في حوار أجرته «الأيام» مع رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي د.عيدروس نصر النقيب:تأجيل الانتخابات نكسة للديمقراطية اليمنية المتواضعة والاستمرار كان كارثة وطنية وعلى السلطة أن تدرك أن القضية الجنوبية لن تعالج إلا سياسيا وليس بوسائل إدارية أو حقوقية ولا يمكن أن تعالج بالتفاوض

> صنعاء «الأيام» عبدالفتاح حيدرة:

> حول تأجيل الانتخابات البرلمانية ومبررات التأجيل وملامح اتفاق التأجيل، وهل التأجيل جاء استهدافا للنيل من الحراك السلمي الجنوبي والقضية الجنوبية، حول تلك الموضوعات وغيرها جرى حديثنا مع د.عيدروس نصر النقيب، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي اليمني نائب رئيس لجنة التشاور الوطني لأحزاب اللقاء المشترك.

> وبشأن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين المشترك والحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام القاضي بتأجيل عقد الانتخابات البرلمانية التي كان جانب السلطة يصر على عقدها في 27 أبريل القادم، قال د.عيدروس النقيب:

- أولا علينا أن نوضح أن مجلس النواب طلب التعديل على المادة 65 من الدستور التي تتحدث عن الفترة القانونية للمجلس، وكان الاتفاق على تمديد الفترة لحل المشكلات العالقة، وكان مبرر ذلك هو الانسداد السياسي الذي وصلت إليه الأحزاب السياسية في اليمن، لأن الإخوة في الحزب الحاكم كانوا يؤكدون ذهابهم للانتخابات بالمشترك أو بدونه، وتلك كانت تصريحات إعلامية فقط أو فرقعات إعلامية الغرض منها العنترة وإظهار القوة واستعراضها في حين أنها غير موجودة.

لقد كان من الواضح أن يحدث انقسام وطني أمام أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وإدارية، لابد من الوقوف بمسئولية أمامها، وعليه وقفت القوى السياسية أمام خيارين: إما الكارثة أو النكسة.

وهنا أقول إن النكسة هي التراجع عن فترة مجلس النواب، والتمديد أو التأجيل للانتخابات لفترة، يعتبر نكسة بكل معانيها للديمقراطية اليمنية المتواضعة.

والخيار الآخر.. كان الكارثة، وهذا إذا ما كان المؤتمر قد واصل إصراره بالإقدام على الانتخابات وفوزه بالأغلبية، ولكن لو أن البيئة الانتخابية سليمة وحدثت هذه المغامرة، فقد كانت ستؤدي إلى تشظٍ وطني لا يعلم أحد مدى أبعاده وأهواله.

أعتقد أن الإخوة في السلطة قد أدركوا مخاطر المغامرة التي كانوا سيقودون البلاد إليها من قبل الطائشين، وانتصر التيار العاقل في الحكم على التيار الطائش لأن الذهاب للانتخابات ليس فقط أزمة للحكم ولكنه أزمة للوطن كله وسيؤدي إلى كوارث على صعيد الوطن.

من هنا جاء التوافق وأنا أعترف بأنه نكسة بالنسبة للديمقراطية، ولكنه أقل ضررا من الكارثة.

> ماهي ملامح هذا التوافق بين المشترك والحاكم؟

- حقيقية لا يوجد اتفاق سري، فالاتفاق معلن ويتضمن، أولا: التمكين من خلق مناخات سياسية تسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، ثانيا: تمكين الأحزاب السيايسة من إجراء تعديلات على قانون الانتخابات تضمن ما تم الاتفاق عليه سابقا في 2006م مع توصيات البعثة الأوروبية، ثالثا: تعديل أو تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، وهذه النقاط تتضمن من التفاصيل ما يخرج لنا الآلاف من الشياطين، إذا كان الشيطان يكمن في التفاصيل.

لكنني أعتقد أنها فرصة أمام القوى السياسية للتغلب على النزاعات الذاتية وتحمل المسئولية الوطنية من أجل خلق بيئة انتخابية سليمة ليس من أجل الانتخابات فقط، بل الهدف هو إيجاد وسيلة لخلق مناخات سياسية متوازنة ومعتدلة تسمح بالنهوض بحياة الناس.

ونحن ليست غايتنا الانتخابات من أجل إعادة الناس إلى البرلمان، وأنا شخصيا لو خيرت بين الخروج غدا أو الخروج تاريخ 27 أبريل سأختار الخروج الآن، لكننا أمام معضلات وطنية علينا مسئولية أخلاقية أن نتحملها وأمام القوى السياسية خلال السنتين القادمتين فرصة لمراجعة نهجها السياسي، وأنا أخص بالذكر الإخوة في الحكم عليهم أن يختاروا بين ديمقراطية حقيقية تسمح بالتداول السلمي للسلطة يتحمل فيها الفائز المسئولية إزاء بلده وإخراجه من الأزمات المتوالية والمزمنة والانتقال به إلى رحاب التنمية والأمن والاستقرار والدولة المدنية الحديثة، وبين نظام استبدادي قمعي لا يقول فيه أحد لهم لا.

> هل سيلبي التشاور الوطني طموحكم في المشترك خلال فترة التأجيل؟

- التشاور الوطني هو وقفة مسئولة من قبل أحزب اللقاء المشترك أراد من خلالها إشراك الشعب في التشاور حول القضايا الوطنية الفعلية وقد أراد المشترك أن ينتقل بالحوار من ذلك الحوار النمطي القائم سابقا على المستوى الفوقي - بين الحاكم والمعارضة- إلى التحاور مع الشعب الذي غالبا لا يعير الحوار الفوقي الأهمية، لأن الحوار الفوقي يدور في الغرف المغلقة ويخضع للكثير من الشبهات، والشعب هو أصل الحوار.

لقد أراد المشترك أن ينتقل بالحوار من بين السلطة والمعارضة إلى الحوار مع الشعب، وهنا اللقاء المشترك لا يزعم أن لديه روشتة سحرية لعلاج كل المعضلات الوطنية، لكننا أردنا من التشاور خلق أداة استماع لكل الآراء المختلفة حول الأزمة الوطنية ومكوناتها المختلفة: الأزمة الاقتصادية والسياسية وأزمة منظومة الحكم، وأزمة غياب الدولة وغياب المواطنة، لقد أردنا أن نوكل هذه القضايا للشعب والحوار معه للوصول إلى استراتيجية وطنية للخروج من الأزمة.

ومن المؤكد أن الحوار الوطني قد لايمثل علاجا نهائيا للأزمة ولكنه لتشخيصها ووضع أجندة للعلاج التي أتصور أن تقدم برنامجا إنقاذيا للبلد، لأن البلد يتجه نحو الهاوية والإخوة في الحكم لايستشعرون خطورة ما هم ذاهبون إليه.

التشاور الوطني بالنسبة للمشترك هو دعوة استراتيجية لتناول قضايا استراتيجية مفصلية وليست العملية مناورة تكتيكية الغرض منها ابتزاز الطرف الآخر، بدليل أنه حتى بعد أن أجلت الانتخابات ستستمر ملتقيات التشاور الوطني وسيتم تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني وسيدعى للمؤتمر في وقته المناسب.

> لكن الحزب الحاكم يصور التشاور الوطني هذا بأنه أداة للضغط عليه من قبل المشترك.. ما قولكم في ذلك؟

- لابد أولا أن نميز بين شيئين وهما الحزب الحاكم والمؤتمر الشعبي العام، ونحن بكل أسف نخلط بينهما، المؤتمر الشعبي العام هو حزب مقصي مثله مثل أحزاب المعارضة مع بعض الامتيازات التي يحصل عليها بعض المؤتمريين وليس الكل، وكما قال أحد قيادات المؤتمر الشعبي، هناك حزب خفي هو الذي يتحكم بالحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية والثروة وغيرها، أما المؤتمر الشعبي العام فهو ظاهرة انتخابية يجري تسخيرها من قبل المتنفذين والفاسدين في المواسم الانتخابية، والإخوة في الحكم يقولون إن أحزاب اللقاء المشترك تريد أن تناور في القضايا الحقوقية من أجل انتزاع مكاسب سياسية، وإذا كانت المكاسب السياسية للشعب فلماذا لا نناور؟

القضايا الحقوقية والحقوق السياسية حق من حقوق الشعب وعلينا واجب في المشترك وعلى كل وطني شريف أن يطرح هذه القضايا أمام السلطة وعلى السلطة مسئوليتها الدستورية والأخلاقية أن تلبي هذه المطالب للشعب لأنها موجودة في الدستور وليس لابتزاز سياسي، وإذا كان الأمر كذلك فهذا حق الشعب وليس من حقنا أن نتنازل عن حق من حقوق الشعب وبالتالي لايوجد أي ابتزاز ومناورة ومصالح يبحث عنها ليجنبها من وراء التشاور الوطني.

> وماذا بشأن القضية الجنوبية.. وأين موقعها في الاتفاق الأخير؟

- القضية الجنوبية يتصل أمرها إلى اللحظة الأولى لقيام الجمهورية اليمنية عام 1990م، عندما تم مشروع التوحيد لقيام دولة النظام والقانون والمؤسسات والمواطنة المتساوية، وهذا المشروع لم يكن مشروع الحزب الاشتراكي وحده بل كان مشروع كل القوى الحداثية في الساحة بشكل عام وهناك مشروع آخر مشروع الاستحواذ والاستيلاء وتوسيع النفوذ والحفاظ على البيئة التقليدية للمجتمع اليمني بعيدا عن أي أهداف ترتبط بالتنمية والتحديث وبناء الدولة المدنية الحديثة، وبكل أسف استمر التصارع بين هذين المشروعين حتى حرب عام 94م التي انتصر فيها المشروع التقليدي على المشروع الحداثي.. والقضية الجنوبية هي من مخرجات هذه الحرب الكارثية التي حصلت في 94م.

وعندما نتحدث عن القضية الجنوبية فإن القضية الجنوبية ليست فقاعة أو لعبة مناوراتية الغرض منها ابتزاز أحد أو التكتيك على أحد، القضية الجنوبية هي قضية وطنية تعني كل الشرفاء والوطنيين والمخلصين على الساحة اليمنية وهي قضية ناتجة عن السياسات غير الرشيدة التي اتبعت في الـ 7 من يوليو 94م بل أقول منذ 22 مايو 90م، عندما شرعت سياسة القتل والإقصاء والالتهام والاستحواذ وإطلاق يد اللصوص وناهبي المال العام في هذا البلد.

وبالتالي ألخص القضية الجنوبية بأنها قضية دولة دمرت وهوية تمسح وأراض تنهب وثروات يعبث بها وتاريخ يشوه وشراكة وطنية مغيبة، ولا أزعم أنها كل مفردات القضية الجنوبية ولكن هذه هي الأجزاء الأساسية من القضية الجنوبية، واللقاء المشترك أعلن عن تأييده وتبنيه للقضية الجنوبية وأصبحت جزءا لا يتجزأ من أدبياته السياسية ويؤازر كل مطالب الفعاليات الاحتجاجية السلمية في المحافظات الجنوبية، ويدعو الدولة للقيام بمسئوليتها تجاه هذه القضايا من خلال وقف العبث في التاريخ ووقف أيدي الفاسدين الذين يعبثون بكل شيء من احترام تاريخ الجنوب واحترام الهوية الجنوبية وإعادة بناء الدولة التي جرى تدميرها وإيقاف نهب الممتلكات والأراضي والمنشآت وحقوق الأفراد وعمليات الإقصاء التي لحقت 7 يوليو 94م والتي نتج عنها تسريح كل جنوبي من موقعه حتى ولو كان عامل نظافة.

أريد أن أؤكد أن القضية الجنوبية هي قضية سياسية بامتياز وليس هناك تسييس ومالا يسيس لايمكن تسييسه، وعندما تكون الظاهرات التي تحدثنا عنها سابقا هي نهج رسمي تمارسه السلطة والقائمون على السلطة، فإن القضية الجنوبية قضية في صلب القضايا الوطنية لأن تغييب الشراكة الوطنية وإقصاء كل ما هو جنوبي إلا من كان يسبح بحمد الفساد ويطبل بحمد الحكم، ولذلك على الإخوة في الحكم أن يدركوا أن القضية هذه لن تعالج إلا سياسيا وليس بوسائل إدارية أو حقوقية.

> وماذا عن الرأي الذي يقول بأن تأجيل الانتخابات جاء كضربة أو تنصل أو محاولة لإفشال أو إنهاء الحراك الجنوبي والقضية الجنوبية؟

- أنا أعذر كل الساخطين والغاضبين من ما يأتي من صنعاء، وهناك شعور لدى المواطن الجنوبي، بأن ما يأتي من صنعاء إلا الشر، وهناك اتهامات لأحزاب اللقاء المشترك وتشكيك بالمعارضة وبالتشار الوطني والتشكيك بكل ما يصدر من صنعاء، وأنا أتفهم الأسباب العاطفية النفسية لدى الكثير من أبناء الجنوب الذين أصبحوا يعانون من السياسات الصادرة من صنعاء.

والحقيقة أن القضية الجنوبية هي في صلب اللقاء المشترك، وأنا أعترف أن اللقاء المشترك تعامل معها ببطء شديد ولكن البطء هو ما يأتي بالنتائج الحميدة، والقضية الجنوبية صارت جزءا من مفردات اللقاء المشترك الذي هو مسئول أخلاقيا وسياسيا أن يتبناها وقد تبناها، وتأجيل الانتخابات هو نكسة للعملية الديمقراطية إن وجدت لكن الخيار الآخر كان الكارثة، وذهاب المؤتمر لوحده أم لا كان سيؤدي إلى احتراب وتمزق وطني وهذا الخطر لم يزل ويمكن أن يزول باتباع سياسة جديدة ورشيدة من قبل السلطة والإخوة في الحكم ومراجعة نهجهم السياسي تجاه القضية الجنوبية، والقضية الجنوبية لايمكن أن تعالج بالتفاوض، وأنا كأحد أعضاء الحزب الاشتراكي لن أسمح لنفسي بأن أنوب عن المواطن الجنوبي أو حتى الفعاليات الاحتجاجية السلمية الجنوبية كي أعقد صفقة أو أوقع مع السلطة بشأن القضية الجنوبية التي تصنع حركة النضال السلمي المتواصل لأبناء الجنوب، وعليهم أن يتمتعوا أولا بالصبر لأن الثمار لا تأتي إلا ببطء شديد وصبر شديد، ثانيا لأن السلطة ترغب في استدراجهم إلى مربع العنف وهي ستكون سعيدة فيما لو صدرت أعمال عنيفة لتنقض على النضال السلمي وقد تزرع ممثليها داخل الحراك، وعليهم أن يتنبهوا لهذه المخاطر بتوحيد صفوف الفعاليات الاحتجاجية في الجنوب والنهوض بها بأجندة سلمية وطنية واضحة والتنبه للمخاطر التي تعترض طريقهم، والسلطة لم تيأس بعد وعلى الإخوة في النضال السلمي تبني برنامج وطني بعيد المدى، لأن هذه السلطات لاتتحلى بالمسئولية الوطنية حتى تلبي مطالبهم.

إن الحزب الاشتراكي لديه أخطاء كانت مقصودة وأخطاء ليست مقصودة ومعظم الأخطاء ارتبطت بمراحلها التاريخية وصراع القوى على الصعيد العالمي ومحدودية الكفاءة والخبرة السياسية للذين تولوا الحكم في الجنوب قبل الوحدة وفي أغلب الأحيان أخطاء مرتبطة بالطموح الثوري غير الواقعي.

إن الحزب الاشتراكي هو الحزب الوحيد الذي قيّم تاريخه وانتقد ما صاحبه من أخطاء ولا نعتبر تاريخ الحزب مقدسا، ولكن مراجعته وتصحيحه من أجل الوطن، لكن الذين يكابرون هم من يعتبرون أنفسهم صناعا للتاريخ وأنهم بلا أخطاء وأنهم الأقرب إلى الملائكة.

من المؤكد أن الحزب الاشتراكي يقيّم أخطاءه ويعلن عن تخليه عن بعض السياسات التي كانت تعتريه أثناء مراحلها التاريخية وليس بالضرورة أن ندين كل شيء كي نعلن أننا انتقلنا إلى النهج الصحيح ولكن يكفي أننا قبلنا بالآخر وأننا سلمنا دولة مساحتها 336كم مربع لشركائنا في الحياة السياسية الذين اعتقدناهم مخلصين لليمن وبناء الدولة اليمنية.

إن البلاد ذاهبة إلى مفترق طرق إما تحقيق انفراج سياسي واقتصادي واجتماعي وتحقيق ولو بعض التطلعات للشعب اليمني أو الذهاب إلى الهاوية التي لا نعلم عواقبها وإلى أين ستكون وإلى أين ستذهب البلاد؟ وهذا يتوقف على ما يختاره السياسيون وأخص بالذكر الإخوة في الحكم الذين يجب أن يعلموا أن الانهيار اذا ماحصل - لاسمح الله - لن يؤدي إلى تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب بل سيعيدها إلى عدة شمالات وعدة جنوبات وستظل المسئولية التاريخية تطارد المتسببين في الدنيا وفي الآخرة.

إن ما جرى من اتفاق في الأيام الأخيرة هو عبارة عن تأجيل للجرح إلى سنتين قادمتين، إما أن يشفى هذا الجرح أو يتحول إلى مرض سرطاني مدمر. إن على المعارضة أن تنزل إلى الناس لأن البلاغات السياسية والتحاور مع السلطة لا يكفي والخوض مع الناس النضال السلمي لإجبار السلطة على أن تعترف بحقوق الشعب التي كانت تتعامل معها بكبرياء في الفترة الماضية وعجرفة غير مسئولة.. إن الاتفاق من أجل التأجيل ليس إفشالا للنضال الجنوبي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى