إشكالية التأهيل في مسرح حضرموت

> «الأيام» عبدالقادر سعيد بصعر:

> لم يعرف المسرح في محافظة حضرموت منذ الإرهاصات الأولى لبداياته حيث بدأ ونشأ مسرحاً مدرسياً منذ الثلاثينات من القرن الماضي، أي تأهيل للعناصر التي عملت في هذا الفن النبيل.

ولو بصورة محدودة جداً، فكان الرواد الذين حملوا الراية ليكون لهذا الفن حضوره يعتمدون على الاجتهادات الذاتية والخبرات المتواضعة التي اكتسبوها من خلال الاطلاع والمشاهدة لبعض الأعمال المسرحية، كما أتيحت لهم الفرصة للمشاركة في أية وفود خارجية، ويبرز بشكل جلي الأستاذ والتربوي القدير رائد المسرح الحديث في حضرموت سالم يعقوب باوزير، عندما أتيحت له فرصة الدراسة الأكاديمية في بريطانيا كان من المتابعين لمشاهدة العديد من الأعمال المسرحية العالمية وتحديداً الأعمال الشهيرة لرائد المسرح الإنجليزي (وليم شكسبير) لإجادته اللغة الإنجليزية، فقد استطاع بعد عودته أن ينقل بعض مشاهداته لواقع المسرح بما يتلاءم وظروف واقعنا المتخلف وتجلى ذلك من خلال إدارته المدرسة الوسطى بالغيل في الخمسينات من القرن الماضي، وكان المؤلف المسرحي المعروف سالم عبداللاه الحبشي، طيب الله ثراه يطلق على الأستاذ سالم يعقوب باوزير بأنه رائد المسرح الحديث في حضرموت.

وينطبق ذلك الحال على العديد من المخرجين المسرحيين الذي تعاملوا مع هذا الفن بالخبرة والموهبة الفطرية، نشير على سبيل المثال من الجيل الأول الشيخ عبدالله أحمد الناخبي، الشيخ عبدالله سعيد باعنقود، الأستاذ سالم يعقوب باوزير، الأستاذ سالم عوض باوزير، الأستاذ محمد علي تخارش.

أما الجيل الذي جاء من بعدهم فنشير على سبيل المثال إلى كل من المخرج المسرحي عمر مرزوق حسنون، محمد عوض باصالح، عوض سالم باعطب، عبدالرحمن عبدالكريم الملاحي، سالم أبوبكر باذيب، محمد محفوظ العماري، مبروك بشير بن عسلة، وغيرهم من الذين تمكنوا من إخراج عشرات الأعمال المسرحية بالخبرة والموهبة، ولم يكن للتأهيل الأكاديمي أي نصيب يذكر وفي السبعينات من القرن الماضي شهد النشاط المسرحي زخماً قوياً من خلال إنشاء عدد من الفرق المسرحية، من بينها فرقة مسرحية تابعة لاتحاد الفنانين، وفرقة مسرح حضرموت التابعة لمكتب الثقافة بالمحافظة، وفرقة الفقيد بارادم للمسرح التابعة للمجلس المحلي محافظة حضرموت، وشهدت تلك الفرق المسرحية حراكاً مسرحياً قوياً وتنافسياً بينها أسفر عن عرض أعمال مسرحية ذات جودة عالية واهتم مكتب الثقافة في ذلك الوقت بتأهيل عدد من المسرحيين عندما كان يقود هذا المكتب الأستاذ والباحث عبدالرحمن عبدالكريم الملاحي، حيث نظمت دوره مسرحية شارك فيها قرابة (50) كادراً مسرحياً من المكلا وسيئون استمرت لمدة أسبوعين، وهي من الدورات المكثفة من حيث الدراسة للفترتين الصباحية والمسائية في المكتبة السلطانية، وقد تلقى المشاركون محاضرات في تاريخ الدراما، تاريخ التمثيل، تاريخ المسرح في اليمن، العمارة المسرحية، وكان المشرفون على هذه الدورة والمحاضرون فيها، خبير العمارة المسرحية الفرنسي بارسك آلن، والخبير المسرحي المصري سامي عبدالنبي (مدير مسرح العرائس بمصر) ومن وزارة الثقافة الأستاذ والباحث في تاريخ المسرح اليمني عمر عوض بامطرف والمخرج المسرحي المعروف عبدالله صالح مسيبلي والمخرج المسرحي علي الرخم، وقد توجت هذه الدورة بتقديم أربعة أعمال مسرحية هي (مسرحية نهر الجنون) تأليف عميد المسرح العربي توفيق الحكيم، إخراج المخرج المسرحي علي الرخم، ومسرحية (البخيل) تأليف عبدالمجيد القاضي، إخراج المخرج المسرحي عبدالله مسيبلي، ومسرحية (الحبيب عبدالرحمن) فكرة المسرحية عن الدجل والشعوذة من إخراج الفنان المسرحي كمال سالم الحامد وتمثيل فرقة مسرح سيئون، والحقيقة أنه لو تمت الاستفادة الحقيقية من العناصر المشاركة في هذه الدورة وتأهيلهم وتدريبهم سيمثل ذلك النواة الحقيقية لمسرح جاد وفاعل، ولكن لم يتحقق شيء من ذلك، وقبل هذه الدورة تم ترشيح عنصرين مسرحيين من المحافظة للمشاركة في دورة مسرحية في عدن ولمدة ستة أشهر، وهما الفنانة المسرحية القديرة أنيسة خميس بن جبير، والفنان المسرحي علي سالم الحامد، ونالا شهادة الدبلوم في المسرح، وفي بداية الثمانينات من القرن الماضي، وخلال وجود عدد من الأشقاء العراقيين في المحافظة ولديهم تأهيل أكاديمي في المسرح تمت الاستفادة من وجودهم قرابة عام في المحافظة وتمكنوا من الإشراف على تنظيم دورة تأهيلية في المسرح لمدة ثلاثة أشهر شارك فيها عدد من كوادر المسرح ومن أعضاء فرقة مسرح حضرموت التابعة لمكتب الثقافة بالمحافظة، وخلال وجودهم أخرجوا العديد من الأعمال المسرحية، من هذه الأعمال لفرقة بارادم مسرحية (العُقب الحديدية) تأليف الروائي الأمريكي جاك لندن (مسرحها وغير عنوانها إلى «ذراع جاكسون» المخرج عبدالهادي جبر أبو أروى) ومسرحية (موت وحياة أحمد بن سعيد) تأليف وإخراج عبدالهادي جبر، وفكرتها مستوحاة من حادثة القصر الشهيرة 27 ديسمبر 1950 ومسرحية (الكاتب والشحاذ) من تأليف الكاتب المصري علي سالم، وإخراج المخرج العراقي راجي عبدالله حسين (أبو الان) ومسرحية (الجرة) تأليف الكاتب الإيطالي لويجي برانديللو، وإخراج المخرج العراقي غانم شقيق، تمثيل فرقة مسرح حضرموت التابعة لمكتب الثقافة بالمحافظة، كما أسهم هذا المخرج العراقي في وضع الخطة الإخراجية لمسرحية (محاكمة الرجل الذي لم يحارب) تأليف الكاتب السوري ممدوح عدوان ،وبعد مغادرة العراقيين حضرموت استكمل الإخراج المخرج محمد عوض باصالح، وشاركت بهذ العمل فرقة مسرح حضرموت في اختتام فعاليات عام الثقافة الذي أقيم في العاصمة عدن حينها في عام 1981م.

ومرت بعدها سنوات لم يحظ أي كادر مسرحي بفرصة تدريب وتأهيل خارجية، وعندما نتطرق إلى من أتيحت لهم فرصة الدراسة الأكاديمية في مجال المسرح في المحافظة نشير إلى الأخوين أحمد سعيد الريدي رحمه الله الذي ذهب إلى الكويت بنظام الابتعاث والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وبعد تخرجه عمل في وزارة الثقافة في عدن مديراً لدائرة المسارح بالوزارة لعدة سنوات وبعدها عين مديرا لمكتب الثقافة بعدن إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى، أما الفنان المسرحي المعروف سالم حسين الجحوشي، الذي تم تأهيله للدراسة الأكاديمية في دولة الكويت، فقد كان عبر وزارة الثقافة، وفي السنوات الأخيرة انتقل إلى دولة قطر الشقيقة ليتم التعاقد معه من قبل وزارة التربية كخبير مسرحي، وعندما نعود بالذاكرة إلى الوراء عندما أتيحت الفرصة الوحيدة واليتيمة لفرقة مسرح حضرموت التابعة لمكتب الثقافة المشاركة الخارجية لتمثيل اليمن الجنوبي قبل الوحدة في سبتمبر 1989م في مهرجان المسرح التجريبي الدولي الثاني في العاصمة المصرية القاهرة خلال الفترة من (10-1) سبتمبر 1989م تمت المشاركة بمسرحية (عرس السارق)، وهي من تأليف الكاتب والناقد فيصل حسين صوفي، تمت الاستعانة بكوادر من محافظة عدن، وهما المخرج المعروف جميل محفوظ ، ومساعد المخرج فؤاد هويدي.

ولذا فإن محافظة حضرموت حرمت حرماناً شبه كلي من فرص التأهيل لكوادرها المسرحية وخاصة التأهيل الخارجي على مدى أكثر من سبعة عقود من الزمان، لذا فإن المسرح تراجع دوره وانكمش وانكفأ على نفسه ، ولم يعد المسرحيون يواكبون التطورات التي طرأت في عالم المسرح اليوم والتجارب المسرحية الرائدة وتحديداً تجارب المسرح التجريبي التي تنظم لها المهرجانات العربية والعالمية، لذا على وزارة الثقافة أن تفكر بجدية ومسؤولية في ابتعاث عدد من المهتمين بالمسرح وخاصة من الشباب للدراسة الأكاديمية لهذا الفن النبيل في معاهده وأكاديمياته المتخصصة في عدد من التخصصات؛ الإخراج، التمثيل، الإضاءة، الديكور، الأكسوار وغيرها من التخصصات الأخرى.

كما أن على مجلس جامعة حضرموت أن يتخذ قراراً شجاعاً بمباركة من السلطة المحلية بالمحافظة في إنشاء واستحداث كلية للفنون الجميلة ضمن كليات جامعة حضرموت في العام الدراسي، تستوعب تخصصات، الموسيقى، المسرح، الفنون الشعبية، الفنون التشكيلية، لنبرز الوجه المشرق لهذه المحافظة التي نردد ونتغنى بأنها محافظة الفنون والتراث والثقافة، والواقع يؤكد تراجع وتضاؤل الاهتمام بهذه الفنون مجتمعة.

نأمل أن يتحقق ذلك على صعيد الواقع ونلامسه ملامسة اليد، وما ذلك على الجادين المخلصين بعسير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى