الوحدة والديمقراطية والتعددية في مرحلة الشيخوخة

> محمد علي محسن :

> «الوحدة اليمنية فجر داهمه الظلام قبل ملاقاة الصباح» هذه آخر رسالة استلمتها وقرأتها في الهاتف ووجدت فيها تعبير لما حدث للوحدة من تشويه وعبث طال جوهرها الأصيل.

لماذا اخترت الرسالة من بين عشرات الرسائل الناصحة أو القادحة أو المشيدة بالوحدة ربما وجدت الصدق والواقعية في هكذا وصف للوحدة المختلة أعمدتها وبنيانها مذ اليوم الأول واللبنة الأولى وحتى الوقت الحاضر والمهددة فيه بالسقوط على رؤوس الجميع، وقد يكون هذا الاختيار دافعه الرئيس اتفاقي مع كاتبها حول فكرة الوحدة التي هي قيمة إنسانية عظيمة متى ماكانت غايتها منفعة وخدمة المجتمعات المتحدة والعكس صحيح إذا ماتم إفراغها من مضمونها الإنساني والحياتي في مصلحة فرد أوجماعة أو طائفة أوقبيلة أو منطقة .

نعم الوحدة ياصاحب فجر انتظرناه طويلاً وحينما بدأت تباشيره تصافح عيننا داهمنا الليل من حيث لاندري أو نتوقع عائداً بنا لقرون الجاهلية الأولى ومن يعلم كيف سنكون في مرابع العشيرة والفخيذة القبيلة إذا ماعدنا لحماها ورجالها وصناديدها، ولأننا على مسافة أيام من الذكرى التاسعة عشرة لقيام الوحدة فإنه يتوجب التفكير بما وقع لهذا الكيان الوحدوي من هزات متتالية هي أكبر منه وبالتالي صارت مهمة إعادة البناء والتأسيس لوحدة جديدة قابلة للاستمرار والبقاء أكثر جدوى وواقعية من عملية الترميم والحماية للبيت الواحد المهدد في أية لحظة بالسقوط نتيجة لهذه التصدعات والشقوق التي أصابت جدرانه وأساسه، كما أن فكرة مثل هذه ربما ستنقذ البلد وأهله من الحالة الراهنة في ظل لاوحدة ولا انفصال ولا أمان .

مشكلة الوحدة القائمة لايمكن معالجتها بالبيانات والخطب المحرضة على حمايتها أو مغادرتها، فمثل هذه الأشياء لاتوجد وحدة مستقرة أو تبشر بانفصال مطمئن، مشكلة الوحدة القائمة أن كل شي فيها صار هرما وشائخا ومشوهاً ابتداء بطريقة إدارتها من الحكم مروراً بالديمقراطية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وانتهاء بدستورها وفكرها ومجتمعها، جميع هذه المسميات شاخت وهرمت فكيف لها التصدي لمواجهة الحاضر المتشظي بكثير من التشوهات والاختلالات الحاصلة في كنف الدولة الموحدة والمستقبل الحامل بكل نذر الماضي والحاضر !!

الوحدة والديمقراطية والتعددية بعد هذه السنوات أظنها وصلت لمرحلة من الشيخوخة المتأخرة والمصاحبة لها عادة الدرن والتبلد والعطب الذهني والفكري والبدني، لذا فإن عقلية مثل هذه صارت خارج سياقها التاريخي والسياسي والمنطقي، كما أن خطرها وضررها على الوحدة المجتمعة وعلى التعددية السياسية وأدواتها ووسائلها وعلى وحدانية الدولة أو تجزأتها ماثلاً ويستدعي منا جميعاً البحث في سبل إنقاذ بلد وشعب من صوملة قادمة وليس عن طرق للهرب إلى المجهول، المعضلة هنا لاتتعلق بوجه الوحدة أو الديمقراطية المشوهين فحسب إنما يمتد هذه التشوه إلى روح وفكر هاتين المسألتين ودون توافر العقلية السياسية الخالية من عقد وصراعات وتفكير حقبة الاستبداد والتشطر يصعب الحديث عن الديمقراطية ودون وجود أحزاب وقيادات وهيئات وأفكار نابعة من حاجة التعددية والمجتمع والواقع المعاش لايمكن توقع التداول السلمي للسلطة ودون صيغة جديدة وتجسيد جديد لفكرة الوحدة ودونما وجود عقلية وآراء حرة وصادقة خالية من رواسب الماضي الثوري والأيديولوجي والشطري فإنه يستحيل المراهنة على وحدة أو انفصال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى