توصية إلى أكثر من طرف

> أحمد عمر بن فريد:

> عادة ما تخطئ السياسة في تقدير نتائج إرادة الشعوب, ويحدث هذا في أغلب الأحيان حينما تتعاطى السياسة مع معاناة الشعوب من مواقع فوقية, تعتمد في تقديراتها على النظريات والتقديرات الدفترية التي تصل إليها في مغلفات وملفات أنيقة.

أناقة مقدميها وصانعيها ومحللي نتائجها , ليتم البناء عليها .. ورسم الخطط العملية وفقا لتقديراتها وحساباتها المرتبة , والباعثة على الثقة في إجمالي ما تقوله وما تطرحه على طاولة القرار.. فيصنع وفقا لذلك,ما يطلق عليه اصطلاحا (الأجندة السياسية) .

لكن هذه (الأجندة السياسية) أو تلك .. لهذه الدولة أو تلك , تصل في مرحلة معينة حد التبلد الأكيد , ويصبح السياسي أمام الأمر الواقع الجديد المخالف لـ(توصية) أجندته , في حالة ارتباك تام .. غير قادر على الفعل إزاء (ردة الفعل) الناتجة عن فعل الإرادة الشعبية .. وربما يصل به الأمر, إلى درجة عدم القدرة على تفسير ما يحدث لمرؤوسيه, وهنا يصبح الأمر برمته في قبضة الإرادة الشعبية وما تريده هذه الإرادة أن يتحقق على أرض الواقع , وليس في مقدور السياسي في مثل هذه الحالة سوى الاعتراف بهذا الأمر الجديد , ونتائجه ومعطياته والتعامل معها كما هي وكما تريد .. لا كما يريد هو , ولا كما تريد أجندته المتعوب عليها.

إن الإرادة الشعبية لأبناء الجنوب , تقدم لنا شرحا عمليا لكل ما ذكرت أعلاه , وفي يقيني أن الدبلوماسي (الأجنبي ) .. المراقب للأحداث في الجنوب يتفق معي في ما تحدثت عنه سالفا .. ولأننا كنا قد عايشنا تشكل تلك الإرادة, وتابعنا تخلقها في رحم المعاناة الجنوبية منذ يومها الأول, فقد سمح لنا ذلك القرب , تقدير نتائجها والبناء عليها.. في حين أن الابتسامة الساخرة التي رمى بها إلينا ذات يوم ضابط عسكري رفيع في بداية احتجاجات المتقاعدين تعكس جهل صاحبها وسوء تقديره القادم الكبير والخطير من قلب العاصفة الجنوبية.. وهو جهل شاركه فيه بكل تأكيد, صانعو الأجندة السياسية الداخلية التي ربما قدرت وحسبت حساب كل شيء إلا إرادة شعب الجنوب وطاقته الاستيعابية .

أكتب هذا الكلام وأنا أشاهد اليوم هذه الإرادة الفولاذية لأبناء الجنوب, وهي تختط طريقها المستقبلي بسرعة غير عادية, تتجاوز بها ما يتم الحديث عنه والترتيب له في إطار احتواءها والسيطرة عليها , عبر تشكيل اللجان التي باتت تتعدد, وتتكاثر بشكل يثير الرثاء والسخرية معا .. أما لماذا ؟ .. فلأننا ندرك كما يدركون هم أيضا , وكما يبدو عليهم الارتباك في أحاديثهم , بأن هذا المارد الشعبي المتحرك (جنوبا) قد حسم أمره , وأعد عدته .. وحدد جهته , واختار محطته الأخيرة !

لكن علينا أن نضيف، أن من واجب السياسي الجنوبي , الذي استوعب ما تريده هذه الإرادة الشعبية تحديدا, أن يحترمها ولا يبتزها أو يخدعها , لأنها صنعت له الاحترام وأخرجته من مربعات المذلة والنسيان , وذلك قبل أن يرسم أجندته لنصرتها والانسجام معها وليس العكس , على اعتبار أن (الآخر المهتم) الذي أدهشه الواقع الجديد , سيعمل - بكل تأكيد - على التعامل معه والتفهم لمتطلباته .

ذلك هو أملنا ورجاؤنا من الطرفين , لأنني على ثقة مطلقة , بأن هذه الإرادة لن تتردد عن تقديم المزيد من التضحيات , كما أنها لن تعجز عن طرح من تثق بهم في ميادين السياسة في حالة الخذلان من أحدهم أيا كان موقعه أو مركزه .. ولأن الموقع الجغرافي الذي تسكن وتتحرك فوقه هذه الإرادة ذو أهمية بالغة , فإننا نرغب ونأمل من (الآخرين) التعامل معه بالقدر نفسه من الأهمية والاحترام أيضا.

إلى روح زميلي العزيز الأستاذ عادل الأعسم

صدمنا وفجعنا أولا بنبأ الحالة الصحية التي وصل إليها الفقيد نتيجة للخطأ الطبي الفادح الذي حدث له في القاهرة!! .. ثم فجعنا مرة أخرى بنبأ الوفاة لهذا الرجل الإنسان .. هذا العملاق الخلوق .. هذا المعلم الأستاذ .. فلم نكن نعلم أن القدر سوف يكون له الرأي الفصل في تحديد وجود هذا العادل بيننا .. أتذكره الآن , وأتذكر مرثياته في زميله العزيز الدكتور صالح الصايلي.. إنها الأقدار التي لا ترحم .

للموت ما جمع الفانون من نشب

وليس للموت هذا الرائع الوتر

رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى