حول القضية الجنوبية: بين الهمجية ومكر الحزبية

> علي هيثم الغريب:

> بعد أن استمعت إلى كلمة د.ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني التي ألقاها في افتتاحية الدورة السابعة للجنة المركزية للحزب الاشتراكي التي بدأت أعمالها يوم 4 مارس 2009م في عدن، أصبت بخيبة أمل كبيرة.

حيث ظهر من خلال كلمته وكأن المسألة تبار بين الحزب الاشتراكي والحراك الجنوبي وقضيته العادلة.. وعندما قلب التاريخ أظهر وكأن صفحاته كلها صافية ولخص تاريخ الجنوب بتاريخ الحزب الاشتراكي.

وهنا وقبل أن أبدأ فليعذرني د. ياسين إن كنت قد استعجلت في تلبية طلبه بالحوار الذي ذكره في كلمته .. ثم إن هذا الرد/ الحوار ليس موجهاً ضد شخص ياسين كإنسان يجمع بين أمارتين بارزتين من أمارات الصدق والأصالة في الفكر والسلوك : اعتزازه من جهة بالحزب الاشتراكي وبعراقته وشعوره الوطني الصادق بالحاجة إلى ولادة جديدة في مسيرة العمل الوطني، وكأنه من فرط غيرته على شعبه وتقديره لتضحياته، يعتبر أن الدولة التي كان يجب أن تقود الوحدة اليمنية، تكاد لاتكون قد ولدت بعد، فهذا الإحساس كان دائماً رفيق د.ياسين، كما هو رفيق جميع الشرفاء في اليمن شماله وجنوبه.. والكل يعرف د. ياسين وتواضعه أمام تاريخ شعبه وحجم قضيته، فكان تواضعه هذا سر صلته بالصغير والكبير.. ولكن عندما تطرق في كلمته إلى القضية الجنوبية مع الأسف لم يعرف ما للجنوب وما لغيره، ولم يوضح ما على الاشتراكي كواجب أخلاقي تجاه الكارثة التي يعيشها الجنوب وما على الجنوبيين .

فكان منغلقاً في نظرته للحراك الجنوبي، وحاول أن يبرئ الاشتراكي من جريمة صمته بل و«نكثه» على استغاثات الجنوبيين، واليوم يلوم الحراك الجنوبي لأنه كون وعاءه النضالي من ذات نفسه .. مع أنه ليس سراً على أحد أن الاشتراكيين الجنوبيين كانوا من ضمن المؤسسين للنضال الجنوبي السلمي ومن مؤسسي مجالس التنسيق فيه.

وهنا أقول للدكتور ياسين إن تجربة الحراك الجنوبي مع أحزاب المشترك لم تعبر عن اتجاهاتنا السياسية .. لقد تولدت لدينا من خلال التجربة قناعات بأن العمل الحزبي لن يقدم شيئاً للقضية الجنوبية، ووجد الحزبيون أنفسهم أن الاستمرار في هذا الطريق سيدخلهم في متاهات واسعة لايستطيعون الخروج منها، لذلك أدركوا أنه لابد من الانضمام للحراك الجنوبي.. فبدأ أبناء الجنوب عبر شرائحه الاجتماعية وتكويناته المجتمعية وأحزابه (فروعها) يختارون وسائلهم النضالية السلمية بصورة مشتركة.. وهنا شعر الاشتراكي أن الأمور بدأت تفلت من يديه .. فحرك البعض لاحتواء الحراك الجنوبي.. فلماذا هذا كله؟ لانعلم لماذا ؟.. وأذكر أنه عندما رفع الدكتور مسدوس شعار إصلاح مسار الوحدة داخل الحزب الاشتراكي طالب الأغلبية بشدة بإسكات هذا الصوت حتى لا يعطوا السلطة ذريعة لضرب الاشتراكي، ولا أجد أدل من الحديث الصريح والواضح، فنحن جزء من الشعب العربي كله ونعرف جيداً انتماءنا اليمني ونعرف هويتنا الجنوبية.

إن أبعاد مشاركة آبائنا في ثورة سبتمبر مع إخوانهم في الشمال تعطي دلالة كبيرة على عروبتنا وليس على يمنيتنا فقط، ولكن يجب ألا تكون مشاركتنا في ثورة سبتمبر مبررا لضم الجنوب بالقوة .. والحق أننا كجزء رئيس من هذا الشعب وتاريخه، ولكن ذاكرة السلطة نسيت ونلتمس لهم الأعذار، فمنذ 94م وهي مشغولة بخطط نهب أملاك الجنوبيين و ليس ببناء دولة للوحدة، فنحن شعب ممتد الجذور في التاريخ وجدة رسول الله [ منا ونعتز بانتمائنا إلى أمة عظيمة هي الأمة العربية والإسلامية، والمطلوب ببساطة إعطاءنا حقنا، وكان الواجب على الاشتراكي أن يقنع المشترك بالكف عن مواقفه المجافية للحقيقة، فالموقف الذي اتخذه المشترك طيلة الحراك الجنوبي سبة في التاريخ الوطني لتلك الأحزاب، فهو ينكر على أبناء الجنوب حقوقهم السياسية، غير آبه بمشاعرهم ولا حتى بمصالحه.. وإن تحدث فهو يتحدث من باب التعاطف والاستفادة ليس إلا، فما الذي ينبغي عمله لكي يعيد المشترك النظر في موقفه من قضيتنا الجنوبية العادلة؟

ومجمل القول إن الحراك الجنوبي قد أعطى الكثير للمشترك لكي يتحاور مع السلطة السياسية، وأشعر الإنسان في الشمال بمعنى قول الصدق والكبرياء والكرامة .. والحق أنني أقبل كمواطن جنوبي النقد لبعض مسار الحراك الجنوبي، وتلك الهالة التي يطلقها البعض على ذاتهم، لكنني أجد في الوقت نفسه أن النقد منصرف على الحراك الجنوبي بعينه، وأحذر من الوقوع في محظور التركيز على جزئية من الصورة دون الصورة كلها.. وقادماً سوف يكون مسار الحراك الجنوبي السلمي الصحيح دوماً بالتفاف المجتمع حوله.

ويبقى إذن الحديث عن مبادرات المشترك لمعالجة القضية الجنوبية التي لا أرى موقعاً لها في المستقبل، فضمن توقعاتي أن السلطة ستلجأ إلى القمع والتطرف ضد أبناء الجنوب، والمشترك سيلجأ إلى التمييع، ونحن لابد لنا أن نضغط أو ننصح المشترك بتغيير موقفه الذي يبدأ بكلمة واحدة لو سمعناها فإن جديداً سوف يحدث، وهذه الكلمة هي أن «أرض الجنوب ملك أهلها الأصليين» .. وأي حديث آخر هو ضياع ودخول في متاهات لاتنتهي.

إن الشعور بغياب الوحدة السياسية بين الشمال والجنوب يهدد الوحدة ذاتها.. وهناك العديد من الأزمات تواجهنا اليوم، وتبعثر جهود الشرفاء وتجزئ قوتنا وتترك الشمال والجنوب نهباً للأجنبي.. كل هذه تمنع قيام الوحدة، لأنه كيف يمكن أن نتوحد ونحن ممزقون؟.

ود.ياسين يعرف جيداً موقف الحزب الاشتراكي -كحزب وليس كأفراد- إزاء المظالم التي شهدها الجنوب بعد حرب 94م وكيف اتخذ منحى مخالفاً تماماً لمنحى الاتفاقيات السابقة التي وقعت قبل عام 90م .. ليس من واجبي أن أشرح هذا المنحى، فالاشتراكيون يعرفونه، إنما يكفي أن أقول إن موقف الاشتراكي في الحرب كان موقفاً مؤيداً بشكل مطلق متجاهلاً حقيقة وجود شعب الجنوب الذي يمتلك حقوقاً ثابتة مشروعة على أرضه لامجال للخلاف حولها في المنظورين القانوني والديني، فاتخذ الاشتراكي - بعد حرب 94م - نهجاً يحاول أن يحافظ على مصالحه وعلى الوحدة على الرغم من الحرب الظالمة في وقت واحد.

واتخذ الاشتراكي أيضاً سياسات قائمة على تجاهل حقائق قائمة على الواقع الجنوبي أهمها احتقارالإنسان وطرده من وظيفته أو إرساله إلى منطقة نائية ونهب المساكن والمزارع والأراضي والثروات وغير ذلك، ولم نلمس أن الاشتراكي كحزب كان حاكماً للجنوب التفت إلى صرخات الجنوبيين أو إلى مناشداتهم، بل على العكس رأيناه من خلال مبدأ (هزيمة الجنوب) قد اعتبر أن الهيمنة على أرضه وثرواته ومقدراته مسألة مفروغاً منها، وإذا كانت الحرب قد نجحت في إقصاء الاشتراكي من الحكم فإن الجنوب باقٍ بالوجود.

قال د.ياسين في كلمته: «نحن نحترم الاختلاف لكننا في نفس الوقت نطلب مبادلة الاحترام»، وتلطفاً بالدكتور ياسين لن أنقل له مايقال من قبل قيادات اشتراكية من خلال كتاباتهم في صحيفة «الثوري» وصحف أخرى، ولكنني سأنقل له آخر صرخة ضد الحراك الجنوبي التي أطلقها الأخ علي الصراري عضو المكتب السياسي في «الثوري» العدد (2038)، حيث قال الصراري: «إن هؤلاء لا تعني لهم القضية الجنوبية إلا بقدر ماتكون ورقة بأيديهم لتحسين أحوالهم الشخصية على صورة مكاسب وظيفية ومادية، وقد تبين أن اعتذارات بعض المتشددين قد نقلتهم من ظلمات السجن إلى بريق العمل في السلك الدبلوماسي» ، ويقصد بذلك أحد رموز الحراك الجنوبي الذي ذهب للخارج لعلاج ولده المصاب بثقب بالقلب، ونحن لم نرد على الصراري، لأنه لايعنينا وإن كلامه هذا ضد أبناء الجنوب ليس جديداً.

إذن من يطلب مبادلة الاحترام نحن أم الاشتراكي؟! ونحن نعلم جيداً أن هناك من داخل الاشتراكي من يريد أن يقول للسلطة إنه مستعد لشق الصف الجنوبي الذي ظهر موحداً وذلك من داخل الاشتراكي أولاً حتى لايكون للجنوبيين أي رأي موحد. والأخ الصراري كان يعرف أن الحزب الاشتراكي كان بعد الحرب يمتلك ورقة التوقيع على إعلان الوحدة، وورقة التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق وورقة التوقيع على قراري الأمم المتحدة رقم 931،924 لسنة 1994م، ولكن مع الأسف كان الاشتراكي يعتبر هذه الأوراق جنوبية بامتياز، وهو قد حقق مآربه ولم يعد يمثل الجنوب بشيء، فأخرج الصراري ورفاقه ورقة بديلة تعترف بأن الحرب حافظت على الوحدة وتدعو الاشتراكيين إلى دخول الانتخابات وكسر شوكة المتبقين من الاشتراكيين الجنوبيين الرافضين نتائج الحرب والداعين لإصلاح مسار الوحدة.

هكذا دفن الاشتراكي الأوراق المرتبطة بالقضية الجنوبية، بل وشنت حملة أبسط مايقال عنها أنها حملة (رخيصة) ضد د.مسدوس وآخرين، ولم يسبق أن تزاوج مصير الاشتراكي مع مصير من شنوا الحرب على الجنوب والاستيلاء عليه كما هو عليه الحال الآن. ورغم كل ذلك فنحن نتمنى للاشتراكي أن تتاح له مع المشترك فرصة صياغة مخارج عملية لقضايا الوطن الجوهرية، خاصة وأن الأيام المقبلة ستكشف عن مأساة جديدة تضاف إلى المآسي السابقة ممكن أن تصل بسبب التمزق بين الاشتراكي والحراك الجنوبي السلمي إلى حد التخلص من أطروحات الحراك ومكوناته السياسية.

وأمام هذه الحقائق على الاشتراكي ألا يتنكر للقضية الجنوبية ورموزها من الاشتراكيين وغيرهم، كما يعمل الآن حتى لايختزل نضاله السياسي على الساحة الشمالية فقط إن كان له وجود فيها، ولهذا نكرر أن الحراك الجنوبي السلمي الذي انطلق من الشارع ورفض الاشتراكي الاعتراف به أو بالاشتراكيين المشاركين فيه ليس موجهاً ضد الاشتراكي أو المشترك .. إن الحراك الجنوبي السلمي فوق كل اعتبار حزبي وفوق كل مصلحة شخصية.

لقد توهم المشترك أن الغرض من تكوين وعاء حضاري وتاريخي للحراك الجنوبي الانفصال عنه، وهو أمر بعيد عن الصحة فإن أبناء الجنوب لايريدون إلا إيجاد من يوجههم نحو مصالحهم التي ترجى منها وحدة الحراك الجنوبي والنجاح لنا وللوطن، ولو كانت الأحزاب تبنت القضية الجنوبية لكان موقفنا معها، وقلنا إن الحراك الجنوبي لايريد إخراج الحزبيين من تكويناته، ونزيد على ذلك أنه لايميل لحزب منه دون الآخر، ولاينصر حزباً على حزب، وإنما هو يريد كل من ينصر قضيته العادلة، والحزب الذي يقوم بهذا الدور هو للحراك كأحد مكوناته والحراك له.

أما إذا أبت الأحزاب إلا رفض أهداف الحراك الجنوبي، فأبناء الجنوب معذورون إذا هم ترددوا قبل أن يلقوا بأنفسهم معها في الهوة، ومعنى ذلك أننا نريد مكوناً غير حزبي، مكوناً يتساوى فيه جميع الجنوبيين حزبيين وغير حزبيين، فلا يستأثر حزب ولا منطقة ولا قبيلة بحق من الحقوق ولا تحرم حقاً من الحقوق، بل ونؤكد على ضرورة توثيق عرى العمل المشترك بين الأحزاب والحراك الجنوبي، وعلى وجوب تحقيق الوعود التي قطعها المشترك على نفسه باعتبار القضية الجنوبية مفتاح الحل لقضايا اليمن، والاشتراكي يعرف أنه على الرغم من قراره بشأن القضية الجنوبية إلا أن المسؤولين عن تنفيذ قراراته داخله أخذوا يماطلون حتى تحرك الشارع الجنوبي فدخله الاشتراكيون الجنوبيون عندها تعطل هذا القرار لأن المطالب تجددت وأصبح حبراً على ورق.

وعندما قامت السلطة الأمنية القمعية بالاقتصاص من الحراك السلمي في أبريل 2008م محاولة بذلك إنهاء الحراك بالقوة المسلحة وإخضاع الجنوب لسلطتها المطلقة، كان لابد للاشتراكيين والإصلاحيين والناصريين والرابطيين الجنوبيين أمام هذا الإرهاب اختيار أحد الطريقين: فإما انتظار قرار أحزابهم وهذا يعني السكوت والخضوع، وإما الانضمام إلى أهلهم فاختاروا أهلهم كما كل مرة، والحياة السياسية جعلتهم يدركون جيداً أنهم إذا ظلوا أوفياء لأحزابهم، فلن يصيبهم أي نجاح سواء انتصرت أحزابهم سلمياً ووصلت إلى اتفاق مع السلطة (طبعاً من المستحيل أن تحقق انتصاراً غير هذا) أم خسرت.

ففي الحالة الأولى سيعني الانتصار بقاء قرار الأحزاب المركزي في قبضة المعارضة في الشمال، وفي الحالة الثانية فإن انكسار المشترك وانتصار السلطة عليه بالقوة أو عبر صناديق الاقتراع سيعني معاملة الحزبيين الجنوبيين مجرد حلفاء، إذن لايوجد حل سوى مايقرره الواقع، وهذا ما أكد عليه د.ياسين في كلمته ، عندما قال: «لقد قال حزبنا منذ اليوم الأول كلمته بشأن الحراك السياسي - يقصد الحراك الجنوبي السلمي- بأنه تفاعل شعبي سياسي واجتماعي تبلور على قاعدة الدفاع عن قضية عادلة وأنه يجب أن يتحرر من الوصاية».

وكان يجب على د.ياسين باعتباره زعيماً حقاً للمعارضة (لا زعيم ضرورة) أن يعرف أن اتفاقية المشترك مع السلطة بشأن الانتخابات سواء التمديد أو التأجيل قد أعطت للنظام حق سلب الجنوب وأن نتائج الحرب شرعية، وهذا يتنافى مع موقف المشترك بشأن القضية الجنوبية، فهل حل القضية الجنوبية يأتي من خلال التعديلات الدستورية أو الانتخابات أو تأجيلها؟!.. وأرى أنه قد صار المشترك أمام القضية الجنوبية وجهاً لوجه.

وحول الماضي الجنوبي قال د.ياسين: «إن ما أضر بهذا الحزب ونضاله، هي التكتلات الضيقة والتعبئة الخاطئة بهدف توفير مناخات التسوية على نفس القاعدة التي قبلت بها القوى التقليدية التسوية مع نظام صنعاء في السبعينات، والتي جاءت على حساب مضامين وجوهر النظام الجمهوري»، وهذا القول مردود على الحزب الاشتراكي نفسه، فكيف يهرب من قوى تقليدية كان يجب أن يعمل معها مصالحة في الجنوب وهو حاكم إلى قوى تقليدية في الشمال هي الحاكمة فعلاً ؟! كيف يرفض مشايخ وسلاطين وتجارا وعلماء دين متنورين وقوى مدنية وسياسية وحزبية تضررت من حكمه للجنوب طوال 25 عاما، ويسلم الوطن الجنوبي بالكامل لقوى تقليدية قبلية في الشمال؟.. واليوم يشكو أن هناك قوى تقليدية في الجنوب متفقة مع السلطة لضربه، فلماذا يقبل الاشتراكي قوى تقليدية ويرفض أخرى؟

ويضيف د.ياسين :«وكذلك لاغرابة أن نراها- يقصد القوى التقليدية الجنوبية- تتجه اليوم بخفة إلى المفاصل التاريخية لتجربة الجنوب بدءا من الاستقلال وشرعية توحيد الجنوب في مشهد عبثي لايخلو من تحريض مغامر لقلب الوقائع التاريخية»، وهنا أسأل الدكتور أين الاستقلال؟ وأين الوطن الذي نتحدث عنه حتى نقول إن القوى التقليدية تعمل ضد الاشتراكي في الجنوب؟ فهذا واقع أرجو أن يجيبني د.ياسين عنه بحق الذمة والشرف، فهل أبقى الاشتراكي شيئا من دولة الجنوب غير نزعها بالكامل وتسليمها لدولة الشمال؟.. سلب ثروات وإفقار شعب .. نهب أملاك وتسليمها لملاك جدد؟.. قتل الناس بدم بارد؟

وبعد كل هذه الأعمال هل يعقل أن يأتي الاشتراكي ليزن وطنية الجنوبيين وإخلاصهم؟ ، وهل وطنية الجنوب لاتقاس إلا بمدى إخلاصه للاشتراكي؟، وهل قام الاشتراكي بعد حرب 94م بأي واجب إنساني بسيط تجاه الجنوب بعد أن سلم الوطن للقوى التقليدية القبلية وجعل الجنوبي يمشي إلى صنعاء على أربع؟!

وهنا ينعقد لساني وأترك للدكتور ياسين وحزبه الحكم على مروءة الاشتراكي، فعزاؤنا جميعاً وإن أجركم عند الله وحده.

أما بشأن (شرعية توحيد الجنوب) التي تحسب كحسنة كبيرة للاشتراكي.. نقول نعم إن الاشتراكي عمل ذلك، ولكنه لم يوحد سلطنات ومشيخات وإمارات همجية ومتخلفة أو معزولة عن العالم، بل إن تلك السلطنات كان لها تاريخ حضاري عريق وامتداد أسري خير، فجدة رسول الله [ أم عبد مناف من حضرموت وهي (حبي بنت خليل بن كعب بن عمرو بن ربيعة)، وكذلك كانت أم عبدالمطلب وهي (سلمى بنت عمرو بن عامر) (يمانيون في موكب الرسول [ محمد حسين الفرح صـ375)، وهي امتداد لحضارات الأحقاف (حضرموت) وقتبان وأوسان وحمير، وعندما جاء الاشتراكي كانت تلك السلطنات مدنية ومتحضرة، وكانت تمتلك تشريعات ودساتير وقوانين وإدارة حديثة، وتعليما متقدما.. كان السلطان القعيطي يتكلم أربع لغات وسلطان لحج علي بن فضل الذي طردته بريطانيا إلى إيطاليا كان لغويا وأديبا وسياسيا وكانت سلطنتا العوالق (العليا والسفلى) وسلطنة الفضلي وسلطنتا يافع (العليا والسفلى) تمتلك من أفرادها من هم قادة جيش وأمن ووزارة، وكانوا أصحاب فكر ودين ومدنية .. أما عن سلطنة المهرة وسقطرى فلها تاريخ في مواجهة بريطانيا من يوم دخولها إلى خروجها .. وهذه الوحدات الجنوبية اختلطت بالحكم والحياة وشكل سكانها عنصرا واحدا ذا تاريخ واحد ومذهب واحد، ومن جهة أن الاشتراكي وحّدها فهذه مسألة لادخل لها في الوحدة الطبيعية التي كانت تعيشها.

واسمحوا لي أن أقول إن حال تلك التكوينات الجنوبية العميقة في التاريخ ليست مما ينطبق عليه هذا القول (توحيد الجنوب)، نعم قد لاننسى ماتجلى في عهد الاشتراكي من أمن وتوفير الخبز والدواء وتعليم مجاني لكل الناس.. لكنه مع الأسف سلم كل تلك الحضارة التي كان يتباهى بها لقوى تقليدية قبلية بعد أن فقد هو نفسه أمانه.

ولولا نهوض أبناء الجنوب وإرساء مبدأ التصالح والتسامح الذي أصبح درسا وطنيا خالدا يمجد به الناس تاريخهم وذكراهم ونضجهم السياسي وأهليتهم للعدالة والعيش الشريف لأصبحنا متسولين خارج وطننا، وهذا أقل مظهر نعرفه من مظاهر الإعراب عن رأي شعب في مصيره .أما بشأن الانتخابات وبعد أن أنعمت السلطة على المشترك بتأجيلها فقد تبارت الأقلام على صدر الصحف الصادرة في صنعاء لشتم موقف الحراك الجنوبي ومكوناته التي أصدرت بيانا تستنكر عملية تأجيل الانتخابات، فقالت تلك الأقلام (كيف يرفضون الانتخابات ويزعلون إذا ما أجلت؟)، ونقول نعم فنحن نرفض الانتخابات، ولكن تأجيلها كان مخيبا للآمال، لأننا كنا نريد أن نظهر للكل كيف فشلت الانتخابات في الجنوب من خلال الرفض (المقاطعة) وليس من خلال الصندوق الذي لم يكن يوما ما نزيها، والحراك الجنوبي رفضها ولم يطالب بتأجيلها .. و«الهجمة» العلنية لاقتناص مواقف الحراك الجنوبي ومحاولة تشويهه تعد استكمالاً لمخطط حرب 94م .

حيث تظهر بعض تلك الصحف وبعض الأقلام نفسها وكأنها إلى جانب القضية الجنوبية العادلة وتتناوب في التباكي على حالنا من دون أن تحدد مصادر الخطر الحقيقي على الوحدة اليمنية، ويستكثرون علينا مكونات الحراك الجنوبي الثلاثة التي تربطها مرجعية سياسية موحدة، وينسون أنهم مقسمون بين أكثر من اثنين وعشرين حزبا، أغلب تلك الأحزاب تابعة لأفراد .. ولم تتفق تلك الأحزاب فيما بينها في معالجة القضية الجنوبية.

وكنا على أمل أن يقبل اللقاء التشاوري في صنعاء رسالة الأستاذ حيدر العطاس، التي جاءت حسب طلب اللجنة المنظمة للقاء والتي أثبت فيها تفصيل ماكان ومايجب أن يكون .. ونتمنى أن يكون هذا الرفض رفضا ابتدائيا لايلبث أن يتغير تحت رغبة الحوار، الذي لا نزاع فيه أن هذه المواقف التي ذكرتها أعلاه تلتقي مع كلمة د.ياسين سعيد نعمان، وبنفس الغلو والتخوف والاصطفاف.

والله من وراء القصد .

عدن 2009/3/7

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى