الجاهلية المؤمنة!!

> صالح علي الدويل:

> لكلفتني ذنب امرئ وتركته **كذي العر يُكوَى غيره وهو راتع ** النابغة الذبياني ..عندما يصيب الجرب بعيرا محبوبا للجاهلي فإنه يسارع ويحضر بعيرا سليما ويكويه آملا أن يشفى بعيره الأجرب!!

على أن ذلك الوهم لم يشف الأجرب من جربه بل ولم يمنع انتشار الجرب إلى بقية الذود!!! لكن هذا المعيار لم يكن مقياسا ينظم كل شؤون حياتهم إذا كانوا يهبون لنجدة المظلوم ويدفعون الظلم عنه، أما جاهليتنا وهي تغض الطرف إن لم تكن ترعى بعض عادات تلك الجاهلية إلا في مداواة إبلها وفي اعتقاد تراه ناجعا لعلاج ذلك المرض أخذته جاهليتنا اليمنية وطورته وجعلته سيفا مسلطا تضغط به وتساوم به وتكمم الأفواه به.

إن جاهليتنا اليمنية مؤمنة تخاف الله وتتقيه فهي لا تحمي المجرمين والقتل تحت مسميات شتى!! بل إنها تعمل بسنة نبيه وتستحضر هديه وهو يحدد آثار الظلم عندما يفتك بالأمم ويفنيها حين تصبح معاييرها لتحقيق العدل مختلفة بين شريفها وضعيفها، وكيف أن الله أحيا قتيلا تدارأ قومه كي لا يرموا به بريئا فهل وصلت جاهليتنا المؤمنة؟! إلى تلك المهاوي السحيقة من الغي وهي ترى بريئا يرمى بجريرة مجرم أو أن دماء الناس وأموالهم وحرياتهم أصبحت مفردات مباحة ضمن مفردات تحقيق المآرب لجاهليتنا المؤمنة!!.

إن أحمد المرقشي نزيل السجن المركزي والمعروض أمام المحاكم موثق بالأغلال دافع عن مال يرقى إلى مرتبة ماله فهو أمين عليه فلو قتل دونه لارتقى ونال مراتب الشهداء، بينما ينحدر مهاجموه ومن يحميهم إلى حضيض الحرابة والإفساد في الأرض، فأي إفساد وحرابة أوضح من اعتداء مسلح في وضح النهار على نفس آمنة أو مال آمن أو عرض آمن ويظل المهاجم المعتدي المنتسب للدولة حرا طليقا؟!، ويلقى في غياهب السجون بمن دافع عن ماله أو عن مال بعهدته، لكن «الإناء ينضح بما فيه»

لا نريد للمرقشي إلا العدل، لكن قضاء لا يستطيع أن يحضر إلى ساحته مفسد مسلح منتسب للدولة يسطو على حقوق العباد ويكتفي بمساءلة ومحاكمة المدافع الأمين على ذلك الحق هذا القضاء لا ينبغي أن يفاخر باستقلالية وعدم الوصاية عليه إلا إذا وصلت تحرياته كل المظان واستقصت كل الشبهات لأن المسكوت عنه في هذه القضية أنها قضية تكميم أفواه، فمكان الاعتداء ليس «كشكا» عشوائيا لبيع السجائر ولا عقارا منهوبا من العقارات التي ينهبها جنرالات النهب، بل هو عقار لعلم إعلامي واجتماعي كبير لا يملك إلا قلم وصحيفته الحرة، مع وجود قرائن متواترة في مسرح الحدث تؤكد براءة السجين الرهينة من دم المغدور وأن المغدور نال طلقة قاتلة من الخلف بينما السجين الرهينة في الواجهة!!.

إن هذا القضاء بحالته هذه هو المؤشر الواضح لمهاوٍ سحيقة تنتظرنا، وإن أمة لا يدين القضاء فيها لله بالعدل والإنصاف أمة جاهلية حتى وإن قرأت القرآن، بل إنها تسير بالمعادلة المقلوبة التي يتحول فيها الجلاد إلى ضحية وتشرعن بذلك للفساد والإفساد والقهر والظلم والاستبداد واستلاب الحريات، وإن قاضيا لا يستطيع على أقل تقدير أن يجمع المفسد المحارب والمدافع الأمين في ساحته وتحت منصته، بل يكتفي بسلب حرية المدافع ومساءلته ومحاكمته غير خليق بالمهنة بل أكرم له عندالله وعند الناس أن يعمل خبازا أو عتالا ويترك منصة القضاء إن لم يكن سيدها.

إن المرقشي وهو يغالب آلام السجن وفراق الأهل، ومهاجمة حر طليق محمي برأس من تلك الرؤوس التي لا تستطيع العدالة المحلية استجلابها أو استجلاب أدواتها إلى ساحاتها ناهيك عن مقاضاتها إنما هو عنوان لظاهرة تؤكد أنه إلى جوار ذلك الرهينة البريء في زنزانته تقبع العدالة مكبلة بمعناها السماوي والإنساني في ظل صمت مميت للنخب الدينية والسياسية والحقوقية، بل عدم اكتراث لتنامي هذه الظاهرة من بعضها على أن هذه العدالة السجينة قد ينجدها يوما ما سوانا فيفعلونها لمصالحهم وسوف نصرخ ونندد بعد أن كبلنا العدالة بين ظهرانينا وحولناها وسيلة قهر أو سكوت عليه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى