الرفيق قبل الطريق..

> فضل النقيب:

> أسوأ رفيق في سفر الحياة هو عقل الإنسان إذا كان يستقبل ولا يرسل، يخزن المعلومات ولا يحلل، وعيناه إذا كانتا تبصران بلا بصيرة ويخدعهما القناع المزوّق فلا تريان التشوه الذي يحاول القناع لتستر عليه لإخفائه.

وأذناه إذا كانتا تطربان للمديح الكاذب والملق الزائف والألقاب الطنانة الجوفاء تتقطر من طرف اللسان يحسبها الغافل سلسبيلا وهي سم زعاف يطفحه أولئك الذين قال فيهم الشاعر:

يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب

ومن الواضح أننا نظلم الثعالب إذا شبهناها ببعض الناس لأن الثعالب وغيرها من ذوات الظفر والناب من الوحوش الضارية وذوات الأظلاف من الأوابد الجارية والجوارح المنقضة الهاوية كسهام القدر والحيات ذوات الأجراس الناهشة، تصدر فيما تأتيه وفيما تعف عنه عن الغريزة وحب البقاء، فهي لا تعي ما تقدم عليه فحكمها حكم من رفع عنه القلم من الصبية والمجانين، أما الوحوش البشرية فهي تقدم بوعي وتجرم بسعي وتبيت بسوء طوية وفساد نية، وقد تقتل القتيل وتسير في جنازته تذرف الدموع إمعانا في الخديعة وتربصا بمشيع غافل يثني على الوفاء الذي انعدم في الناس وتجلى في مظهر الوحش الحزين الدامع، الذي يضع قفازا من حرير على يد ناقمة ظالمة لا تتورع عن الغدر بالقريب والغريب وبالصاحب والحبيب إذا عرضت لها بارقة مصلحة، أو لاحت أمامها فرصة سانحة، فالحياة بالنسبة لصاحبها شاة من ظفر بها ذبحها وسلخها وأكلها، أما المُثل والقيم ومكارم الأخلاق وغشيان الوغى والتعفف عند المغنم المسموم، فهي بالنسبة إليه بضاعة عجز ومرتع وخيم لا يرتاده سوى الرعاة الصالحين الذين ينأون بأنفسهم عن التغميس في الحرام فهم يتبرأون من اللئام، ولو باتوا على الطوى يربطون الأحجار على بطونهم في البرية أو يخضدون الشوك من أشجار الغضا النارية، أو يلهثون وراء السراب في صحراء التيه وكثبان الرمال المتحركة الوحشية.

حذار من أصدقاء آخر الزمن الذين قال فيهم البردوني:

والصداقات كالعداوات تؤذي

فسواءً من تصطفي أو تعادي

هما منهجان في الحياة وطريقان للعيش فاختر لنفسك ياصاحبي، فإذا أردت أن تنام قرير العين مطمئن الضمير يحسدك الملوك على السكينة والقناعة والرضوان فانهج نهج الرعاة الصالحين، وستكون عند الله من المقربين وعند البشر الأسوياء من الأتقياء النورانيين:

ليس من يقطع طرقاً بطلاً

إنما من يتقي الله البطل

وإذا أردت المال والبطرة وسوء الأحدوثة في الدنيا والآخرة بعد أن قتلت ضميرك وغدرت بسميرك فعليك بمنهج قطاع الطرق الذين لا يبالون من أين جاءهم الدرهم والدينار، يقتلون النفس التي حرم الله ويئدونها ولو كانت طفلة رضيعة،«وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت»؟ وقد تكون الموءودة ذمة مغدورة، أو أمانة مهتوكة، أو حقا ذبح من الوريد إلى الوريد.

لا يغرنك يا صاحبي بريق هؤلاء وأبراجهم العالية وسياراتهم الغالية، ومآكلهم الفارهة، فهم يأكلون السحت وهو حار ونار تشوي البطون، فتجنبهم واهرب من رفقتهم كما يهرب الصحيح من الأجرب، وخذ برأي أبي الطيب:

فقد يتزيّا بالهوى غير أهله

وقد يصحب الإنسان من لا يشاكله

زعموا أن قاطع طريق في بلادنا تربص بسيارة عابرة قادمة من المهجر يقودها صاحبها المهموم بديونه والذي جرى تسريحه من عمله وكان وحيدا يتفكر في أمره ويشكو همه إلى ربه، فما هو إلا أن بادره قاطع الطريق بزخات الرصاص التي أردته قتيلا ثم تدهورت به السيارة، فلما فتشه القاطع لم يجد معه شيئا وعلم أنه لا يستطيع أخذ السيارة لأنها ستفضحه فأخذ يصيح به مؤنبا: وين شقاك يالخام؟ وين شقاك يالخام؟ إيش كنت تسوي بالغربة؟

لقد سبق السيف العذل ووقع الفأس بالرأس وراح الرجل المسكين بشربة ماء، أما قاطع الطريق الذي يدرك أن القتل الأول هو المؤرق، وما بعده قطاف عنب، فقد واصل عمله يتربص لسيارة جديدة يقودها أحد مساكين البر ممن لا يعرف ما يخبؤه له القدر، وهكذا يشقى «الخام» ويحصد قاطع الطريق المرام، ولله في خلقه شؤون.

الخلاصة ياسيدي: انصب موازين العقل وعايرها على الدوام كموازين الذهب، ودرب عينيك على رؤية ما وراء القناع، وحد أذنيك لتميز الفحيح من اللفظ الفصيح، وزائف اللحن من أصيله، ثم لا تشتكي بعد ذلك لأحد، فإنك مهما تحوطت لابد أن تلدغ ولو من برغوث واحد تسلل من المستنقع، ثم إن الشكوى لغير الله مذلة.. ونعم بالله وكيل المتوكلين، وقديما قالوا: اسأل مجرب ولا تسأل طبيب. أبو الطيب:

ولا تشتك إلى خلق فتشمته

شكوى الجريح إلى الغربان والرخم (الخسيس من الطير)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى