رحلة إلى تُلَّب .. (2-2)

> «الأيام» عادل المدوري- تصوير/ هادي الشبوطي:

>
قرى تُلَّب
قرى تُلَّب
استطلاع «الأيام» في عزلة تُلَّب الواحة البديعة بالجبال الشرقية لمدينة لبعوس، يواصل ذلك الحوار بين التاريخ والحاضر، ويؤجج الصراع بين قسوة الجبال في تلك البقعة النائية ورحمة الطبيعة التي وهبها الله سبحانه وتعالى أسباب الحياة في الواحة التي لا تعود فرادتها إلى العمارة وحدها، بل تعزي إلى العادات والتقاليد المروية والمدونة الباقية والزائلة على حد سواء.

فعزلة منطقة تُلَّب في قلب مثلث رؤوس زوايا مكتبي اليزيدي والناخبي وشعب العرب جبل اليزيدي جعل هذا الناي فضلا في تفردها.

العزلة وحدها لا تكفي لخلق حوار، وهذا جدل آخر تطرحه «الأيام» يؤكد ضرورة العودة إلى قراءة الجذور لبناء المستقبل وحصد الثمار، وجذورنا التي يمتد أصلها في قلب الحضارة الحميرية تكتشف بصيصها نور، وتتلمسه على صفحات هذا العدد عبر قراءات في حوار التاريخ وتواصل عبر الثقافة.

الموطن الأصلي للحميريين

عندما توقفت في منطقة لاحظت وبكل وضوح تجاهل وسائل الإعلام للمناطق النائية والبعيدة عن عواصم المحافظات خصوصا، وتركيز جل إمكاناتها في نشر ما هو متعلق بأخبار الحضر وثقافة الاستهلاك وتحركات المسؤولين، وتبين لي أننا نحن أيضا مقصرون تجاه مناطقنا انطلاقا من أن من حق كل مواطن يمني في جنوب اليمن وشماله التعرف على جوانب الحياة والعادات والتقاليد والآثار وغيرها في كل منطقة من مناطق اليمن، خصوصا تلك المناطق التي يصعب زيارتها، إما لوعورة الطريق أو لعدم وجود مرافق سياحية تمكن الزائر من المكوث.

قرية نبب
قرية نبب
وانطلاقا أيضا من أن حفدة حمير بحاجة إلى كتاب وصحفيين يجيدون فنون التعبير وملكة الكلمة كي يرسموا الصورة الحقيقية لسر حمير للآخرين عبر وسائل الإعلام ولإعطائهم فكرة سليمة عن أحوالها.

تروي الأساطير أن الجبال العالية بقممها المهيبة هي موطن الرخاخ الجبارة، والنور الأسطورية والجنيات الخارقات، وأن الإنسان المفعم بالتحدي الكلي الطامح الطموح كله هو من يجرؤ على التفكير أن يكون مقامه هناك.

(عزلة تُلَّب) ذلك الموطن من يافع حيث تتطاوله الجبال المهيبة، وتنتشر القمم الشامخة يسكن الإنسان من (آل حسن الحميري، آل جابر الحميري، آل بكر الحميري، آل فليس، آل عبد، آل عاطف، آل الحاج، آل بن جهيد، آل سالم معوضة وآل سعيد عامر).

هذه القبائل وهذه الفخائذ من الأصول الحميرية تتوزع على قرى في عزلة تُلَّب وهي: (نبب - دار الصلابة - القرية - ذراع المعلامة - ضرمئة - الدقة - أسفل هربة - أسفل تُلَّب - القرن - دور الصلابة وبين العطوف وهو ملم لتُلَّب).

من الكتب القديمة
من الكتب القديمة
الزراعة في تُلَّب

وادي تُلَّب يقع في السهول والمنخفضات التي يطلق عليها ساكنو المرتفعات المشرفة اسم (السيل) بكسر السين وفتح الياء، وهو واد خصيب غني بزراعة البن والقات وأنواع الحبوب والفواكه.

ويقال إن في عزلة تُلَّب 20 ألف شجرة بن، وتعتمد الزراعة بالدرجة الأولى على مياه الأمطار ومن خلال السيول الآتية والمتدفقة من جبل اليزيدي - هربة - جبل ذي كباب - صوان، وهي أسماء لجبال وشعاب تهدي المزارعين كميات من المياه الغزيرة في موسم الأمطار.

وتتوفر إمكانية لبناء سدود لحفظ المياه في مواسم الأمطار في الشعاب والجبال في تُلَّب بحيث يمكن إحياء الزراعة وخصوصا شجرة البن التي يضربها الجفاف طولا وعرضا ناهيك عن العطش الذي يجتاح الإنسان والحيوان في تُلَّب.

تتوزع المناطق الزراعية في أماكن واسعة في الحقول الصغيرة المحاذية للسايلة التي يمر بها السيل، وكذلك في معظم الجبال والأشعاب، وهي: (جبل مسعود - وادي المضيف - وادي هربة - صعيد تُلَّب - شيهة - النمرة - حمرة - بوني - تي الشيب).. وفيها ترسم المدرجات، وكم هي رائعة في علوها الشاهق وشموخها العتيد، خاصة في مواسم الأمطار حين تبدو المدرجات الزراعية لابسة أردية خضراء تتنقل العين فيها من الأدنى إلى الأعلى عبر أشرطة تتسع هبوطا وتضيع صعودا هي أشبه ما يكون لوحة قررت يد الفنان المبدع إضواءها وظلالها تقديرا.

الشعر والغناء والفنون

تزخر (عزلة تُلَّب) بالفنون الشعبية والأدب الشعبي مثلها مثل بقية مناطق يافع وإن كان لكل منطقة ما يميزها في اختلاف بسيط في العادات والتقاليد من منطقة إلى أخرى، فإن مناطق يافع عموما شهرتها بإجماع كل المعنيين بالفن والأدب.

تعددت مظاهر الفن الشعبي بين الأغنية والرقصة والحكاية والأسطورة والقصيدة وما إلى ذلك، كله تشكل مادة (المأثورات الشعبية) أو (علم الفكلور الشعبي). ولن ننسى الانطباع الجميل الذي يتركه الشعراء الشعبيون، وهم: (عبدالله حسن الحميري - وزير عبداللاه الحميري - محمد محسن بن سالم معوضة - سالم صالح بن سعيد عامر - ناصر محمد بن سالم معوضة - عبدالوهاب محمد بن سالم معوظة - العامري محمد محسن أبوعادل).

وهناك قافلة من الشعراء السابقين الذين رحلوا عن هذه الديار، وهم: (عبد الرب صالح بن سالم معوضة - حميد عبدالكريم عاطف - عمر عبدالله الصريمي - حنش بن عاطف - صالح ناصر بن عاطف).

وأعمالهم البعض منها ضائعة للأسف الشديد والبعض الآخر محفوظة في ذاكرة بعض المواطنين.

وقد حصلنا على أبيات لشاعر متوفى من ذاكرة أحد المواطنين، وهي للشاعر حميد عبدالكريم عاطف - رحمه الله - منها:

ليت البحر يرجع مرق

والصحري الوسيعة عصيد

كانوا يشبعون السرق

ذي شلو مرتب حميد

بيلومون لأحد نطق

وتكلد بكلمة أكيد

قالوا ذا يريد العلق

... إلى آخر القصيدة

دلة قديمة
دلة قديمة
ولا يوفتني أن أختتم الحلقتين اللتيين كتبناها حول رحلة «الأيام» إلى تُلَّب أن أشير إلى الأغنية اليافعية التي تبوأت مكانا رفيعا من تاريخ الأغنية اليمنية.

أقول هذا وأنا أعلم أن ليافع تراثا فلكلوريا يتمثل بالأغنية الخاصة بموسم الزراعة وحفلات الأعراس والأعياد وغيرها من المناسبات العامة.

أتمنى لكل مواطن يمني في القريب زيارة يافع بعد شبه استكمال الطريق الأسفلتية في مدينة لبعوس ووجود المرافق الفندقية كفندق ابن لطيف وفندق أكتوبر لينعم بالمناظر الخلابة للجبال الشاهقة والأودية الجميلة والمدرجات الزراعية الخضراء والتقاليد والعادات اليمنية التاريخية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى