالة غيل باوزير». وهي مداخلة علمية شغلت الصفحات من 5 إلى 12 انتقلت من العام (حضرموت) إلى الخاص (غيل باوزير) والدراسة مقدمة إلى الحلقة العلمية الثانية للاحتفاء برباط العلامة محمد عمر بن سلم (14 يناير 2008م).

تفيد دراسة الدكتور باوزير بأن مدينة غيل باوزير من المدن الواقعة في جنوب حضرموت إلى الشمال الشرقي في مدينة المكلا، وتبعد عنها بنحو 50 كلم، كما أن هذه المدينة برواسيها تعتبر من المدن المرتفعة عن سطح البحر، حيث يبلغ ارتفاعها عن ساحل البحر من 80-200 متر. تضيف دراسة باوزير: «ويقترن اسم المدينة باسم مؤسسها الشيخ عبدالرحيم بن عمر باوزير، الذي يعود له الفضل في إظهارها وإشهارها كمدينة معمورة آهلة بالسكان.. حيث استقدم إلى غيل باوزير من حضرموت الداخل مجموعة من العوائل تعتبر من أوائل السكان، كما قدمت بعض القبائل المسلحة ولعل أشهرها قبيلة «آل عمر باعمر» «التي تمتد جذورها إلى عهد الشيخ عبدالرحيم بن سعيد باوزير (حفيد المؤسس) الملقب بمولى الطرائق، وذلك حوالي منتصف القرن التاسع الهجري».

«كما قدمت إلى الغيل بعض القبائل اليافعية واستقرت بها كآل همام، والقعطة، والنقيب، والحضرمي، وآل علي جابر، وآل الخلاقي، وغيرهم من فخائذ القبائل اليافعية القادمة من يافع السفلى والعليا».

الميلاد والنشأة:

العلامة محسن بن جعفر بن علوي بن حسين بن عمر بن أحمد بن علوي أبو نمي، وينتهي نسبه إلى الحسين بن علي وفاطمة الزهراء بنت رسول الله([)، واستنادا لمداخلة قدمها حسين بن علوي الحبشي عنوانها العلامة محسن بن جعفر أبونمي إلى الحلقة العلمية الثانية، للاحتفاء برباط العلامة محمد بن عمر بن سلم يوم 14 يناير 2008م، وأعادت نشرها «التراث» (مرجع سابق ص 21/26) كانت ولادة العلامة أبو نمي في غيل باوزير إحدى مدن السلطنة القعيطية الحضرمية وذلك في العام 1306هـ (حوالي 1887م).

تردد العلامة أبو نمي في سنوات طفولته على عدد من كتاتيب الغيل لتلقي قراءة القرآن، وتعلم كتابة الخط، ونشط في عقد حلقات في المساجد.

الشيخ بن سلم أول المنعطفات في حياة العلامة «أبونمي»:

شكل قدوم الشيخ محمد بن عمر بن بكران بن سلم إلى مدينة الغيل أول منعطف نوعي في حياة العلامة محسن النمي، وبنى فيها رباطه سنة 1320هـ حوالي 1901م، ولازم الشاب الطموح النمي شيخه الجليل بن سلم ولم يفرق بينهما إلا الموت.

حيث انتقل الشيخ بن سلم إلى جوار ربه عام 1329هـ حوالي 1910م، وأثمرت العلاقة العلمية التي ربطت الفتى بأستاذه الشيخ تباشير النبوغ المبكر، حيث شرع التلميذ ذو السبعة عشر ربيعا في تأليف رسائل في العلوم التي كان يدرسها على يد شيخه، وكانت فاتحة تلك الرسائل (الغصن المورق في شرح السلم المتورق في علم المنطق) التي فرغ من تأليفها عام 1322هـ حوالي 1903م، وفرغ بعد ذلك من تأليف (مطلع المريد إلى نظم جوهرة التوحيد) في ربيع أول سنة 1328هـ 1909م. وفي نفس العام شرع في تسطير إعراب كلمة التوحيد بعنوان (الشرق والسيادة في إعراب كلمة الشهادة).

العلامة «أبونمي» شاهد على العصر:

عاش العلامة محسن بن جعفر أبو نمي 73 عاما في ظل حكم السلطنة القعيطية على الساحل الحضرمي، ويمتد الى شبام والقطن وحورة في الداخل، وعاصر أغلب سلاطين الدولة القعيطية بدءا بباني أركانها وباسط نفوذها السلطان عوض بن عمر بن عوض القعيطي (ت 1328هـ 1909م)، ثم السلطان غالب بن عوض بن عمر( ت 1340هـ 1922م)، ثم السلطان عمر بن عوض بن عمر (ت 1354هـ 1935م)، ثم السلطان العالم صالح بن غالب بن عوض بن عمر (ت 1375هـ 1956م)، ثم السلطان عوض بن صالح بن غالب (ت 1966م) (الحبشي - مرجع سابق).

العلامة «أبو نمي» في محطات عملية:

شغل العلامة أبو نمي منصب قاضي مدينة غيل باوزير في شعبان 1334هـ حوالي 1915م، حتى العام 1344هـ حوالي 1926م، وانتقل بعد ذلك إلى المكلا حاضرة السلطنة القعيطية الطيبة الذكر، وعمل فيها قاضيا حتى نهاية 1350هـ حوالي 1930م، ثم عاد والعود أحمد إلى رباط الغيل في مطلع العام 1351هـ حوالي 1931م للعمل مدرسا فيه. وحدثت طفرة نوعية بعد ذلك في مشوار العلامة أبو نمي في العام 1353هـ حوالي 1933م، ذلك أنه انتقل إلى المكلا بعد تعيينه عضوا في مجلس القضاء الشرعي، المؤلف من فضيلته وفضيلة الشيخ عبدالله بن عوض بكير (ت 1399هـ) والشيخ عوض بن سالم بلغدي (ت 1353هـ) ثم عاد إلى الغيل وعمل بها قاضيا أوائل العام 1356هـ، وانتقل في العام نفسه إلى المكلا للتدريس العام في مسجد عمر.

وخلال العام 1357هـ عاد العلامة أبونمي إلى الغيل رئيسا للتعليم في الرباط، وبعد افتتاح المعهد الديني بالغيل انتقل للعمل فيه مدرسا ومديرا للرباط، وفي العام 1374هـ عمل مديرا للمعهد الديني بالنيابة إلى أن أقعده المرض في آخر سنة من حياته.

شيوخ لهم بصمات على العلامة «أبو النمي»:

ثمة شيوخ علم أجلاء كانت لهم بصمات في الحياة العلمية للعلامة محسن بن جعفر أبو نمي في ثلاث محطات:

غيل باوزير والمكلا ومكة، وعندما حج بيت الله الحرام سنة 1350هـ حوالي 1930م وهم كما حصرهم الحبشي (التراث - مرجع سابق):

محمد بن عمر بن بكران بن سلم (1274-1329هـ)، أحمد بن حسن العطاس (1257- 1334هـ)، عبدالرحمن بن أحمد باشيخ (وفاته حوالي 1342هـ)، عمر بن حمدان المحرسي المغربي(1291-1368هـ)، ومحمد بن علي بن حسين المالكي المكي (1287-1367هـ).

وردت تفاصيل ما أخذه العلامة أبو نمي عن الشيوخ الأجلاء المذكورين في مداخلة الحبشي. («التراث» - مرجع سابق).

تلاميذ العلامة «أبو نمي»:

وصف العلامة ابن عبيداللاه السقاف صديقه العلامة (أبو نمي) بأنه «فقيه ذكي بحاثة، وهو أفقه رجال الساحل، وعليه يتخرج من يرشحونه للقضاء».

ويقول تلميذه الراحل الكبير سعيد بن عوض باوزير: «كان السيد محسن شغوفا بالقراءة والمطالعة حتى كاد لايرى إلا وفي يده كتاب، ولم يعرف عنه أنه فتر عن القراءة أو صدف عن المطالعة أو انصرف عن إلقاء الدروس العامة والخاصة».

ويعدد الأستاذ باوزير مناقب شيخه منها أنه كان يزداد همة وتألقا كلما تقدم به العمر، وكان ينفق بسخاء نادر في شراء الكتب في شتى العلوم والفنون، وأن مكتبة شيخه تعتبر أكبر مكتبة خاصة يملكها عالم في حضرموت.

تلاميذ العلامة «أبو نمي» كثر وأبرزهم: محمد بن عوض بن طاهر باوزير (ت 1393هـ)، محفوظ بن سعيد المصلي

(ت 1395هـ)، سعيد بن عوض باوزير (ت 1398هـ)، سعيد بن عبدالصمد باوزير (ت 1414هـ)، عبدالله بن محفوظ الحداد (ت 1417هـ)، عبدالله بن علي بن سعيد بامخرمة (ت 1424هـ)، عبدالله سالم باوزير الأديب والقاص (ت 1426هـ)، عبدالله الناخبي (ت1428هـ)، سعيد بن علي بامخرمة (نزيل جده)، محمد رشاد البيتي نزيل جده)، سعيد بن محمد برعية، علي بن محمد مديجح(خطيب مسجد عمر بالمكلا حاليا)، عبدالقادر بن محمد العماري: نائب رئيس محكمة الاستئناف بالمحاكم الشرعية في دولة قطر.

أعمال العلامة «أبونمي» :

يفيد الباحث الحبشي(«التراث» - مرجع سابق) بأن مؤلفات العلامة محسن بن جعفر أبي نمي بلغت مائة وسبعة وعشرون، على صغر حجم عدد منها لم يقف الحبشي أمام 45 رسالة منها. بيد أنه حقق المراد- ولو جزئيا- من الجرد الذي قام به العلامة أبو نمي لمصنفاته في بعض مذكراته.

تنوعت طرائق التصنيف عند العلامة أبي نمي بحسب إفادة الباحث الحبشي، فمنها المنظوم والمنثور والجداول (مشجرات) والمنثور منه ماهو شرح، ومنه ماهو حاشية، ومنه ماهو رسائل مستقلة.

أبدع العلامة أبونمي في تقريب المادة العلمية من خلال الإجابات النموذجية Model Ansers، فيقدم السؤال مع الإجابة المشبعة. خذ مثلا «الجامع الشريف لغالب قواعد علم التصريف» و«تسهيل المسير إلى علم التفسير» و«الملح في علم المصطلح» و«عجالة الطالب وهداية الراغب في علم المنطق».

من إبداعات العلامة أبي نمي في تقديم المادة العلمية شعرا منها تقديمه ألف منظومة في أحكام النكاح، تقع في ثلاثمائة بيت سماها «غرة الصباح في أحكام النكاح» ثم شرحها باسم «نشر الأفراح» ثم اختصرها في مائة بيت، وسماها «زهرة الأقاح في أحكام النكاح»، ثم شرح المختصرة باسم «العرف التفاح من رياض زهرة الأقاح في النكاح»، من إبداعاته أيضا صناعة الجداول على طريقة التشجير، وهي أسلوب نادر في التصنيف لما يتطلبه من جهود مضنية، ومنها أحكام العبادات في ثماني كراسات، وأحكام المعاملات في ثماني كراسات أيضا فيما تقام تسع كراسات في علم النحو.

من مؤلفات العلامة «أبو نمي»:

مفتاح المقفول من معاني سلم الوصول، التحصيل النافع في بيان السبب والشرط والمانع، تشبيه الوسنان في ماقرئ بالتثليث من حروف القرآن، القدح المعلى من أحكام كلا، الجوهر الفرد في أقسام العقد، فتح البصير على أبيات العلامة الأمير، المنظومة الزهية إلى عصبة الرباطية، التبشير بحل منظومة العلامة عبدالعزيز الزمزمي في التفسير ، قلادة النحر على منظومة المقولات العشر، الوشي المحبر في شرح منظومة الإعراب المقدر.

العلامة «أبونمي» محتسبا عند ربه

انتقل العلامة أبو نمي إلى جوار ربه راضيا مرضيا بعد ظهر الأربعاء 20 شعبان 1379هـ الموافق 17 فبراير 1960م، ودفن صباح الخميس بجوار شيخه محمد بن عمر بن سلم رضوان الله عليهما.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى