بعد ستة أعوام على الغزو الأمريكي.. العراقيون يتألمون

> بغداد «الأيام» د.ب.أ :

> بعد ستة أعوام على الغزو الأمريكي أو مايعرف بـ "عملية تحرير العراق" في 20 آذار/مارس 2003 لم يعد العراقيون يفكرون كثيرا في ذكريات الحرب المؤلمة بقدر ما يفكرون في كيفية انسحاب القوات الاجنبية ابتداء من العام الحالي وفق جدول زمني يمتد حتى نهاية عام 2011 في إطار الاتفاقية الأمنية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية في كانون أول/ديسمبر الماضي.

ورغم أن الغزو الأمريكي للعراق جاء بمآس كبيرة على العراقيين أدت إلي مقتل وإصابة مئات الآلاف وهجرة أكثر من أربعة ملايين إلي خارج البلاد خوفا من بطش المليشيات المسلحة وعناصر تنظيم القاعدة الذي سرعان ما انتشر في البلاد وفرض سيطرة مطلقة على المدن السنية إلا أن نسبة كبيرة من العراقيين يرون أن أبرز ما أفرزته هذه الحرب هي سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في وقت قياسي لم يتعد ثلاثة أسابيع.

لكن هذا الغزو خلق أجواء غير طبيعية في العراق وأوقع البلاد في أتون الحرب الأهلية الطائفية وتدمير البنى التحتية للاقتصاد العراقي واتساع دائرة الجهل والأمية بين فئات الشعب وصلت إلي أرقام مخيفة وشهدت البلاد أوضاعا أمنية قاسية حيث تشاهد عشرات الجثث ملقاة في الشوارع فيما تسيد المسلحون أتباع القاعدة من جهة والمليشيات المسلحة من جهة أخرى والعصابات السيطرة على الشوارع فيما كانت العائلات تغلق أبوابها قبل الساعة السادسة مساء حتى بلغ الانهيار الأمني ذروته في 22 شباط/فبراير عام 2006 بعد تفجير مرقد الاماميين العسكريين في سامراء حيث شرعت الجماعات المسلحة بعمليات قتل وتهجير وإحراق المساجد في مشاهد قاسية لم تتوقف رغم تدخل المرجعيات الدينية.

وقالت مريم الريس وهو نائبه عراقية سابقة لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): "بغض النظر عن التسميات سواء أكان غزوا أو عملية تحرير العراق فإننا لا ننكر أن هذه العملية جاءت بتغييرات جذرية في الواقع العراقي كان أبرزها التداول السلمي للسلطة وإغلاق أبواب الانقلابات العسكرية للاستحواذ على كراسي الحكم وهذه مكتسبات مهمة إضافة إلي إطلاق حريات التعبير عن الرأي والحصول على دستور دائم للبلاد".

وأضافت: "أعتقد أن انسحاب القوات الأمريكية من العراق في إطار الاتفاقية الأمنية سينهي جدلية الغزو الأمريكي وتداعياته وسيكون بإمكان العراقيين إدارة شئون بلادهم والدفاع عن أمن العراق بقدرات ذاتية".

وتابعت أن "دول العالم أدركت بعد توقيع الاتفاقية الأمنية ضرورة الانفتاح على العراق خاصة بعد أن أعلنت الإدارة الأمريكية الجديدة اعتزامها الانسحاب من العراق وفق الجداول المعلنة ولهذا يتدفق على العراق شهريا كبار القادة ورؤساء الدول ووزراء الخارجية وهذا إنجاز مهم".

وقالت الريس: "لا توجد مخاوف على العراق بعد اليوم لأنه استطاع بناء قوات عسكرية مدربة وقادرة على تولي الملف الأمني".

واستطاعت قوات عسكرية وأمنية عراقية بمعاونة من القوات الأمريكية تطبيق خطة أمنية لضبط الأمن ومنع سقوط بغداد في يد الجماعات المسلحة انطلقت في 14 شباط/فبراير 2007 أثمرت بعد عامين من تطبيقها عن فرض الأمن بنسبة وصلت إلي 90 بالمئة وهو إنجاز كبير وتحرير المدن الأخرى من تنظيم القاعدة والمليشيات فضلا عن أن الحكومة شرعت منذ عام 2006 في تسلم الملف الأمني في 13 مدينة عراقية هي السماوة الناصرية والديوانية والعمارة والبصرة وكربلاء والنجف والرمادي والحلة وواسط ومدن كردستان الثلاث اربيل ودهوك والسليمانية من أصل 18 مدينة عراقية.

وقال قاسم الربيعي /35 عاما/ مهندس "كنا نتوقع لو أن العمليات العسكرية الأمريكية استمرت لفترة أطول فإن البلاد ستتحول إلي أطلال لكن ما حصل كان أقسى مما كنا نتوقع فالحرب انتهت في وقت مبكر، لكن الاقتتال الطائف والعرقي وصل إلي مراحل جنونية ستبقى صورها عالقة في الأذهان".

وأضاف: "ذكريات الحرب الطائفية التي قادتها الأحزاب للتطاحن فيما بينها للظفر بالمناصب كانت مؤلمة للغاية وأحدثت شرخا كبيرا في النسيج الاجتماعي العراقي في صور مؤلمة مثل التهجير القسري والجثث المنتشرة في الشوارع والقتل على الهوية والاختطافات الجماعية في مشاهد مرعبة".

وفي إطار الاتفاقية الأمنية فإن القوات الأمريكية القتالية ستبدأ بحلول شهر حزيران/يونيو المقبل الانسحاب من جميع المدن العراقية وفي آب/أغسطس 2010 ستنسحب كل القوات القتالية من العراق فيما يستكمل الانسحاب في أواخر عام 2011.

وقالت ملاك حسين /27 عاما/ موظفة حكومية "علينا الاعتراف بأن وضع العراق اليوم لا يمكن مقارنته بما كان خلال الأعوام الماضية حيث عشنا حالات انفلات أمني وغياب دور الحكومة فضلا عن أن القوات الأمريكية لم تتمكن من فرض سلطتها في الشوارع وكانت المليشيات والقاعدة هي سيدة الشارع أما اليوم فإن القوات العراقية فرضت هيبة الدولة وكلنا سعداء بذلك لأنه لا صوت يعلو على صوت القانون".

وأضافت: "أتمنى أن يأتي اليوم الذي لا نشاهد فيه القوات الأمريكية في شوارع بغداد لأن منظرها يزعجنا ويذكرنا بالدمار الذي حل في العراق فضلا عن أنهم مجرمون قتلوا الأبرياء في الشوارع والبيوت وانتهكوا كل القيم في المعتقلات".

وحصل العراقيون خلال السنوات الست الماضية على مكتسبات سياسية كبيرة كان أبرزها اعتماد دستور دائم للبلاد بعد استفتاء شعبي عليه وإجراء انتخابات برلمانية وأخرى لحكومات المحافظات أثمرت عن تداول سلمي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع وهو عهد غير معروف في تاريخ العراق الحديث حيث كانت عمليات السيطرة على الحكم تقوم على قاعدة "الانقلابات العسكرية والتصفيات الجسدية".

وذكر ماهر محمد /46عاما/ محامي: "كثير من ملامح الغزو تغيرت ونحن في العام السادس وتوقفت العمليات العسكرية الكبيرة ونشهد حاليا وضعا أمنيا جيدا في جميع مدن العراق عدا مدينتي بعقوبة والموصل حيث تشهدان أعمال عنف خطيرة بشكل شبه يومي".

وقال إن "ما يشغل بال العراقيين حاليا هو الجدول الزمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق وهل أن القوات العراقية قادرة على ملء الفراغ وهل أن القوى السياسية في البلاد ستكون منضبطة في عدم إثارة النعرات الطائفية وإدارة البلاد بشكل لا نحتاج فيه إلي القوات الأمريكية لتحقيق التوازن".

وبعد مرور ستة أعوام من الغزو الأمريكي للعراق أصبح اليوم الوضع الأمني أكثر استقرارا وعادت الحياة إلي المرافق السياحية والأسواق والمراكز التجارية وعاد ليل بغداد يستقبل عشاقه على شواطيء دجلة بعد عن حرموا منها خلال سنوات الغزو الماضية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى