بلى لقد سالت الدماء

> د.عيدروس نصر ناصر:

> مايزال الإخوة المنتصرون في حرب 1994 يمنون علينا نحن المنهزمين، بأن رؤوسنا باقية على أعناقنا بفضلهم, وإننا لولاهم لما كنا اليوم أحياء نأكل ونشرب ونتنفس الهواء.

ذلك لأننا نحن المهزومين ينبغي أن نكون في عالم العدم لولا حلمهم وتسامحهم وصفحهم عن جريمتنا الكبرى, وهي الانهزام أمام جحافلهم الجرارة التي استباحت الجنوب أرضا وإنسانا وثروة وتاريخا، وحولته كله إلى غنيمة حرب بيد المنتصرين تماما على غرار حروب القبائل العربية في الجاهلية.

وغالبا ما يكرر الإخوة المنتصرون بأنه يكفي أنه لم ترق قطرة دم واحدة منذ حرب 1994، ولست أدري كيف يصنفون الدماء التي سالت في الحبيلين والضالع وطور الباحة والمكلا وجحاف والشيخ عثمان، أهي دماء بشر أم إن هؤلاء الذين أزهقت أرواحهم وأريقت دماؤهم والذين تعرضوا للإعاقات المزمنة بسبب الإصابات على أيدي رجال الأمن ليسوا من بني الإنسان؟!.

الأحداث المتوالية التي تشهدها الساحة الجنوبية واليمنية عموما أثبتت أن من انتصروا في حرب 1944 وتولوا إدارة شؤون الوحدة ليسوا مؤهلين، ليس فقط لإدارة البلد، ولكن حتى لإدارة حارة كبيرة في هذا البلد، وإن كل مؤهلاتهم هي في الاستباحة والنهب والتعامل المهذب مع القتلة والمجرمين وقطاع الطرق.

لقد أطلقوا أيدي اللصوص والنهابين والعابثين ليفعلوا بأرض الجنوب وإنسانها وتاريخها ما يشاؤون، متباهين بما يفعلون، وكأنهم يقولون لنا: ألسنا منتصرين؟ إذن فمن حقنا أن نفعل ما نشاء، لأن منطق المنتصر والمهزوم يسمح لنا بذلك، أما المهزومون فما عليهم إلا أن يموتوا بغيظهم، فهم ليسوا سوى مهزومين، وكل حقهم علينا هو إبقاء رؤوسهم على أعناقهم إن شئنا.

والأغرب من هذا أن الشرفاء والوطنيين والصانعين الحقيقيين لمحاولة التوحيد قد أصبحوا خونة وعملاء وانفصاليين ومتهمين في وطنيتهم وفي انتمائهم، بينما تحول اللصوص وناهبو الأراضي والعابثون بالثروة وبالإنسان بل وبالتاريخ إلى وطنيين وشرفاء ووحدويين ومخلصين، يحصلون على الألقاب مثلما يحصلون على الهبات وعلى حصصهم في الشركات ونصيبهم من الأموال العامة والأرض المنهوبة ووكالات الشركات الاستثمارية.

وبمضي السنين كان الجرح يتسع باتساع حجم النهب والإهانة والعبث والسطو والاستبعاد، حتى بلغت الأمور ذروتها، فلم يعد بمقدور أحد التحمل أكثر مما تحمل.

جيدٌ أن ينتبه السادة الحكام إلى وجود مشكلة في الجنوب، وأن يقروا بوجودها، وإن كان هذا الانتباه وهذا الإقرار قد جاءا متأخرين، على أن الأهم ليس الإقرار والاعتراف بهذه القضية، بل كشف أسبابها الكامنة في كل ما ترتب على حرب 1994.

السادة الحكام لايودون الاعتراف بأنهم فشلوا في إدارة المشروع الوحدوي وتحويله إلى عامل نهوض وتقدم وسؤدد وكرامة وزهو وتحقيق المواطنة المتساوية، وتنمية الإنسان المغلوب على أمره في هذه الأرض ، وإن كل ما نجحوا فيه فقط هو مراكمة ثرواتهم وزيادة أرصدتهم في البنوك وتضخيم المؤسسات والشركات التي يملكونها من خلال توسيع دائرة النهب، ونسوا أن كل هذا لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوتر والسخط والرفض.

إنهم يسيئون التصرف، ويطلبون منا نحن الضحايا أن نعالج لهم عواقب سوء تصرفهم، وإذا ما تجاوزنا السقف المسموح في الصراخ فنحن المذنبون، أما الجلادون فهم يتسترون عليهم بل ويكافئونهم، وتلك لعمري قمة المفارقة.

إنهم ما إن يتذكروا فشلهم في إدارة البلد ونجاحهم في تدمير المشروع الوحدوي حتى يذهبون للبحث عن ذرائع لدى ضحاياهم ليذكرونا بصراعات الماضي الجنوبية الجنوبية، ويتجاهلون أن هذه الصراعات (على ما فيها من مساوئ) لم تكن تتعرض للشعب بل كانت تدور بين السياسيين، وهي في كل الأحوال لا تصلح لتبرير ما يعانيه أبناء الجنوب اليوم من مظالم التهميش والنهب والإقصاء والمواطنة المنتقصة والحرمان من أبسط الحقوق.

أخيرا نقول للذين يقولون لم ترق قطرة دم، بلى، لقد أريقت الدماء وأزهقت الأرواح، ونهبت الحقوق، وإن كنتم لاتعلمون فاسألوا عن ضحايا المنصة والهاشمي والمكلا والصبيحة وجحاف والضالع من القتلى والجرحى بدءا من بن همام وبارجاش، وانتهاء بياسر حسين ولول الحالمية، إلا إذا كان هؤلاء ليسوا من مواطني البلاد التي تديرونها!.

برقيات سريعة

> الأخ أحمد بن دغر قال إنه من حق المواطنين أن يمتلكوا أراضي في أي مكان. أعتقد أن ثقافة الأخ بن دغر تسمح له بالتمييز بين التملك والنهب، ولست أدري كم من الكيلومترات يملكها الأخ بن دغر في صنعاء وإب وذمار وتعز.

> لا أدري لماذا يحرص الأخوة المنتصرون في حرب 94م على تذكير الجنوبيين بصراعاتهم، ولايقولون شيئا عن الصراعات الشمالية ـ الشمالية منذ العام 1962، وكم عدد الضحايا الذين ابتلعتهم تلك الصراعات.

> قال لي أحد الباحثين الاجتماعيين الأكاديميين إن عدد المصابين بالحالات النفسية من اكتئاب وانفصام وجنون بعد حرب 1994 في محافظات الجنوب تجاوز الآلاف، وإن عدد الذين انتحروا من ضحايا حرب 1994 بلغ المئات، وهؤلاء هم أيضا من ضحايا القتل البطيء بفضل السياسات العرجاء لسلطة 7 يوليو.

> رحم الله رئيس تحرير صحيفة «الفرسان»، الكاتب الصحفي عادل الأعسم، وننتظر ما تتمخض عنه متابعة نقابة الصحفيين والسفارة اليمنية بالقاهرة لكشف ملابسات الوفاة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى