محاضرة مركز (منارات) حول «هجرة العقول العربية ومسلسل النزيف .. الخطر القادم»:هجرة العقول العربية تكلف الدول العربية خسائر لا تقل عن 200 مليار دولار 34 % من الأطباء الأكفاء في بريطانيا هم من العرب

> صنعاء «الأيام» بشرى العامري :

>
أوضح الدكتور حميد صغير الريمي نائب عميد كلية العلوم وهندسة الحاسوب بجامعة الحديدة أن هجرة ‏ ‏العقول العربية من ذوي الكفاءات والخبرات العالية تكلف الدول العربية خسائر لا تقل عن 200 مليار دولار.

وتعد‏ ‏الدول الغربية الرأسمالية الرابح الأكبر من هجرة ما لا يقل عن 450 ألفا من ‏ ‏هذه العقول.. مبينا في محاضرته المعنونة بـ (هجرة العقول العربية ومسلسل النزيف .. الخطر القادم ) التي نظمها المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل الأربعاء الماضي أن «‏المجتمعات العربية أصبحت بيئات طاردة للكفاءات العلمية العربية وليست جاذبة أو ‏ ‏حاضنة لهذه الكفاءات، الأمر الذي أدى إلى استفحال ظاهرة هجرة العقول والأدمغة ‏ ‏العلمية العربية إلى الخارج خاصة إلى بلدان الغرب».

وذكر أن 45% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى ‏ ‏بلدانهم، وأن 34% من الأطباء الأكفاء في بريطانيا هم من العرب. وأضاف: «إن ‏ ‏هناك نحو 75% من الكفاءات العلمية العربية مهاجرة بالفعل إلى ثلاث دول ‏ ‏هي أمريكا وبريطانيا وكندا، وأن الوطن العربي يساهم بـ 31% من هجرة الكفاءات من الدول النامية ‏ ‏إلى الغرب الرأسمالي بنحو 50% من الأطباء و 23% من المهندسين و15 % من العلماء النابهين من العالم الثالث بحسب الدراسة التي أعدها مؤخرا مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، وفي إحصائيات أخرى لجامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية ومنظمة اليونسكو بينت أن الوطن العربي يساهم في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية، و50 % من الأطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة يهاجرون متوجهين إلى أوروبا والولايات المتحدة، وكندا بوجه خاص، كما أن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم.

و يشكل الأطباء العرب العاملون في بريطانيا حوالي 34% من مجموع الأطباء العاملين فيها.

إن ثلاث دول غربية غنية هي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا تصطاد 75% من المهاجرين العرب، وبلغت الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة الأدمغة العربية 11 مليار دولار في عقد السبعينات. وتعتبر منظمة اليونسكو أن هجرة العقول هي نوع شاذ من أنواع التبادل العلمي بين الدول يتسم بالتدفق في اتجاه واحد (ناحية الدول المتقدمة) أو ما يعرف بالنقل العكسي للتكنولوجيا، لأن هجرة العقول هي فعلا نقل مباشر لأحد أهم عناصر الإنتاج، وهو العنصر البشري».. معتبرا أن «هجرة الكفاءات والخبرات أو ما اصطلح على تسميته (هجرة الأدمغة) أو هجرة العقول، هي واحدة من أكثر المشكلات حضوراً على قائمة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها البلدان النامية منذ أن باشرت هذه البلدان بوضع البرامج للنهوض بأوضاعها المتردية الموروثة عن حقب طويلة من الحكم الاستعماري والهيمنة الأجنبية». وموضحا أن «من أهم أسباب هجرة العلماء هو تدني مستوى الإنفاق السنوي على البحث العلمي والتقني في الوطن العربي الذي لايتجاوز 0.2% من إجمالي الموازنات العربية، في حين تبلغ في إسرائيل 2.6% في ‏ ‏الموازنة السنوية، وذلك مقارنة بما تنفقه أمريكا 3.6% والسويد 3.8% ‏وسويسرا واليابان 2.7% وفرنسا والدنمارك 2%».. مبينا أن «ضعف الاهتمام بالعلم والبحث العلمي يعد أحد العوامل المركزية ‏ في الضعف الاستراتيجي العربي في مواجهة إسرائيل وأحد الأسباب الرئيسية وراء إخفاق ‏ ‏مشاريع النهضة العربية، وتعاني مصر وغيرها من الدول العربية من آثار هذه الظاهرة، حيث يقدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن المصريين المتميزين من العقول والكفاءات التي هاجرت للخارج بـ 824 ألفاً وفقا لآخر إحصاء صدر في عام 2003 من بينهم نحو 2500 عالم وتشير الإحصاءات إلى أن مصر قدمت نحو 60% من العلماء العرب والمهندسين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأن مساهمة كل من العراق ولبنان بلغت 10% بينما كان نصيب كل من سوريا والأردن وفلسطين نحو 5%.

وتضيف الدراسة أنه في حين تخسر الدول العربية وفي مقدمتها مصر من ظاهرة هجرة العقول فإن إسرائيل المستفيد الأول من هذه الظاهرة بفعل الهجرة عالية التأهيل القادمة إليها من شرق أوروبا وروسيا وبعض الدول الغربية. وتذكر الدراسة أن مصر تعد الخاسر الأكبر من هجرة الكفاءات في الكم المطلق، ففي أميركا حوالي 318 كفاءة مصرية، و 110 في كندا، 70 في أستراليا، 35 في بريطانيا، 36 في فرنسا، 25 في ألمانيا، 14 في سويسرا، 40 في هولندا، 14 في النمسا، 90 في إيطاليا، 12 في أسبانيا وفي اليونان 60.. وتحظى الولايات المتحدة بالنصيب الأكبر من الكفاءة والعقول العربية بنسبة 39% تليها كندا 3، 13% ثم أسبانيا بنسبة 5، 1% وتتضمن هذه الأرقام العديد من الفئات في مهن وتخصصات مختلفة، وتتجلى الخطورة في أن عدداً من هؤلاء يعملون في أهم التخصصات الحرجة والاستراتيجية مثل الجراحات الدقيقة، الطب النووي، العلاج بالإشعاع، الهندسة الالكترونية والميكرو الكترونية، الهندسة النووية، علوم الليزر، تكنولوجيا الأنسجة والفيزياء النووية وعلوم الفضاء والميكروبيولوجيا والهندسة الوراثة، حتى في العلوم الإنسانية كاقتصاديات السوق والعلاقات الدولية.

ويقدر عدد من تخلف من مبعوثيها في العودة إليها منذ بداية الستينات وحتى مطلع عام 75 بحوالي 940 مبعوثا بنسبة 12% من مجموع المبعوثين خلال تلك الفترة، وتركز معظمهم في أميركا، كندا، فرنسا، بريطانيا وكانوا من المتخصصين في الهندسة والطب والأبحاث الزراعية، وخلال الفترة من 70 إلى1980 لم يعد إلى مصر سوى 70% من مبعوثيها في الولايات المتحدة».

وأشار الريمي إلى أن «أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا أو الفنيين المهرة مهاجرون ويعملون في الدول المتقدمة، بحسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في الوطن العربي للعام 2002، ليسهم وجودهم في تقدمها أكثر ويعمق رحيلهم عن الوطن العربي آثار التخلف والارتهان للخبرات الأجنبية.

كما تشير المصادر إلى أن بلدا كالعراق هاجر منه 7350 عالما في مختلف المجالات ما بين عامي 1991 - 1998 نتيجة الأوضاع التي كانت سائدة في العراق وظروف الحصار الدولي التي طالت الجوانب العلمية, ولا يوجد إحصائية دقيقة تشير إلى عدد العلماء الذين هاجروا من العراق بعد الغزو الأمريكي ولا إلى عدد العلماء الذين قتلتهم المخابرات الغربية والصهيونية».

موضحا أن «هذه الدول الحاضنة لم تتعب لتنشئة وتدريب هذه العقول ولم تتكلف عليها، فيما تحمل الوطن العربي كلفة تنشئتها وتدريبها ليذهب إنتاج هذه العقول الجاهزة مباشرة في إثراء البلدان المتقدمة ودفع مسيرة التقدم والتنمية فيها، ويخسر الوطن العربي ما أنفقه ويخسر فرص النهوض التنموي والاقتصادي التي كانت ربما ستسهم هذه العقول في إيجادها».

وتطرق الدكتور حميد إلى عدد من الأسباب الدافعة للهجرة، التي من أهمها ضعف أو انعدام القدرة على استيعاب أصحاب الكفاءات الذين يجدون أنفسهم إما عاطلين عن العمل أو لا يجدون عملاً يناسب اختصاصاتهم في بلدانهم، وضعف المردود المادي لأصحاب الكفاءات، وكذا انعدام التوازن في النظام التعليمي، أو فقدان الارتباط بين أنظمة التعليم ومشاريع التنمية، إلى جانب عدم الاستقرار السياسي أو الاجتماعي والإشكالات التي تعتري التجارب الديمقراطية العربية والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى شعور بعض أصحاب الخبرات بالغربة في أوطانهم، أو تضطرهم إلى الهجرة سعياً وراء ظروف أكثر حرية وأكثر استقراراً.

بالإضافة إلى وجود عوامل أخرى موضوعية أو ذاتية تدفع أصحاب الخبرات إلى الهجرة كالبيروقراطية الإدارية وأنظمة الخدمة المدنية وبعض التشريعات والتعهدات و الكفالات المالية التي تربك أصحاب الخبرات، إلى جانب أسباب عائلية أو شخصية فردية».

مبينا من جانب آخر الأسباب الجاذبة لهجرة هذه العقول والتي منها الريادة العلمية والتكنولوجية للبلدان الجاذبة ومناخ الاستقرار والتقدم الذي تتمتع به هذه البلدان، وتوفر الثروات المادية الضخمة التي تمكنها من توفير فرص عمل هامة و مجزية مادياً تشكل إغراءً قوياً للاختصاصين.

وكذا إتاحة الفرص لأصحاب الخبرات في مجال البحث العلمي والتجارب التي تثبت كفاءاتهم وتطورها من جهة، وتفتح أمامهم آفاقاً جديدة أوسع وأكثر عطاءً من جهة أخرى.

وأشار الريمي في محاضرته إلى أن «الجهل يعد السبب الرئيسي لما نحن فيه وتدني مستوى التعليم وضعف الوازع الديني ونسيان معظم تعاليمه واتخاذ بعضها كطقوس ومواسم تؤدى فيه بعض العبادات مثل الدين المسيحي واليهودي وحصره في مكان واحد هو المسجد».

ودعا إلى «العودة الحقيقية لتعاليم الدين الإسلامي الذي يأمرنا بالتعليم ويجعل منه فرضا مثله مثل سائر الفرائض، و استغلال مخزون الأمة من الكادر البشري، هذه الثروة التي لا تنضب بمرور الزمن.

كما أشار إلى نجاح التجربة الصينية وكذا التجربة الهندية في ذلك، «وإعادة النظر في مناهجنا التعليمية واتخاذ طرق علمية حديثة لإحداث نقلة نوعية في مناهجنا الدراسية في مراحل التعليم المختلفة, مناهج تلبي متطلبات العصر».

كما دعا إلى «ضرورة إعداد كوادر تربوية وأكاديمية مؤهلة تحمل على كاهلها مسؤولية تأهيل الكوادر في شتى المجالات، وإنشاء البنى التحتية الحديثة للبحث العلمي والعمل على زيادة الدعم المقدم لهذ المجال, حيث تشير الأبحاث إلى أن عدم توفر البنى التحتية للبحث العلمي وكذا قلة الدعم المالي للبحث العلمي هو أحد أسباب هجرة العلماء، وكذا إنشاء صندوق خاص لدعم للبحث العلمي، يشارك في تمويل هذ الصندوق المجتمع بجميع فئاته.

إلى جانب الارتقاء بمؤسساتنا الأكاديمية المتمثلة بالجامعات، لكي تؤدي الدور المعول عليها في النهضة بالأمة, و ذلك باتباع أسلوب البحث العلمي في طرق تدريسها, والابتعاد عن أسلوب التلقين, وكذا إنشاء مراكز للبحث العلمي لتقديم الحلول العلمية لمختلف القطاعات الحكومية والخاصة».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى