د.يـاسيـن:الحراك السلمـي أحيـا الأمـل فـي النفوس المطحونة والمقهورة

> عدن «الأيام» عن «الاشتراكي نت»

> افتتحت الدورة السابعة الاعتيادية للجنة المركزية أعمالها في مدينة عدن صباح أمس الأربعاء بحضور كبير لأعضاء اللجنة المركزية، وفيما يلي نص كلمة أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني د.ياسين سعيد نعمان قال فيها : «بسم الله الرحمن الرحيم

الإخوة والأخوات أعضاء اللجنة المركزية ..الإخوة الحاضرين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أرحب بكم ترحيبا حارا في الجلسة الافتتاحية لدورة اللجنة المركزية التي تنعقد في عدن متمنيا لكم التوفيق ولدورتنا النجاح في إنجاز المهام المطروحة أمامها.

تكتسب هذه الدورة أهميتها أولا لأنها تنعقد في عدن، وعدن في ذاكرة حزبنا ومناضليه هي سفر التكوين الذي يحكي قصة الحلم العظيم للرعيل الأول من مناضلي حزبنا والحركة الوطنية، وهم يتصدرون المنازلة التاريخية من أجل عدن حرة ومستقلة، وقاطرة حضارية لجنوب ممزق الأوصال غارق في التخلف تحاصره المشاريع الاستعمارية والمحدقة به من كل صوب، عدن العنوان الأبرز والسطر الأول في قصة كفاح صاغ وقائعها أولئك الأبطال العظام غيرت مجرى التاريخ ومجرى الحياة الراكدة في ذلك الجنوب المتدثر برداء ثقيل من الإهمال والصراعات والظلم والفقر وفتحت نوافذ للإشعاع التنويري الذي كان يتزاحم في تلك المدينة إلى كل الجنوب وبعض مناطق اليمن الأخرى، ذلك الإشعاع الذي نسجت من خيوطه الجوانب الأساسية من تاريخ الفكر السياسي للجنوب اليمني بأكمله كأهم علامة للدور التنويري الذي شكل محطات الاستحقاقات النضالية التاريخية ويصبح الجنوب وفي المقدمة منه عدن صانع تاريخ بكل معنى الكلمة، مما يعطيه الحق في الدفاع عن هذا التاريخ والتمسك به كمكون أساسي في المعادلة الوطنية.

لقد كانت عدن مصدر إلهام لنضال كل الوطنيين اليمنيين وكانت مآلا للمناضلين والمطاردين من أصحاب الرأي والسياسيين والمثقفين. وفي عدن أخذت الثقافات المحلية التي حملها أصحابها من مناطق الجنوب ومن كل أنحاء اليمن تتمازج وتفتح المشترك فيما بينها وتنفتح على ثقافة أشمل وأوسع، ولا عجب أن ترى الجميع اليوم مسكونين بهذه المدينة الرائعة ونراها ترحل في القلوب من محطة إلى أخرى محتفظة بصدارتها في الفعل الوطني غير قابلة للتهميش أو العزل أيا كان مصدرهما وأيا كانت العناوين التي يجري توظيفها لهذه الغاية.

إن دلالة انعقاد دورتنا هذه في عدن يتجاوز عاطفة الوفاء والحب التي يختزلها كل مناضلي حزبنا وأنصاره لهذه المدينة إلى المضامين الفعلية لهاتين القيمتين والمتمثلة في الحقيقة الجوهرية وهي أن عدن كترميز تاريخي للنهضة الوطنية التي تطلع إليها الشعب في محطات نضاله المختلفة قد شكلت همزة وصل قوية في مضمار الربط بين إرهاصات الثورة وعناصرها، بل وقواها المختلفة كدليل على مكانتها في هذه العملية التاريخية المعقدة.

من هذا المنطلق يرى حزبنا أن عدن التي اضطلعت بهذه المهمة المبكرة قبل غيرها من مدن ومناطق اليمن الأخرى قد أهلها التاريخ لتقود عملية التحول الشاملة في نطاق تلك الدولة وذلك من موقع التأثير المدني وعناصره الحضارية، ذلك التأثير الذي لا يمكن إغفاله عندما يجري الحديث عن بناء الدولة اليمنية الحديثة، دولة النظام والقانون في الجنوب حتى 22 مايو 1990م يوم إعلان قيام دولة الوحدة بين شطري اليمن.

والحزب الاشتراكي اليمني في مجرى تقييم تجربته في النضال الوطني التحرري والحكم لا يمكنه أن يتجاهل حقيقة أن عدن بما حوته من شروط النضال التحرري السياسي وبما هيأته من مقومات مدنية ثقافية واقتصادية وإدارية قد سهلت مهمته في التصدي لتعقيدات التحرير ثم بناء دولة مدنية نقلت الجنوب بمناطقه المختلفة إلى المستوى الذي غدت فيه دولة بنظام يتجسد هذه المقومات مجتمعة.

لقد تحملت عدن عبء هذا الانتقال، حملت ريف الجنوب وتخلفه وقبائله على كاهلها وأعادت صقلهم بقيمها المدنية فيا له من مهمة عظيمة وما كان لها أن تتحقق لولا الجذور العميقة لهذه القيم المقرونة بالتسامح والتعايش والانفتاح على الثقافات ونبذ التعصب والنزوع المبكر نحو التعليم والتكوينات النقابية التي كان هلا الأثر الكبير في نشر ثقافة النضال السلمي الديمقراطي.. لعدن منا أخلص التحية وأصدق الوفاء.

أما ثانيا.. فإن ملامح الأزمة الوطنية قد أغرقت البلاد في تحديات تعد من أكثر التحديات تعقيدا وخطورة، ولا نستطيع إلا أن ننظر إلى هذه التحديات إلا باعتبارها ناقوس الخطر الذي بات يرن داخل كل بيت.

وفي التقرير السياسي الذي سيناقش في هذه الدورة هناك صورة كاملة للمشهد السياسي منذ الدورة الأخيرة للجنة المركزية (السادسة) وأطلب مناقشة هذا التقرير بمسؤولية وعلى نحو لا نغلب فيه جانبا من المشهد على غيره من الجوانب الأخرى فلابد أن ننظر إلى جذر الأزمة لكي نكون قادرين على التفاعل مع مظاهرها وظواهرها المتعددة.

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة هنا إلى أن الحزب الاشتراكي اليمني قد اضطلع وعلى نحو مسؤول بدوره السياسي والنضالي تجاه كافة ظواهر وعناصر هذه الأزمة الوطنية بالرغم من الظروف الصعبة وظروف الحصار والمواجهة والمطاردات والمحاكمات والسجن التي تعرض لها أعضاؤه خلال الفترة الماضية.

ومما لابد من الإشارة إليه هنا هو أن الحزب الاشتراكي وفي ضوء قرارات دورة اللجنة المركزية السادسة أطلق جملة من المبادرات السياسية اتجهت كلها نحو دعم الحراك السياسي والاجتماعي في الجنوب وترشيد دفاعه عن القضية الجنوبية بإسهامات سياسية وفكرية ونضالية وتضحيات قدمها أعضاء الحزب في مختلف ميادين النضال السلمي الديمقراطي والوقوف إلى جانب جهود التصالح والتسامح ومقاومة الانتهاكات التي تعرض لها نشطاء الحراك والمطالبة بإطلاق سراح المسجونين ووقف المطاردات والمحاكمات، كما اتجهت نحو إدانة الحروب في حل قضايا البلاد السياسية والاجتماعية، وطالب بوقف الحرب في صعدة والامتثال إلى حوار جاد يفضي إلى إنهاء النزاع والصراعات لتجنيب البلاد كوارث الانقسامات العرقية والطائفية، واتجهت إلى النضال من اجل حماية الخيار الديمقراطي مع بقية أحزاب اللقاء المشترك والدفاع عن الحريات وصيانة حق التعبير السياسي والفكري وغيره من حقوق التعبيرات السلمية لكل فئات وقوى المجتمع والأفراد وأصحاب الرأي ونضال المعلمين والصحفيين وغيرهم من أجل حقوقهم المشروعة ونضال المرأة السياسي والاجتماعي ونضال الشباب وحقهم في التعليم والعمل والرعاية، واتجهت نحو فضح أساليب النظام السياسي وسلطته بخصوص فتح ملفات الصراعات وتشجيع ثقافة الكراهية والتطرف والعودة إلى سياسة التكفير وتشجيع بعض المتطرفين بإصدار كتابات تحمل من التلفيقات ضد الحزب الاشتراكي ما يفهم منه بأنها دعوة للفتنة بعناوين دينية، وأخذ الحزب على عاتقه وفي ضوء تلك القرارات مسؤولية العمل مع القوى السياسية والاجتماعية، وفي إطار جبهة واسعة على إيجاد ميزان قوة كفاحي يناضل من أجل بناء دولة المواطنة المتساوية على قاعدة الاعتراف بالشراكة الوطنية.

ونظر الحزب إلى هذه المسألة من الزاوية التي يصبح فيها الجنوب طرفا في معادلة شراكة الحكم والثروة وهو الأمر الذي يفتح آفاقا سياسية واجتماعية وثقافية لتحولات جوهرية لا يمكن التضحية بها أو إهمالها تحت أي دافع من الدوافع أو بتأثير دعاوى سياسية مخالفة.

نحن نحترم الاختلاف لكننا في نفس الوقت نطلب مبادلة الاحترام. لقد لاحظنا في الفترة الماضية أن كثيرا من العناوين السياسية تحتدم لتأطير الموقف من هذه القضية أو تلك دون أن يعرف البعض من هذه القوى السياسية بحق الآخرين في الاختلاف معهم، وهو أمر ينذر بالسير في طريق مناهض تماما لحق الناس في الاختلاف والتباين، حيث أعطى هذا البعض نفسه الحق في اتهام كل من يخالفه الرأي في برامجهم السياسية، وأصروا على أن يتخذوا من أنفسهم ومن برامجهم وشعاراتهم مرجعية لا يأتيها الباطل لكل نشطاء الحياة السياسية، وهو أمر أضر بالحراك السياسي وخاصة بعد أن دفعوا ببعض عناصرهم للاعتداء المسلح على بعض مقرات الحزب الاشتراكي كما حدث في طور الباحة بلحج، ولولا أن أعضاء حزبنا تصرفوا بمسؤولية واحتووا الموقف لكان حقق بعض المندسين والمخترقين غايتهم في إثارة فتنة لا نهاية لها.

لقد قال حزبنا منذ اليوم الأول كلمته بشأن الحراك السياسي بأنه تفاعل شعبي سياسي واجتماعي تبلور على قاعدة الدفاع عن قضية عادلة وانه يجب أن يتحرر من الوصاية ولا بد من أن يخلق قياداته الميدانية بعد أن تختبر صلابتها في ميدان النضال السلمي وبالالتصاق بالجماهير دون وصاية من أحد أو تنظير يتعسف حقائق المطالب الشعبية ويقتحمها بسجالات سياسية من ذلك النوع الذي يتعالي على الوقائع بترف تنظيري لا يأبه إلى أين يتجه أو إلى ما يفضي.

لقد طالب حزبنا كل القوى الفاعلة بحوار هادئ وصريح بعيداً عن الصخب الذي يتصدر الفعل السياسي على الأرض بهدف خلط الأوراق والإمعان في تكريس مشروع سياسي أحادي ليغدو غيره متهماً أو باطلاً في أحسن الأحوال.

وعلى هذا الصعيد دعا حزبنا إلى حوارات مع كل الفعاليات السياسية والأحزاب بهدف الحفاظ على الحراك السياسي وصولاً إلى بلورة موقف تجاه القضية الجنوبية، يتسع لنضال كل القوى السياسية المؤمنة بعدالة هذه القضية لكن هناك من يصر على أن يجعل من هذه القضية مظلة لتصفية حسابات فكرية وسياسية، تاريخية ولا تاريخية، مرة يتجه بها نحو الحزب الاشتراكي فيما يوحي بالبحث عن ضحية لصالح المخلٍص الجديد، وتارة أخرى يضعها خارج إطارها العادل وبمفهوم ملتبس، ومع ذلك فقد حرص حزبنا على عدم نقد أصحاب هذا الرأي المخالف أو التوجه بخطابه نحوهم حتى عندما كان بعض هؤلاء يقفون على مستوى واحد مع السلطة في الهجوم على الاشتراكي وشن الحملات الظالمة عليه لا لشيء إلا لأننا نعتقد أن هذه القضية قد تركت مساحة واسعة للاختلاف بسبب ما لحق بالجنوب من غبن، وبدلاً من ذلك فقد توجهنا بخطابنا إلى جوهر المشكلة وإلى جذر الأزمة، واعتبرنا هذا الاضطراب إنما هو ناشئ عن الوضع المعقد للأزمة وعناصرها المتداخلة، وتعاملنا مع كل ذلك بالاستناد إلى العامل الموضوعي وهو الأمر الذي دفعنا إلى التمسك بالحوار مع كل الفعاليات والقوى والاتجاهات.

واليوم تقدم الحياة برهاناً على أن الحوار هو الطريق إلى التفاهم والانفتاح وتكوين المواقف المسؤولة إزاء القضايا الكبرى وأنه لا يستطيع أحد بمفرده أن يصوغ الموقف ويطلب من الآخرين اللحاق به.

إن الحزب الاشتراكي وهو يستخلص من تجاربه وخبراته وقربه من الواقع والتصاقه بالجماهير والأهداف التي يناضل من أجلها وكذا الأدوات والوسائل الملائمة لنضاله، يضع في حسبانه عدداً من الحقائق التي أفرزتها المرحلة المنصرمة وتأتي في مقدمة هذه الحقائق الحاجة إلى تعزيز وحدته التنظيمية.

والحديث عن الوحدة التنظيمية هنا يجب ألا يذهب إلى تلك الصيغ الجامدة التي تستمد عناصرها من سطوة الأيدلوجيا، فحزبنا الذي أخذ يتحول سياسياً على قاعدة الخيار الديمقراطي كان لابد أن يتفاعل مع كل المتغيرات التي تنشئ معادلاتها والحاجة الجمعية المرتبطة بها، ويعني هذا فيما يعنيه أن تتبع الوحدة التنظيمية وتلبي الحاجة إلى الاختلاف والتنوع في الآراء والأفكار، وهي عملية إذا ما استطاع الحزب أن ينجزها في مؤتمره القادم فلا شك أنه سيحقق بذلك نقلة نوعية في حياته الداخلية، تؤهله للتفاعل مع تسارع الحياة السياسية وتمكنه من التقاط اللحظات الحاسمة التي تشكل منعطفات هامة في مسارات الحياة السياسية. إن التحضيرات الجارية لانعقاد الدورة الانتخابية الكاملة لمنظمات الحزب وصولاً إلى عقد مؤتمرات المندوبين إلى المؤتمر العام السادس الذي سينعقد صيف هذا العام، وسنتناول في هذه الدورة مستوى التحضير لإنجاز هذه المهمة.

ولابد بهذا الصدد أن تتحمل منظمات الحزب مسؤوليتها في إنجاز الدورة الانتخابية والإحصاء الحزبي.

وفي سياق متسق مع ذلك، أرى أن من الضرورة بمكان البدء بحوار داخلي حول التوجهات السياسية للحزب خلال المرحلة القادمة، الحوار مع المنقطعين في الداخل والخارج، الإجابة على الأسئلة التي أفرزتها المتغيرات المحلية والدولية فيما يمكن اعتباره إعادة صياغة الهوية الفكرية والسياسية للحزب.

إن المؤتمر القادم لا بد أن يشكل محطة هامة في حياة حزبنا، ولدى حزبنا اليوم من التجارب ما يجعله قادراً على الصمود أمام اختبارات الزمن والتحديات التي يقذف بها في طريقه، ونعول كثيراً على الحوار الداخلي ومع المنقطعين، ولا بد أن تكون عقولنا وقلوبنا مفتوحة لاستيعاب الاختلاف والتنوع، فحزب بهذا التاريخ وبهذا الحجم وبهذه التجارب وبهذه المسؤولية لا يمكن أن يستسلم لقرارات الشطب العشوائية التي يطلقها البعض هنا أو هناك. علينا أن نعود بهدوء وبعمق إلى ذاكرة حزبنا وسنكتشف أننا أمام فكرة عملاقة تكمن قيمتها في أنها قادرة على التجدد من داخلها وبقدرتها على استيعاب المتغيرات والتطورات المحيطة بها لأنها لم تكن فكرة ترفيه أو متعالية على حاجة المجتمع الذي ترعرعت ونشأت فيه بل وخرجت من داخله.

إن ما أضر بهذا الحزب ونضاله خلال المراحل المختلفة لم يكن سوى تلك الأمراض التي كان البعض يصر على ممارستها في حياته الداخلية وأكثرها خطورة هي التكتلات الضيقة والتعبئة الخاطئة التي تواصل تفريخ الانقسامات والتي يمكن إرجاعها في الجزء الأكبر منها إلى اعتقاد البعض من أن الآخرين لن يرضوا عنهم إلا إذا انخرطوا في لعبة التشويه والإدانة التي يتعرض لها الحزب الاشتراكي وتجربته وفكرته، والهدف من هذه اللعبة التي تشترك فيها بعض القوى والسلطة على السواء لا تقف عند حدود الإدانة والتشويه للحزب فقط، وإنما تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بهدف توفير مناخات التسوية على نفس القاعدة التي قبلت بها القوى التقليدية التسوية مع نظام صنعاء في السبعينيات والتي جاءت على حساب مضامين وجوهر النظام الجمهوري.

ولذلك لا غرابة أن نراها تتجه اليوم بخفة إلى المفاصل التاريخية لتجربة الجنوب بدءاً من الاستقلال وشرعية توحيد الجنوب في مشهد عبثي لا يخلو من تحريض مغامر لقلب الوقائع التاريخية ومعها كل ما رتبته هذه الوقائع من حقائق سياسية ووطنية، يصعب تجاهل أن التحريض عليها سيقلب المعادلة على الجميع رأساً على عقب. ولقد نبه الحزب أكثر من مرة إلى مخاطر هذه اللعبة واليوم يعيد التنبيه إلى أن النضال من أجل القضية الجنوبية لن يكون من مصلحته توظيف هذه اللعبة والانخراط فيها، ليكن لأي قوة سياسية برنامجها وأهدافها لكن من الخطر أن تسعى إلى تسويق أهدافها بواسطة هذه اللعبة بما يكتنفها من أهداف لا تبدو غامضة حينما تقف على قاعدة واحدة مع السلطة في السباق إلى التسوية.

وفي هذا السياق نجد البعض لا شغل له سوى شن الحملات على الحزب الاشتراكي والتشكيك في أي خطوة سياسية يخطوها سواء بمفرده أو مع غيره من أحزاب اللقاء المشترك دون أن يبرهن على هذا التشكيك بأي وقائع تجعل حملته على الأقل مجردة من تفاهة الخصومة والتحامل وآخر مثل على ذلك واقعة تأجيل الانتخابات النيابية التي ذرف عليها هؤلاء دموع التماسيح والحديث عن أنها احتواء للقضية الجنوبية والحراك السياسي، هل بعد هذا شيء يمكن أن نفسر به هذا الموقف وأمثاله أكثر من أنه تحامل يصب في نفس مجرى اللعبة التي تديرها السلطة وبعض القوى السياسية الأخرى ضد الحزب الاشتراكي.

نحن نعرف أن الذين يتباكون على تلك الانتخابات هم ممن كانوا على موعد بالترشيح والوصول إلى البرلمان كبديل لأحزاب اللقاء المشترك في صفقة مشبوهة مع السلطة، وهم أيضاً من بعض الأحزاب والجماعات التي لم تتورع في عقد صفقات لتحل محل أحزاب اللقاء المشترك بغض النظر عن طبيعة الانتخابات التي قبلت المشاركة فيها رامية عرض الحائط بما يدعيه أعضاؤها ممن ينتسبون إلى الحراك عن أن الانتخابات لا تعني الحراك، ولم تفشل هذه الصفقات إلا عندما تضخمت مطالبها خارج وزنها الحقيقي ورفضت من قبل الحزب الحاكم وعاد أعضاؤها بعد ذلك يتحدثون عن أن التأجيل يحتوي الحراك في الجنوب.. هل الحراك في الجنوب في نظر هؤلاء مجرد حالة عارضة مرهونة بالموقف السياسي لأي طرف أو أطراف في العملية السياسية؟!.

من المؤسف حقاً أن يذهب تفكير هؤلاء إلى المستوى الذي يجعل معارضتهم للحزب الاشتراكي حالة مرضية، وإلا كيف يمكن أن يكون تأجيل الانتخابات احتواء للحراك الجنوبي كما يزعمون؟!.. أليس هؤلاء الذين ينظرون لمسألة تأجيل الانتخابات بأنها لا تعنيهم، فكيف توصلوا إلى أن تأجيلها يضر بالحراك؟!.

إن العمل السياسي عندما ينحدر إلى هذا المستوى عند البعض فلا بد أن نبحث عن الدوافع الحقيقية وراء ذلك، والواقع الحقيقي يجب البحث عنها في أسباب رفض الحوار والاكتفاء بإظهار الخصومة كحالة متجسدة في رفض كل ما يأتي من الآخر.

إن تأجيل الانتخابات هو تحصيل حاصل لا يحتمل أي تفسير سوى أن أطراف الحياة السياسية لم يكونوا جاهزين لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تعبر عن إرادة الشعب وتصبح خطوة لا غنى عنها باتجاه حل الأزمة الوطنية، وإن إصرار طرف معين على إجرائها كان يعني أحد أمرين: إما إدخال البلد في مواجهات لا أحد يستطيع أن يتنبأ بنتائجها، أو أنها تتم وتفرض شروطاً أكثر سوءاً للعمل السياسي والنضال السلمي الديمقراطي، وتأجيلها يعني توفير مزيد من فرص الحوار لكل أطراف الحياة السياسية وهذا ما نصت عليه بنود الاتفاق بشأن تطوير النظام السياسي وغيره من عناصر الإصلاح الأخرى، ليس فيها صفقات أخرى، كل ما ورد في بنوده الثلاثة والخاضعة كلها للحوار اللاحق هي إطار عام لهذا الحوار.

هؤلاء الذين يتحدثون عن صفقات هم يعرفون من هم أصحاب الصفقات، ولو أن الحزب الاشتراكي من أصحاب الصفقات لما وصل حاله إلى ما وصل إليه، لا زال في نظرهم متهماً حتى وهو يكابد المطاردة والحصار ويستنكفون من الحديث عن عودة مقراته وممتلكاته، مع العلم أن المطالبة باستعادة حقه واجب وليس فيها ما يعيب، وهو رفض وما زال يرفض أن تكون جزءاً في أي تسوية سياسية.. فلماذا كل هذا التضليل الذي يمارسه البعض في حين أنهم يعرفون من هم أصحاب الصفقات الذين لم يتورعوا أن يستعيدوا ممتلكاتهم في صلب التسويات السياسية التي أقاموها مع السلطة سواء كأحزاب أو كأفراد.

نقول لهؤلاء الذين يريدون أن يضعوا من أنفسهم أوصياء على الحزب الاشتراكي وعلى نضاله السياسي أن يكفوا عن هذه اللعبة، فقد مارستها قبلهم السلطة الحاكمة وفشلت، وإذا كان البعض منهم اليوم يقوم بدور الوكيل ولكن تحت عناوين مختلفة فنقول لهم العبوا بعيداً عن ساحة الاشتراكي.

والحزب الاشتراكي ليس حزب نخبة ولا هو حزب عائلة، لا أحد فيه يتمسك بموقفه لأي سبب، ولا يأتي إلى قيادته إلا من لديه الاستعداد للتضحية، وهي أي القيادة مفتوحة أمام كل من لديه هذا الاستعداد، ولذلك لم ولن تكون القيادة محط ابتزاز من أحد، فلا يخضع للابتزاز إلا أولئك الذين يخافون على مصالح استثنائية.

إن المفارقة التي تبعث على الحيرة هي أن يستفز بعض هؤلاء من الحضور المكثف لمناضلي الحزب الاشتراكي في الحراك السياسي على الرغم من أن هؤلاء المناضلين هم الذين يطاردون ويقتلون ويسجنون ويحاكمون، لماذا كل هذا البؤس في التفكير والممارسة؟.

سنترك ذلك للأيام القادمة أن ترد عليه، وسنكتفي الآن بالدعوة إلى إعادة الحيوية إلى جوهر فكرة التصالح والتسامح التي كانت إحدى العلامات البارزة في هذا الحراك السلمي والديمقراطي الذي أحيا الأمل في النفوس المطحونة والمقهورة بإمكانية مقاومة التهميش لهذا الجنوب ليستعيد شخصيته ومكانته في المعادل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي كشريك كامل الشراكة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعيد المضمون الثوري لفكرة الشراكة الوطنية بروح ثورتي سبتمبر وأكتوبر ووحدة 22 مايو السلمية على صعيد اليمن كله.

إن مسؤولية الحراك هي إيصال القضية الجنوبية إلى الوضع الذي تصبح فيه مشروعاً سياسياً نهضوياً لكل اليمن كما كانت عدن وكان الجنوب ذلك المشروع السياسي التحديثي لليمن فيما لو أن القوى الحاملة لهذا المشروع يومذاك أصغت لبعضها البعض وتناغمت وأدركت جوهر وظيفتها التاريخية في إنتاج الفكرة وتحقيقها في الواقع العملي.

اليوم لا نريد التاريخ أن يكرر نفسه مرة أخرى، على القوى التي تضعها الحياة في صدارة الموقف أن تعي درس التاريخ جيداً وسيكون لزاماً عليها ترتيب أوراقها بحكمة من استفاد من تجربة التاريخ، وعلى الرغم من أن البعض لا زالوا يفكرون بعقلية المنتقم من التاريخ ويتحركون على الأرض بدوافع وأدوات المنتقم، إلا أن التاريخ في الحقيقة لا يلقي بالاً لمثل هؤلاء في كل التجارب الإنسانية، ينظر إليهم بأنهم مجرد حمقى يتحركون مثل الهوام على هامشه ولا يسمح لهم أن يلجوا إلى داخله، إن التاريخ هو ذلك الكائن الحي الذي لا يتفاعل ولا يلقي بالاً إلا لمن يملك إرادة تغيير مجراه، وهؤلاء لا يغرقون في إنتاج أدوات الانتقام من التاريخ وإنما يتفرغون لإنتاج أدوات التغيير، وفارق كبير بين من يمارس نضاله بأدوات الانتقام من التاريخ ومن يمارس نضاله بأدوات تغيير مجرى التاريخ.

ما نريده اليوم هو إنتاج أدوات التغيير وما يرتبط بها من سلوك وثقافة وأساليب كفاحية وعلاقات إنسانية.

القراءة الواقعية لما نحن عليه، أي لكل من يعمل في ساحة العمل السياسي، تبدأ من هذه النقطة والإجابة عليها بعيداً عن المراوغة لنكتشف طبيعة الأدوات التي نتسلح بها في نضالنا السياسي ونحدد موقفنا في التاريخ وموقفنا منه.

الأخوات..الإخوة أعضاء اللجنة المركزية..الحاضرون:

لقد حقق حزبنا في نضاله السياسي خلال الفترة الماضية بين الدورتين نجاحات لا يستهان بها على الرغم من ظروف الحصار والصعوبات بسبب ما يمارسه الكثيرون من عبث داخل الحزب بتوظيف معاناة أعضاء الحزب وأنصاره كنتاج للاضطهاد والظلم الذي تعرضوا له منذ حرب 1994 حيث وجد هؤلاء العابثون فرصة لجر الحزب إلى خارج مشروعه الوطني ليسهل بعد ذلك إدانته وتصفيته. لقد تنبه أعضاء حزبنا إلى هذه اللعبة وواصلوا نضالهم السياسي بروح أكدت على التمسك بخطه السياسي الذي أقره المؤتمر الخامس وهو ما جعل حزبنا يتفوق على ظروف الحصار ويهزم تلك الصعوبات، وجاء تأجيل الانتخابات كنتيجة للموقف الحاسم لحزبنا واللقاء المشترك وغيرهما من القوى السياسية والاجتماعية على أن الانتخابات هي طريقة للتغيير ولابد أن تعاد صياغتها على هذا الأساس. وفي هذه الأجواء يجب أن نتجه إلى التحضير للمؤتمر السادس للحزب كمحطة هامة على طريق مواصلة بناء حزبنا ليتمكن من مواصلة النضال لإنجاز مهماته الوطنية، ولن يلتفت إلى من يضعون العصي في الدولاب لإعاقة حركته، سنسير نحو المؤتمر وعلى هذه الدورة أن تنجز الترتيبات الخاصة بما في ذلك تشكيل اللجنة التحضيرية وغيرها من الترتيبات المتعلقة بالحوار.

وفي نشاطه هذا، سيواصل حزبنا دعم الحريات والنضال من أجلها مع كل القوى الداعمة لانتصار الحرية والديمقراطية وسيقف إلى جانب نضال أصحاب الرأي وحرية الصحافة، وفي هذا الصدد يعلن تضامنه مع صحيفة «الأيام» التي تتعرض للمحاكمات بسبب تبنيها قضايا الناس والوطن وكذا مع بقية الصحف إعلاء للحرية والمسؤولية».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى