ردفان حجار ورجال

> عبدالقوي الأشول:

> هناك عند تلك القمم عجزت إرادة المستعمر بطائراته وقواته العسكرية عن إخماد لهيب مقاومتهم الضارية، بسطاء قنوعون يمتازون بالسماحة والتواضع إلا أنهم أشداء عنيدون لا يمكن النيل منهم بالمساومات.

إذ لم يساموا قط على حريتهم لا يخشون وعورة الدروب التي يسلكونها في سبيل العزة والكرامة.. وصفوا بالذئاب الحمر عرفت ساحات الوغى صولاتهم في أنحاء الوطن..هم هناك عند فجر سبتمبر وأكتوبر، وليس الردفانيون وحدهم من لعب هذا الدور فذاكرة التاريخ تشير إلى ردفان ودثينة وعدن ولحج وأبين ويافع والضالع وحضرموت وشبوة وكل أجزاء الوطن الممهور بتضحيات جيل الآباء والأجداد .. تاريخ لا يؤسس إلا لما هو غني وعظيم فأي مفارقة تلك التي تجعل فوهات المدافع والدبابات موجهة صوبهم، صوب قراهم الفقيرة إنها من دون ريب تشعرهم بالاستفزاز والإهانة.. خصوصاً وقد بلغت معاناتهم أشدها في ظروف حياة لاتتوفر معها أبسط مقومات العيش الكريم بعد أن أحكم حصارهم.

ردفان هي بحق وكما وصف أحد القادة السياسيين ذات يوم وضعهم بالقول هي حجار ورجال.. تعبيراً عن واقعهم الجغرافي الصعب وصلابة الأبناء والصخور المنتمين إليها.

فهل تجدي المواجهات المسلحة وسفك الدماء البريئة مع هؤلاء؟

وأي أهمية لتلك الاستحداثات العسكرية في محيط قراهم؟ ثم إن المواجهات لا يمكنها أن تسكت أصواتهم المطالبة بالحقوق المشروعة والواضحة.

إن أحدا لا يريد للأمور أن تبلغ مستوى من المواجهات والتحدي التي ستزيد الوضع تعقيداً ومعاناة، ثم إن الوضع لا يحتمل فتح بؤر صراع جديدة، فعبر الأمس واضحة النتائج.

وردفان التي يريد لها البعض أن تنزلق لمستوى مواجهات غير متكافئة لا ينبغي لها أن تنجر لذلك قدر ما يمكنها فعل ذلك، ومع ماتواجه من استفزازات متعمدة، فمواجهات على هذا النحو لاتخدم أحدا لا في السلطة ولا المعارضة آملين أن تكون السلطة أول من يبادر فعلياً بنزع فتيل مثل هذه الأزمات المرشحة للظهور في أكثر من منطقة بسبب سوء التعاطي مع قضايا التعبيرات السلمية بهذا القدر من الإفراط في استخدام القوة والقمع سبيلاً لإسكات الأصوات المعبرة عن ما لديها من معاناة وما تعيشه من واقع لم يعد بالإمكان احتماله أو مداراته.

فإدارة قضايا الوطن على النحو الذي يجري لا يؤسس لعقد اجتماعي جديد ولا يمكن البناء على مثل هذه الطرق القمعية بنزع فتيل الأزمات المستعرة، وتجاهل القضية الجنوبية مكمن الخطأ العميق الذي أدى إلى تنامي التعبيرات السلمية بهذا القدر، فعلى المراهنين على القمع ومواجهة الجنوب بهذه القسوة واستعراض القوة أن يدركوا أن صيفاً ساخناً قد بدأ عده التنازلي وأن البلاد على شفا هاوية بعد أن بلغت حالة التردي على أكثر من صعيد منتهاها.

فغياب التنمية وعدم الاستقرار السياسي وتنامي الفساد وتفشي البطالة والفقر والمظالم توحي بعواقب وخيمة إن لم يتم تدارك الأمور بمسؤولية وعقلانية، وقراءة واقعية للوضع إذ لا يمكن تجاوز ذلك بإطلاق العنان لتصريحات نارية لا تزيد الأوضاع إلا مزيداً من الاحتقان والشحن والبغضاء.

ولعل الإشارة إلى نماذج الممارسات الفاسدة وذوي الثروات الطائلة.. باعتبارها مسؤولة عن ما آل إليه الوضع من تردٍ هو عين العقل والصواب.. عوضاً عن توجيه التهم لأولئك البسطاء من أبناء الجنوب وردفان تحديداً بالعمالة والارتزاق غير مدركين ومقدرين صبر هؤلاء طيلة ثمانية عشر عاماً من المعاناة والإلغاء والقهر والإقصاء والصبر والتضحية.. فحق هؤلاء من دون ريب لايسقط بمشيئة البعض أو بالتقادم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى