حقوق المتضرر من الأخطاء الطبية في اليمن بين تدني وعي الناس وقصور التشريعات

> «الأيام» د.علـي محمـد الأكحلي:

> لفت نظري مؤخراً خبر نشرته بعض الصحف اليمنية حول إحالة أحد المواطنين شكوى إلى مجلس النواب حول خطأ طبي وقع على زوجته وأصابها بعاهة مستديمة، ويطلب تعويضه بكافة المصاريف التي خسرها لإصلاح الخطأ.

وقد أحال المجلس شكواه إلى لجنة الصحة والسكان بالمجلس والذي أوصت بتعويض الشاكي بكافة المصاريف التي تقدم بها في شكواه. وقد كان من المفترض على اللجنة إحالة الشاكي إلى الجهات المختصة، وأسهلها القضاء، بدلاً من الاجتهاد في موضوع يترتب عليه الحصول على تقارير خبراء يتم اختيارهم من قبل القضاء أو المجلس الطبي وليس من قبل لجنة مجلس النواب.

وسأقوم هنا- وبإيجاز- بتوضيح ما هو المطلوب عمله في حالة حدوث خطأ طبي، خصوصاً وأن ظاهرة الأخطاء الطبية قد زادت في اليمن في الآونة الأخيرة بحسب ما تنشره الصحف والمجلات اليمنية.

مفهوم الخطأ الطبي

يعرف الخطأ الطبي بأنه «انحراف الطبيب عن السلوك الطبي العادي والمألوف، وما يقتضيه من يقظةٍ وتبصّر إلى درجة يُهمل معها الاهتمام بمريضه»، كما يعرفه البعض بأنه «إخلال الطبيب بالواجبات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته»، وهو ما يسمى بالالتزام التعاقدي. ويتبيّن لنا من خلال التعريفين السابقين أن الخطأ الطبي يقوم على توافر مجموعة من العناصر، تتمثل بعدم مراعاة الأصول والقواعد العلمية المتعارف عليها في علم الطب، والإخلال بواجبات الحيطة والحذر، وإغفال بذل العناية التي كان باستطاعة الطبيب فعلها، إلى جانب مدى توافر الرابطة أو العلاقة النفسية بين إرادة الطبيب والنتيجة الخاطئة.

يُجمع معظم الفقهاء القانونيين على وجود نوعين من الأخطاء الطبية:

الخطأ الفني، وهو الخطأ الذي يصدر عن الطبيب، ويتعلّق بأعمال مهنته، ويتوجّب لإثبات مسؤوليته عنه أن يكون الخطأ جسيماً، ومن الأمثلة على ذلك هو تجاهل ما تظهره التحاليل الطبية والأشعة...إلخ، أوالخطأ في نقل الدم، أو سوء استخدام الآلات والأجهزة الطبية، وإحداث عاهة للمريض، فضلاً عن التسبّب في تلف عضو، أو تفاقم علّة.

الخطأ العادي، ومردّه إلى الإخلال بواجبات الحيطة والحذر العامة التي ينبغي أن يلتزم بها الطبيب في نطاق مهنته، إضافة إلى التزامه بالقواعد العلمية والفنية لمهنته. ومثال ذلك أن يجري الطبيب عملية جراحية وهو سكران (مخمور).

مصادر الأخطاء الطبية

إن مصادر الأخطاء الطبية التي تحدث في المستشفيات تتعدّد أشكالها ومصادرها، منها: (1) الخبرة التي يفتقر إليها بعض الأطباء، خاصة إذا كان الطبيب لم يمض على تخرجه غير بضعة أشهر، (2) أن الطبيب غير مؤهل في ذات الاختصاص الذي أخطأ فيه، (3) أن الطبيب لا يستطيع إتقان العمل على بعض الأجهزة الطبية في المستشفى، وهذه كلها تشكل سبباً رئيساً لمصدر الخطأ الطبي.

أين تحدث الأخطاء الطبية؟

قبل الحديث عن الأخطاء، يجب أن نقر بأن الأصل في الشيء هو أن يعمل الطبيب على إنقاذ حياة المريض الذي جاء إليه، وبالتالي يستحيل على أي طبيب أن يسمح لنفسه أن يؤذي أو يضرّ مريضه من حيث المبدأ، وإلا فقد تحوّل ذلك الفعل إلى جريمة جنائية، وهو ما لا يفكر فيه الطبيب أو يقصده. والطبيب مثله مثل بقية أفراد المجتمع الذين يخطئون أحياناً، ولكن في حالةً خطأ الطبيب تكون حياة الإنسان عرضة للخطر و من هنا يكون فعل الخطأ عند الطبيب أعظم من أفعال الأخطاء عند غيرهم من التخصصات الأخرى. والأخطاء الطبية يمكن أن تحدث عادة في ثلاث حالات رئيسية:

(1) عند قيام الطبيب بتشخيص المرض بشكل خاطىء wrong diagnosis، مما يترتب على هذا التشخيص إجراء عملية يكون المريض في غنى عنها.

(2) أو عند قيامه بكتابة الوصفة الطبية بشكل خاطىء wrong prescription،أو بخط غير واضح، مما يؤدي بصارف الدواء في الصيدلية بصرف دواء آخر متشابه له في الاسم ولكنه مختلف تماماً في التأثير على المرض المعني، أو أن الدواء الموصوف من قبل الطبيب يتداخل كيماوياً مع أدوية أخرى يتناولها نفس المريض ولم يستعلم الطبيب عنها لديه, أو أنه استعلم ولكن ليس لديه المعرفة الكافية بتداخلاتها الكيماوية والبيولوجية مع تلك الأدوية التي وصفها لمريضه. وتعمل مثل هذه الأخطاء على تدهور حياة المريض وتفاقم علته, وقد تؤدي إلى إحداث عاهة مستديمة أو مرض مزمن يصاحب المريض مدى حياته.

(3) كما يمكن أن يحدث عند إجراء العملية، حيث يقوم الطبيب بخرق التعليمات أو الإرشادات المهنية المتعارف عليها عند إجراء العملية الجراحية. Breach of profession guidelines.

دور المجلس

الطبي اليمني

إن حماية حقوق المرضى والنهوض بالمهن الطبية وتنظيم ومراقبة أداء مزاولي المهن الطبية من أطباء بشريين وصيادلة وأطباء أسنان في اليمن، هو من اختصاص «المجلس الطبي» الذي أنشئ في أكتوبر 2000م بموجب القانون رقم (28) لعام 2000م. وجاء في المادة (10) الفقرة (ف) من القانون أن من صلاحية المجلس «التحقيق في الشكاوى والمخالفات المرفوعة إليه والبت فيها، وتوقيع العقوبات الواردة في المادة (24) أو إحالتها إلى النيابة العامة إذا رأت لجنة التحقيق أن موضوع الشكوى يتعلق بجريمة من الجرائم التي تختص النيابة العامة برفع الدعوى فيها».

والمادة (24) من القانون تنص على الآتي: «مع عدم الإخلال بأحكام المسؤولية الجزائية والمدنية، يكون مزاول المهنة محلاً للمساءلة التأديبية إذا أخل بأحد واجباته المهنية أو خالف أصول المهنة وآدابها، وفي هذه الحالة يحق للمجلس أن يطبق إحدى العقوبات التأديبية التالية: لفت نظر، الإنذار، غرامة مالية لا تتجاوز خمسين ألف ريال، السحب المؤقت لترخيص مزاولة المهنة لمدة لا تزيد عن ستة أشهر، شطب الاسم من سجلات المجلس وإلغاء ترخيص مزاولة المهنة». إلاّ أن هذا المجلس لم يباشر أعماله على أرض الواقع منذ تاريخ إنشائه. وفي غياب هذا المجلس لجأ الكثير من الناس في اليمن إلى حل قضايا الإهمال والأخطاء الطبية مع الأطباء أو المستشفيات دون تدخل أو معرفة المؤسسات الرسمية أو الأهلية، كما يلجأ البعض إلى حلها قبلياً، كما أن البعض من الناس لا يقوم بتقديم شكوى بخصوصها. وهناك بعض القضايا التي لا يتم فيها معرفة سبب الضرر الذي أصاب المريض أو السبب الذي أدى إلى الوفاة نتيجة لاعتقاد أهل المريض أو المتوفى أن ما حدث كان وضعاً طبيعياً بعيداً عن أي إهمال أو خطأ طبي من الطبيب المعالج، فلا يتم متابعة الحالة والتحقيق في الموضوع ومساءلة محدث الضرر.

عبء إثبات الخطأ الطبي وصعوبة التعامل مع إفادات الخبراء

إن إحدى أهم المشاكل التي تظهر في دعاوى مُساءلة الأطباء مدنياً عن أخطائهم المهنية هي مسألة الإثبات، فالمريض يجب عليه أن يُثبت وقوع الخطأ، وأن هذا الخطأ قد أوقع ضرراً عليه. ويظهر ثقل هذا العبء عند تقديم إفادات الخبراء الذين تدعوهم المحكمة أو «مجلس النقابة التأديبي» أو لجنة التحقيق الفنية بالمجلس الطبي، وهم عادة من الأطباء الذين يتجنبون تحميل زملائهم في المهنة أي نوع من أنواع المسؤولية عند الإدلاء بإفاداتهم.

ما هو المطلوب عمله عند شعور المريض بأن خطأ طبيا قد وقع عليه؟

يقوم المتضرر أو من ينوبه بتقديم شكوى مكتوبة وواضحة إلى نقيب الأطباء أو المكتب التنفيدي لنقابة الأطباء يشرح فيها طبيعة ما حصل له، وتقوم النقابة بإرسال نسخة من الشكوى إلى الطبيب المدّعى عليه ليردّ عليها خلال فترة معينة (عادة أسبوعين)، وبناءً على الرد تقرّر النقابة ما إذا كانت الشكوى بغير ذات أهمية أو غير منطقية (وقد تكون كيدية)، أو إحالة الشكوى إلى «مجلس النقابة التأديبي» للنظر فيها. وإذا لم يقتنع المتضرر بقرار المجلس، يقوم المتضرر برفع الشكوى إلى «المجلس الطبي» الذي يقوم بتشكيل لجنة فنية للتحقيق من الشكوى خلال عشرة أيام، وإذا وجدت تقصيراً أوخطأً من الطبيب المذكور، فيتم اتخاذ العقوبة المطلوبة بحق الطبيب وفقاً لما هو منصوص في المادة (24). ومن حق المشتكي الحصول على رد رسمي من «المجلس الطبي» بنتائج التحقيق، كما له الحق في الاستئناف لديها أو اللجوء إلى القضاء. ونفس الحق منحه قانون إنشاء المجلس لمزاول المهنة (الطبيب).

دور وزارة الصحة بهذا الشأن

نشدد هنا على ضرورة قيام وزارة الصحة بتفعيل نشاط «المجلس الطبي» والذي من ضمن مهامه العديدة اعتماد إجراءات وآليات تضمن الرقابة والتفتيش على المؤسسات الصحية سواءً العامة أو الخاصة، وإلزامها بتقديم تقارير شهرية عن سير العمل فيها، بما يضمن استيفاء هذه المؤسسات الشروط اللازمة لممارستها العمل الصحي.

كما يجب على وزارة الصحة تفعيل عمل «المجلس اليمني للاختصاصات الطبية» الذي أنشئ بموجب القرار الجمهوري رقم (20) لسنة 2003م، الذي يختص بشؤون التدريب والتأهيل العالي الفني والمهني والتخصصي للكوادر الطبية، إضافة إلى ضرورة اهتمام الوزارة بمجال الطب الشرعي الذي ستشكل تقاريره عوناً قانونياً لنقابة الأطباء أو المجلس الطبي عند قيامه بالمساءلة التأديبية.

هل يمكن التأمين على الأخطاء الطبية؟

نعم، تقوم كثير من الشركات الأجنبية وبحسب رغبة المؤمن بتضمين التأمين على الأخطاء الطبية ضمن بوليصة التأمين الطبية، بحيث تتحمل تكاليف علاج المؤمن جراء الخطأ، بما فيها منحه معاشا تقاعديا إذا نتج عن الضرر عاهة منعته من مزاولة عمله (حتى وإن كانت ربة بيت).

وتوجد مكاتب أو وكلاء لمثل هذه الشركات في اليمن، ولكن قسط التأمين يكون عادة مرتفعاً ولا يستطيع الإنسان العادي دفعه (يتراوح ما بين 3 إلى 5 آلاف دولار أمريكي سنوياً).

كما توجد منظمة غير ربحية اسمها «جمعية الحماية الطبية» Medical Protection Society تحتضن أكثر من 250 ألفاً من الأعضاء من 40 بلداً وأزيد، حيث تقوم بمساعدة الأطباء في القضايا القانونية التي ترفع عليهم نتيجة ممارستهم للمهنة، بما فيها دفع الأضرار عنه وتحمل التكاليف الناتجة عن قضايا الإهمال الطبي، وكذا تشجيع منتسبيها من الأطباء على انتهاج مبادىء المزاولة الآمنة للمهنة، كما تقوم بالضغط لاستحضار بيئة إجراءات مناسبة لأعضائها عند اقترافهم لأخطاء طبية غير مقصودة. وعنوان هذه الجمعية على الإنترنت هو [email protected] .

ومع محدودية النصوص التي تعالج المسؤولية عن الأخطاء الطبية، سواء في قانون العقوبات اليمني أو في أنظمة نقابة الأطباء اليمنيين أو العقوبات التأديبية للمجلس الطبي، ومع قصور طرق الإثبات المتبعة في تحديد نوعية وحجم الأخطاء وحجم المسؤولية عنها، تغدو مسألة حماية الحق في الحياة والسلامة الشخصية للمواطن اليمني أمراً بعيد المنال إذا ما استمر الحال على ما هو عليه!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى