في محاضرة للباحث علي محمد يحيى بمنتدى خورمكسر الاجتماعي الثقافي:أحمد بن أحمد قاسم .. مسيرة فنية راقية مضمخة بعرق الكد والمغامرة

> «الايام» أحمد السقاف:

>
حامت روح الموسيقار الراحل أحمد بن أحمد قاسم سويعات العصر ومساء ليلة الخميس الفائت في أرجاء منتدى خور مكسر الاجتماعي الثقافي الجميل بجمال صاحبه ورواده من أساتذة علم ومثقفين وفنانين وفئات شتى من المجتمع، فعاش الجميع تلك السويعات تارة وكأن على رؤوسهم الطير.

وتارة يتمايلون طرباً على أنغام لطالما عشقناها في مراحل حياتنا المختلفة؛ صبا ويفاعة وشباباً وكهولة، واحتلت المكانة الأسمى في ذاكرتنا الجمعية لفنان تلفح بتراب هذه الأرض الطيبة، وكافح منذ صباه الباكر ليكون له موقع خاص بين فناني ذلك الزمان في بدايات الخمسينيات من القرن الفارط ، فكان له ما أراد وعاش سني حياته كلها يحمل هماً وحيداً وهو الارتقاء بما يقدم الناس من فن، فأحدث فينا هزة عميقة بل لذيذة فتحت أسماعنا على طفرة تجديدية في عالم الموسيقى والغناء منذ بواكير أعماله التي اتسمت بالنبوغ.. «فينك وفين ساكن»، «يامركب البندر»، «ياظبي وصله غلى» والقائمة طويلة تقارب خمسمائة أغنية هي عصارة جهده الباذخ وفنه الراقي.. إلى أن رحل عن الدنيا الفانية فقيراً لايملك سوى محبة الناس الذين عاش من أجل إسعادهم .

المسيرة الفنية للموسيقار الكبير أحمد بن أحمد قاسم، وجوانب من حياته الشخصية كانت عنوان محاضرة استمع لها الحضور في منتدى خورمكسر، وتصدى لها الكاتب والباحث علي محمد يحيى، الذي أسهب في سرد جوانب عديدة من حياة الموسيقار الفذ بحكم الجيرة والصداقة التي جمعتهما ولكونه يعد لإصدار كتاب شامل يحوي كل التفاصيل الدقيقة والأمور التي ربما تكون خافية على بعض الناس من خلال شهادات المقربين للفنان ومن جمعتهم به زمالة فن أو كفاح حياة.

ركز الباحث في محاضرته على إعطاء فكرة واضحة وشاملة عن الظروف التي سادت في عدن ولحج وحضرموت في مرحلة مبكرة من أربعينيات القرن الماضي، وكيف تشكلت الملامح الفنية في ذلك الزمان بدءاً من الأسطوانات الحجرية فآلة التسجيل القديمة، ومن ثم الإذاعة، وذكر بعضاً من الرواد أمثال الشيخ علي باشراحيل والمسلمي والقعطبي والجراش وغيرهم، ومن ثم الندوة العدنية الموسيقية بقيادة خليل محمد خليل، والرابطة الموسيقية بقياد الفنان طيب الذكر سالم بامدهف، ليشكلوا المرحلة التجديدية للغناء في عدن.

وفي خضم هذا الزخم الدافق جاء الفتى أحمد قاسم، الذي نشأ في أسرة فقيرة يتيم الأب فدفعته والدته وهو صبي لم يبلغ الحلم إلى الشيخ محمد بن سالم البيحاني ليعلمه أمور الدين وعلوم القرآن الكريم، لما لمحت منه بوادر النبوغ وجمال الصوت فنصحها الشيخ البيحاني بأن تترك للصبي الطريق الذي يحب أن يسلكه هو.

فكان أن اختار طريق الفن الذي لم يدرك حينها أنه طريق طويل وشاق، ولكنه بالنسبة للفتى أحمد قاسم كان الطريق الصحيح، فنهل من معين أستاذه المرحوم يحيى مكي في مدرسة بازرعة الخيرية التي درس فيها لضيق ذات اليد، ومن هناك بدأت عبقريته ونبوغه في التفتح ليشكل بعدها مع رفيقي دربه محمد عبده زيدي وعبدالرحمن باجنيد «فرقة أحمد قاسم التجديدية» التي كانت المنطلق الأساس للمسيرة الفنية الباذخة العطاء لموسيقارنا الراحل أحمد بن أحمد قاسم .

في سياق المحاضرة ذكر الأستاذ علي محمد يحيى بعض المحطات المثيرة في حياة موسيقارنا الكبير الذي اتسمت حياته بالمغامرة. ففي العام 1954 حينما قدم الموسيقار الكبير فريد الأطرش إلى عدن بدعوة من رجل الأعمال حسين إسماعيل خدابخش وفي ضيافته أقام حفلتين في ملعب البلدية (الحبيشي حاليا) ومسرح البادري، وعندما أقام حسين خدابخش حفل عشاء على شرف ضيفه الكبير في داره العامرة (الهنا) خلف البادري أصر الفتى أحمد قاسم على أن يلتقي الموسيقار فريد الأطرش فمهد له حسين خدابخش اللقاء به وعندما جلس في حضرته عزف على عوده وغنى ومن فرط إعجاب فريد بعزف وغناء هذا الفتى اليافع يقال أن يده الحاملة كوب الشاي ارتعشت من الذهول وربت على كتفه متمنيا له النجاح.

وبعد ذلك بسنتين أو ثلاث غادر أحمد قاسم إلى القاهرة لدراسة الموسيقى فالتحق في البدء بمعهد المعلمين للموسيقى وأكمل سنتيه المقررتين، ومن ثم التحق بالمعهد العالي للموسيقى وأنهى مقرره بامتياز.. وفي تلك الأثناء اختمرت لدى المطرب الشاب أحمد قاسم فكرة إنتاج فيلم سينمائي فدعمه صديقه أنور حامد، وبعد مداولات عديدة استقر الرأي على قصة شاب يدرس في القاهرة ويحب فتاة ولكنه حب فاشل وتتوالى الأحداث، وتم عرض فكرة الفيلم على المخرج التلفزيوني الشهير عادل صادق فرحب بها، وبدأت المداولات لاختيار بطلة الفيلم فاقترح أحمد النجمة سعاد حسني ولكن عادل صادق أعرض عنها بحجة عدم تعامله معها واقترح عليه ماجدة إلا أن أحمد رفضها بحجة أن دمها ثقيل، فاقترح عليه سميرة أحمد ورفضها لكبر سنها. ومن ثم عرض عليه النجمة الكبيرة فاتن حمامة ولكن مشكلة الأجر المالي الكبير الذي تتقاضاه حالت دون إتمام العقد معها، فوقع الاختيار أخيرا على زيزي البدراوي التي وافقت لوجود عمالقة السينما في الفيلم أمثال محمود المليجي وتوفيق الدقن وعبدالمنعم إبراهيم ولكنها اشترطت على المخرج ألا يقبلها البطل في الفيلم فتم الاتفاق على ذلك، إلا أن روح المغامرة لدى الشاب أحمد قاسم جعلته يصر على تقبيلها أثناء التصوير وكان له ذلك.

واستعرض المحاضر بعض الجوانب الإنسانية في حياة الفنان الكبير ومنها أنه كان يترد على جمعية الطيارين وتربطه بأعضائها علاقة صداقة ولما علم ذات يوم أن سقف مقر الجمعية يتسرب منه ماء المطر وبحاجة إلى ترميم وهم لايقدرون على التكاليف وعدهم بأنه سيتولى هذا الأمر فما كان منه إلا أن ذهب إلى الرئيس حينها علي ناصر محمد وشكا له أن زوجته مريضة وهو بحاجة إلى 1500 دينار لعلاجها ولحب الرئيس له أعطاه المبلغ فذهب به حال تسلمه إلى جمعية الطيارين وسلمهم إياه... وحكايا أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.

تخلل المحاضرة وصلات فنية من أغاني الراحل الكبير صدح بها الفنانون ياسر ومحمد على محسن وكان مسك الختام الفنان أنيس الذي تأخر في الحضور ولكنه أمتع الحاضرين بعزفه الجميل وصوته الشجي الذي يتوافق في طبقاته مع صوت الفنان الراحل.

وبناء على مقترح أنيس تم الاتصال بالأستاذ خالد الرويشان الوزير السابق وعضو مجلس الشورى الذي شكر المنتدى ورئيسه والحاضرين وتمنى أن يجمعه بهم لقاء قريب للحديث حول الجوانب الثقافية والفنية، وبالمصادفة كان إلى جانب الرويشان الأخوان مصطفى وعبدالله شريف الرفاعي وهما من المقربين إلى الموسيقار الراحل إلى جانب أخيهما الكاتب الصحفي الراحل أحمد شريف الرفاعي الذي كتب لأحمد قاسم العديد من الأغنيات منها أغنية الحلم التي هي صنو أغنية لكوكب الشرق أم كلثوم، وتحدثا إلى رواد المنتدى، واعدين أن يكونا في عدن في أقرب فرصة ليمكنهما الحديث أكثر عن الموسيقار الراحل.

وفي الختام تم تسليم شهادة تقديرية ببرواز أنيق باسم المنتدى لسبط الموسيقار الراحل (ونيس) ابن الدكتورة فائزة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى