أماني ودماء..لها منا الوفاء

> أحمد عمر بن فريد:

> سيغدو يوم 13 يناير من كل عام , مناسبة جنوبية خاصة يحتفل بها أبناء الجنوب جميعا لتكريس قيم (التسامح والتصالح) فيما بينهم .. وهي الإرادة والحكمة الجنوبية الخالصة التي جعلت دلائل ذلك اليوم الأسود.

تتحول من مشاعر الضغينة والحقد والرغبة في الانتقام إلى مشاعر جياشة بكل معاني التسامح والتصالح والإخاء.. وإذا كانت الشعوب والأمم في مختلف بقاع الأرض, تجترح من خلال رجالها وأبطالها وقياداتها وإرادتها الجماعية مناسبات خاصة تتميز بطقوسها الوطنية المتميزة, فإن أبناء الجنوب قد وضعوا الأساس القوي والمتين لهذه المناسبة الجنوبية الخاصة المتميزة بقيم إنسانية نبيلة .

إذن.. يحق لأبناء الجنوب بعدها, وفي أي مكان وزمان أن يحتفلوا بهذا اليوم, وأن ينتشوا بنصرهم (الإنساني-الوطني) العظيم الذي رجح كفة الخير على الشر، والمحبة على العداء، والتسامح على الثأر، والانسجام على الفرقة، والتجمع على الشتات, كما يجوز للجنوب (الأرض والإنسان) أن يبارك لنفسه في هذه المناسبة مرتين.. مرة بانتصاره لنفسه على نفسه وعلى ما فعله بنفسه .. والثانية لوضعه أساس البناء السليم لمشروعه الوطني المجمع عليه الذي يناضل من أجله ومازال في مختلف ساحات الجنوب .

وإذا كان هذا اليوم قد عرف في الذاكرة بتفاصيل غابرة, دفناها جميعا وبلا رجعة.. فان الإرادة الجنوبية المتحفزة تجاه خط معالم هذا اليوم في صخرة التاريخ الجنوبي, قد فعلت ذلك بتضحيات كبيرة ينبغي احترامها وتقديرها .. فالشهيد صالح أبوبكر اليافعي كان أول من سالت دماؤه في ساحة الهاشمي لتغسل بطهارتها ماتبقى من نقيضها (ينايريا).. وهي دماء سالت يومها في الساحة, بفعل رصاص الغدر والخيانة الذي تتنوع أدوات قتله ومجرميه, ولا تختلف مصادره ومنابعه التي تجيز لتلك الأدوات والوسائل ارتكاب مثل ذلك (الفعل القبيح) بدم بارد ,وبضغينة وعداء سافرين ..قنصا وقتلا (للذات الجنوبية الجديدة).

فمن بين جموع (الإرادة الجنوبية) المحتشدة, بزخم تاريخي غير مسبوق في ساحة الهاشمي, تم اقتناص الشهيد من بين أمثاله من الرجال والشباب المتدفق يومها كأمواج البحر الهادرة.. وبعد مضي عام واحد فقط, وبالمناسبة نفسها, اخترقت رصاصة أخرى قاتلة الجموع المتحركة ذاتها, واختارت (بإرادة المولى) روح الشهيد عمر عبدالعزيز الصبيحي.. فصرعته وأسقطته في الشارع الإسفلتي , وسالت دماؤه واستمرت في المسير حتى وإن توقف صاحبها عن الحركة, وكأنها تنشد الكل الجنوبي ضرورة الاستمرار وعدم التوقف.

غير أن الشهيد الصبيحي كان له, ولجثمانه رواية أخرى.. رواية ذات دلائل ومعان ومقاصد واضحة, لا تخفي علينا, ولا تستعصي على الذات الجنوبية قراءة وفهما .. فإذا كان الشاب قد اغتيل بدم بارد وبشكل متعمد وسافر, شأنه في ذلك شأن جميع شهداء الجنوب.. فإن حادثة اختطافه من غرفة الإنعاش بمستشفى النقيب وهو في حالة غيبوبة تامة, هي حادثة لا يمكن أن تصدق منذ الرواية الأولى .. ولا يمكن أن تبدو حقيقة ممكنة الحدوث لأي إنسان طبيعي ينتمي إلى البشرية.. !! كما أنها فعل لا تقوم به إلا العصابات المنسلخة من جميع القيم الإنسانية النبيلة..وفي يقيني أنه مهما أطلق الإنسان لخياله العنان تصورا وإمعانا في الشر, فإنه من غير الممكن أن يصل إلى هذا الحد البشع الذي وصلت إليه حالة الشهيد الصبيحي !!

وتكتمل الروية (الغريبة) باكتمال فصلين آخرين.. الأول يتمثل في محاولة (إخفاء جثمان الشهيد).. بالحديث عن ضياعها!! ظنا بأنه بالإمكان إقناع أهالي الشهيد, قبول مثل تلك الرواية, وكأنما الجثمان هو مجرد (سلعة) ضاعت من طفل صغير في زحمة السوق !! والثانية في تأجيل إيصال الجثمان في موعده المحدد .. خوفا من تلاقي الجثمان مع أبناء الجنوب على مختلف ساحات الجنوب!! .. ويبقى أن نقول إنه كانت للشهيد الصبيحي - بكل تأكيد - أمنية قبل أن يستشهد وهي أن يرى إخوانه من أبناء الجنوب وقد (توحدوا) في إطار سياسي (واحد) أو في نسق سياسي (جامع).. ولنا عليه وعد أن نحقق هذه الأمنية الضرورة في وقتها المناسب بمشيئة المولى عز وجل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى