السودان نموذجا

> د. محمد عبدالملك المتوكل:

> ظل أبناء جنوب السودان يشكون الظلم والإهمال والاستبداد والتمييز والتهميش لسنوات طويلة، وظلت السلطة السودانية في الشمال تتجاهل صراخهم وتصم آذانها عن أنينهم في غرور وكبرياء وعجرفة.

وحين طفح الكيل بأبناء الجنوب حملوا السلاح ودخلوا مع السلطة المستبدة في صراع لما يزيد عن ربع قرن من الزمن كلف السودان الغالي والرخيص.

وبعد كل هذا العناء والمعاناة رفعت السلطة الراية البيضاء ووقعت اتفاق شراكة في الحكم والثروة، ولمدة ستة أعوام بعدها أبناء الجنوب أحرار في الاستمرار في الوحدة مع الشمال أو الاستقلال.

وقبل أن يجف مداد الاتفاقية مع الجنوب أعادت سلطة السودان الكرة في دارفور وبنفس العقلية العاجزة عن مواجهة التحدي بالحوار والوسائل الحضارية، فامتشقت الحسام وذهبت تضرب يمينا وشمالا فتقتل وتشرد وتطلق يد الجنجويد ليستبيحوا كل المحرمات، وبعد أن كلفت السودان الغالي والرخيص وقتلت مواطنيها وأبناء جيشها وشردت الأطفال والنساء والشيوخ، وبددت طاقات السودان وإمكانياته وحولت بلد سلة الغذاء العربي والإفريقي إلى ساحة للفقراء والجوعى، هاهي اليوم تناشد خصومها أن يتحاوروا معها بعد أن بدأ العالم يقول: كفى ياهؤلاء.

عبدالناصر هو الوحيد الذي أدرك مخاطر فرض الوحدة بالقوة فأرجع جيشه من فوق سماء دمشق وقال الحكمة المشهورة:«الوحدة اختيار شعبي ولن تفرض بالقوة». ولنا أن نتصور أي كارثة كانت ستحيق بالأمة كلها لو ركب الغرور والكبرياء قيادة مصر فأصرت على الحرب بهدف تعميد الوحدة بالدم.

أحسب أننا في اليمن نسير في طريق السودان فما يحدث في صعدة، وسفيان، والعصيمات، والجوف، وبني حشيش، يقترب مما يحدث في دارفور، ومايحدث في جنوب الوطن يقترب مما حدث في جنوب السودان، فهل بالإمكان أن نعتبر ونستفيد من تجارب الآخرين ونتفادى نفس النتائج، وبذلك نثبت أننا من بلد الإيمان والحكمة.

علينا أن نتعرف على تجارب الآخرين، ونسأل ماسر نجاح الوحدة الألمانية التي ترأس اليوم ألمانيا الموحدة إحدى بناتها القادمة من ألمانيا الشرقية من خلال انتخابات حرة ونزيهة ومتساوية ليس فيها خالد الشريف ولا عبده محمد الجندي ولا الاستقواء فيها بسلطات الدولة وإمكانياتها ولا تخويف بالصوملة والعراق.

وبإمكاننا أن نسأل أيضا: لماذا انفصل السلفاك عن التشيك؟ وكيف تم هذا الانفصال بالاتفاق مما جنبهم سفك الدماء وتبديد الإمكانيات وحمى العلاقة الحميمة والتعاون البناء بينهما وجنب الشطرين التمزق الذي عبر رئيسنا عن خوفه منه في خطابه في اجتماع السبت الماضي.

وعلى ذكر خطاب الرئيس في السبت الماضي 2009/4/25م دعوني أعترف أنني حين قرأته شعرت بالاكتئاب واليأس، فقد قال الرئيس إنه:

"صار لنا من عام 94م خمس عشرة سنة الحمد لله رب العالمين لم تسل قطرة دم» هل ذلك يعني أن الدماء التي سالت في صعدة، وسفيان، والعصيمات، وبني حشيش، والجوف، ومأرب، والهاشمي، والحبيلين، وأبين، وحضرموت، وشبوة ليست دماء وإنما هي مياه ملوثة تطهر البلد منها؟!

دعا الرئيس إلى الاحتكام إلى الدستور والقانون. ألا يعرف الأخ الرئيس أن السلطة هي أكبر منتهك للدستور والقانون، مئات المساجين ولسنوات خارج إطار الدستور والقانون، احتكار السلطة والثروة خارج إطار الدستور والقانون، انتهاك مبدأ الفصل بين السلطات والعبث بحرية ونزاهة الانتخابات هو عمل خارج إطار الدستور والقانون، وافتعال الأزمات والحروب العبثية هو خارج إطار الدستور والقانون.

فإذا كان الرئيس لايعلم فتلك مصيبة، وإن كان مستشاروه وحاشيته والمتآمرون عليه منهم يضللونه فتلك محنة، وإن كان يعرف ويتصور أن الناس لايعرفون فتلك كارثة، لأن الخطأ ساعتها يرتكب عن عمد وسابق ترصد، وهذا ماقد يجعلنا نفقد الأمل في وقفة تأمل ومراجعة وتصحيح للأخطاء.

وحينها ليس أمامنا سوى أن نردد قول الله تعالى:(وإن تولوا فاعلم إنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم) صدق الله العظيم.

عن الزميلة «صوت الشورى» العدد (93)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى