قراءة سياسية في دعوة السلطة القيادات الجنوبية للحوار وفقاً لدستور الوحدة

> المحامي يحيى غالب الشعيبي:

> تكررت دعوات السلطة التي توجهها بمناسبات مختلفة إلى القيادات الجنوبية بالخارج للعودة إلى الوطن، وعلى الرغم من أن هذه الدعوات كما أسلفت تكررت لمرات عديدة إلا أن الشيء الذي استوقفني.

ويستحق التركيز والاهتمام هو الدعوة «للحوار المشروط» في إطار دستور دولة الوحدة المعلنة في 22 مايو 1990، هذه الدعوة تكررت بثبات في الخطاب السياسي، حيث أكد عليها الرئيس علي عبد الله صالح في أحد خطاباته قبل أشهر قليلة، داعياً إلى الحوار في إطار وثيقة دستور الوحدة المودعة منها نسخ لدى الجامعة العربية والأمم المتحدة. بهذا المعنى جاءت الدعوة قبل أشهر وتكررت بوضوح في صحيفة «الأيام» (أرشيف الجنوب) في العدد 5694 السبت بتاريخ 11 أبريل 2009 في الصفحة الأولى بعنوان (مصادر: القيادة السياسية تدعو القيادات في الخارج إلى تقديم رؤاهم) وجاء في الخبر «بهدف الحوار معها في إطار دستور الجمهورية اليمنية المعلنة في 22 مايو 1990».

أمام هذه الدعوات تبرز عدد من الأسئلة المهمة، لابد من الإجابة عنها، أهمها السؤال الأول الذي يطرح نفسه، وفحواه ما هي الدواعي والأسباب التي جعلت السلطة تطلق هذه الدعوات بعد 15 عاما من اجتياح الجنوب عسكريا؟ وقبل هذا السؤال كان لزاما علينا الإجابة السريعة عن سؤال في غاية الأهمية، ماذا تعني هذه الدعوات سياسيا، وعن ماذا تعبر؟ وستكون إجابتنا المتواضعة كالآتي:

أولاً: إن الدعوة للقيادات الجنوبية في الخارج للحوار وفقا لدستور دولة الوحدة تم إلغاؤه، وكما هو معروف سياسيا وقانونيا فإن الدولة كظاهرة تاريخية مرتبطة ومتلازمة بوجود القانون، والدستور هو ضابط العلاقات الاجتماعية، وكما يسمى (أبو القوانين) ودعوة السلطة اعتراف صريح وواضح بوجود القضية الجنوبية كواقع سياسي انتجته وأفرزته حرب صيف 1994 على الجنوب، كما تعني الدعوة الإقرار الصريح بوجود عقد قانوني دولي بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 22 مايو1990، اتفقا بموجبه على وحدة شراكة سلمية طوعية استمرت حتى صيف 1994، وانتهى عقد الشراكة الدولي بانتهاء العقد، ووفقا للقاعدة القانونية «يعود أطراف العقد إلى وضعهم الذي كانوا عليه قبل إبرام العقد».

ثانياً: كما أن الدعوة تعبر بشكل صريح- كما أسلفنا- عن غياب دستور دولة الوحدة، وأنه غير معمول به منذ 15 عاما، أي أن هناك «فراغا دستوريا»، وهذا يعني أن كل الإجراءات والتعديلات الدستورية والقوانين والقرارات والمراسيم الصادرة أثناء وبعد حرب صيف 1994 تعتبر غير دستورية لعدم انبثاقها من دستور دولة الوحدة، ابتداءا بالقرار رقم 20 لعام 94 بتاريخ 5 مايو 1994 بإعلان حالة الطوارئ، وكذا القرار رقم 3 لعام 94 بتاريخ 5 مايو 1994 أيضا الذي قضى برفع الشرعية الدستورية عن الأستاذ علي سالم البيض كنائب للرئيس، وكذا قرار رفع الشرعية الدستورية عن رئيس الوزراء الجنوبي المهندس حيدر أبوبكر العطاس، رقم 11 لعام 94م بتاريخ 1994/5/9، وهؤلاء الأشخاص يمثلون الجنوب في عقد الشراكة الدولية بين أطراف العقد، وهم المعنيون بأشخاصهم وصفاتهم السياسية بالدعوة الموجهة إليهم للحوار وفقا لدستور الوحدة، ويعتبر إقصاؤهم من السلطة خلافا لدستور الوحدة هو إقصاء الجنوب وفض الشراكة الدولية بين أطراف العقد، لكن في الوقت نفسه هناك واقع جديد في الجنوب متمثل بالحراك الجنوبي السلمي، وهو المعنى دون غيره بالقبول أو الرفض للحوار يشأن القضية الجنوبية، مع الأخذ بعين الاعتبار المكانة السياسية الرفيعة للقيادات الجنوبية في الخارج، ولن تستطيع السلطة ضرب الوقيعة من خلال دعواتها بين قيادات الجنوب بالخارج والحراك الجنوبي بالداخل، وهناك أيضا واقع جديد آخر متمثل (بالتصالح والتسامح الجنوبي) الأرضية الصلبة للحراك الجنوبي، ولن تنطلي علينا حيل وأساليب السلطة بدعواتها للحوار وانتقاء من تريد وإقصاء من تريد، والهدف من دعوات السلطة الأخيرة التي حددت المعنيين بمن شملهم ما يسمى العفو العام بعد حرب 94م، والهدف واضح وجلي باستبعاد قيادات جنوبية بارزة، وكأنها غير معنية بقضية شعب الجنوب، ومنهم الرئيس علي ناصر محمد، ولكن نقول للسلطة ابحثوا عن غير هذه الأساليب المكشوفة وافتحوا أجهزة تسجيل فعاليات الحراك الجنوبي التي تقومون بتسجيلها، ومنها ما تردده الجماهير يوميا (والبيض والعطاس بايرجع أيضا وبايرجع علي ناصر)، وهذه هي إرادة شعب الجنوب، ولابد من احترامها، لأن أبناء الجنوب هم (المعنيون) دون غيرهم باختيار من يمثلهم بأي حوار بشأن قضية شعبهم وفقا للقانون الدولي، وبنفس الوقت تعتبر دعوات السلطة دعوات ملغومة لمحاولة زرع الشك والريبة بين القوى الجنوبية الحية الأخرى في الخارج (تجمع تاج) وزرع الشقاق بين الجنوبيين، وهذا رهان خاسر، وبنفس الوقت لابد من النظر إلى توقيت السلطة بدعوتها الأخيرة لقيادات الخارج التي أطلقتها متزامنة مع انضمام شرائح وطنية (مشايخ ووجاهات) إلى الحراك الجنوبي، وفي مقدمتهم الشيخ طارق الفضلي، وكأنها تريد أن تقول لهذه الشريحة إن قيادات الحزب الاشتراكي هي المعنية لوحدها بقضية الجنوب، ولكن هيهات، والحمدلله أن الجنوبيين اليوم لديهم قضية وطن وروح واحدة وقلب واحد إن شاء الله، وعلى السلطة أن تراجع حساباتها في التعامل مع الجنوبيين حتى الذين لازالوا يشغلون مناصب رفيعة وهمية في نظام الحكم، بعد أن تم طي صفحات الماضي وتسامح وتصالح الجميع لأجل الجنوب.

كما أن الدعوة للحوار وفقا لدستور الوحدة تعبير صريح عن أن النظام السياسي القائم ليس النظام السياسي لدولة الوحدة المباركة السلمية، وهذا النظام وهيئاته ومكوناته التشريعية والتنفيذية والقضائية غير دستورية، حيث إنها لاتستمد شرعيتها من دستور دولة الوحدة السلمية، بل من شرعية القوة والضم والإلحاق، وحتى هذه الدعوات التي توجهها السلطة لقيادات الجنوب تعتبر دعوات غير شرعية ولاتحمل أية قوة سياسية وقانونية، لكونها لم تصدر عن نظام مؤسسات دولة الوحدة السلمية، ولاتستند إلى مشروعية دستورية، بل تستند إلى مشروعية الاستقواء، خصوصا بعد غياب وزوال شكل النظام السياسي لدولة الوحدة، وفقا لدستورها من نظام رئاسي (مجلس رئاسة) والاستعاضة عنه بعد الحرب بنظام سياسي جديد.

ثالثا: إن الدعوة من قبل السلطة للحوار مع القيادات الجنوبية يؤكد صحة الرؤى والطروحات والمبادرات التي يقدمها الناشطون السياسيون في الحراك الجنوبي في الداخل والخارج، وعلى سبيل المثال لا للحصر الرؤية السياسية التي قدمها المهندس حيدر أبوبكر العطاس إلى اجتماع التشاور الوطني، وكذا المبادرة السياسية التي تقدم بها أكثرمن 60 قياديا جنوبيا بالحزب الاشتراكي إلى دورة اللجنة المركزية السادسة في عدن، جميع هذه الرؤى أكدت أن أبناء الجنوب هم المعنيون دون غيرهم بالحوار ورسم مستقبل قضية شعبهم، وتم نشر مبادرتي العطاس والقياديين الاشتراكيين متزامنة في صحيفة «الأيام» بتاريخ 4 مارس 2009.

رابعا: أيضا هذه الدعوة للحوار مع القيادات الجنوبية تؤكد صحة الطرح السياسي والقانوني الذي طرحناه لإخواننا في التشاور الوطني الذي يرأسه النائب حميد الأحمر، والذي أكدنا فيه أن التشاور الوطني ليس بمقدوره الحوار والبحث في موضوع القضية الجنوبية، وهذا ليس انتقاصا أو تشكيكا بالقائمين على التشاور الوطني، ولكن من جانب موضوعي ومنطقي، تشترطه معطيات الواقع السياسي باعتبار أبناء الجنوب طرفا دوليا في عقد شراكة الوحدة، وهناك قرارات ومشروعية دولية وقانونية لهذه القضية، ولكن للأسف الشديد لم يستوعب إخواننا في اللقاء التشاوري ما طرحناه، وكانت ردود أفعالهم غاضبة ضدنا (سامحهم الله)، ونقول لهم اليوم وبعد اعتراف المتهم (السلطة) بأن الجنوبيين هم المعنيون دون غيرهم بهذه القضية، وكما هو معروف فإن اعتراف المتهم سيد الأدلة، وبالوقت نفسه لاننكر دور المعارضة (كشهود إثبات) باعترافهم بالقضية الجنوبية، وهذا هو القاسم المشترك في العمل السياسي بين المعارضة والحراك الجنوبي، وتبقى نقطة الخلاف عدم اعتراف المعارضة بأن أبناء الجنوب هم (المعنيون) بالحوار في قضية الجنوب.

وبالعودة إلى السؤال الآخر الذي يطرح نفسه، ولابد من الإجابة عنه، ما هي الأسباب والدواعي التي جعلت السلطة تطلق هذه الدعوات المتكررة؟ فإننا نلخص ذلك بالآتي:

-1 القارئ السياسي والمتابع الحصيف والقريب من المعترك السياسي ومجريات الأحداث، سيقرر، وبصراحة، أن الحراك السلمي الشعبي الجنوبي والضغط المتواصل خلال عامين من النضال السلمي هو السبب الرئيسي الذي أجبر السلطة على إطلاق هذه المبادرات المتكررة، نعم إن هذا النضال السلمي المكتوب بدماء الشهداء والجرحى وآهات السجون والمعتقلات وتضحيات أبناء الجنوب وثباتهم على الأرض.. هذه التضحيات هي التي كانت المحرك الرئيسي للهيئات الدولية والإقليمية لوضع قضية الجنوب في الأجندة السياسية، وفي نفس الوقت فإن عدالة القضية الجنوبية ومشروعيتها القانونية والسياسية يعد السبب الرئيسي الذي أجبر السلطة على إطلاق دعواتها المتكررة للحوار مع قيادة الجنوب في الخارج وفقا لدستور دولة الوحدة.

-2 السبب الثاني أن السلطة تدارست الموقف، وكما تفعل في تحليل مجريات وتطورات الحراك السلمي الجنوبي منذ انطلاقته، فتوصلت إلى نتيجة واقعية مفادها أن توجه أبناء الجنوب وعزمهم توجه صادق مدعوم بقناعات راسخة لاتقبل المساومة، وأن هذا التوجه يتعاظم يوما بعد يوم، وقد ارتفع سقف الحراك بارتفاع منسوب الدم الجنوبي الذي يسفك في شوارع مدن وقرى الجنوب، وتوصلت السلطة إلى استنتاج آخر، أن الحوار هو الوسيلة المثلى لفض الاشتباك القائم بين الجنوب والشمال، بعد أن فشلت السلطة في استخدام أساليب القمع والقتل والاعتقالات وأساليب الترغيب والترهيب.

لكننا على قناعة تامة بأن سياسية المكايدة والمخادعة سلوك لن تتخلى عنه السلطة، وتنوي من مبادراتها هذه خداع شعب الجنوب مرة أخرى، محاولة تنويم الحراك مغناطيسيا، ولكن «لايلدغ المؤمن من جحر مرتين»، ولا خيار أمام شعب الجنوب إلا استعادة حقه المشروع «الحرية لاتوهب إنما تنتزع».

في الختام أجدها فرصة سانحة بمناسبة الحديث عن وثيقة (الدستور) أن أتقدم بمقترح متواضع إلى زملائي في قيادات تكوينات الحراك الجنوبي، وبعد اطلاعنا على الرؤى والبرامج لكل هيئة، وأصدقهم القول إن هذه الرؤى لاتجدي نفعا في وضع القضية الجنوبية، لكونها اجتهادات شخصية من غير المتخصصين بالقانون الدستوري، وعليهم استغلال الوقت والخروج من حلبة الحوارات بتلخيص هذه الرؤى والبرامج وإعادة صياغتها بشكل قانوني كأسس سياسية واقتصادية واجتماعية وتبويب تشريعي في وثيقة سياسية قانونية تسمى (مشروع الدستور)، ولابد من التمييز بين برنامج عمل نضالي تحالفي بين مكونات العمل السياسي مؤقت ينتهي بانتهاء المرحلة النضالية وبين وثيقة دائمة (مشروع الدستور) كوثيقة إجماع وطني، تحدد فيها أسس الدولة بكل المجالات، وهذه الأسس هي التي تحدد الملامح لشكل الدولة وطبيعة نظام الحكم وغيرها من الأسس التي يبحث العالم الخارجي عن معرفتها لكي يطمئن على مصالحه السياسية، أما ما يسمى برؤى هيئات الحراك التي تتنافس للأسف الشديد على ما يسمى بسقف مرتفع وسقف منخفض فإن العالم لايلتفت لها ولاتعنيه ولاتندرج ضمن اهتماماته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى