إلى الكويت.. على جناح المحبة

> د. هشام محسن السقاف:

> حملتنا بنت الهواء إلى الكويت، الدولة العربية الخليجية المثابرة، في رحلة سريعة تسارع النفسات الأخيرة لشتاء كويتي بارد.

كان الدخول إليها- إن شاء الله آمنين- من بوابات المعرفة والتعليم العالي في أفقه العربي (اتحاد الجامعات العربية) كما يشاء هذا التعليم أن يكون، رضيناه طموحا أو هو ما دونه عندما يحوز الغير مكانة (ستمائة الجامعة) الأولى في العالم ولم نحظ بواحدة.

وأنت تطوف سماوات الجزيرة العربية صعودا إلى الكويت تربض أسفل ناظريك وتحت كثافة الرمال والنجود والشطوط الثروة العربية، ويصعب على الناظر أن يتجاهل تحركات الرمال والأطماع التي تطل برأسها تحت مسميات شتى منذ معركة ذي قار في غابر الزمان. وحتى الادعاءات الإيرانية الجديدة القديمة بالبحرين العربية والاستمرار في تجاهل حق الإمارات العربية بجزرها المحتلة، فلم أجد ما أسلي به نفسي سوى هذه الأبيات للشاعر الكبير أحمد السقاف:

يا بن الجزيرة عارٌ أن تنام ضحى

كفاك ما صنع الإهمال والوسن

قم للخليج وصن تلك الثغور فقد

ضاقت بمن تحمل الأمواج والسفن

هضابها الجُرْد أغلى من دساكرهم

وتفتدي رملها الأنهار والمدن

أرض المهلب مازالت صوارمه

مدفونة قرب فرسان بها دفنوا

على الفجيرة من يعبوبه أثر

وفي الكويت تبقى السّرج والرّسن

وفي المنامة ألواح مبعثرة

تزهو فيزهو بها التاريخ والزمن

سواحل المجد ما كانت مضيعة

ولا أشرأبّ إليها طامع درن

تعلّق النقع في أجوائها قلقا

يضم ما خلق الماضي ويحتضن

ومن يصون حماها يا بن تربتها؟

فأنت بالذود عن ساحاتها قَمِن

وأنت وحدك فيها كل ثروتها

لا المال يجدي ولا البترول يؤتمن

يحسب للأخ العزيز خالد شيخ سفيرنا في الكويت ذلك الاهتمام والرعاية التي أحاط بها، وطاقمه الدبلوماسي الأخوة رؤساء الجامعات اليمنية المشاركين في الدورة الثانية والأربعين لاتحاد الجامعات العربية، الذي يربو عدد الأعضاء المنضوين فيه على المائتي جامعة عربية ما بين حكومية وأهلية وخاصة.

ويحسب للأخ د.عبدالعزيز بن حبتور، رئيس جامعة عدن أنه قد أعد للزيارة عدتها بتجاوزه حضور أعمال الدورة والذهاب إلى ما هو أهم في أجندة تعزيز العلاقات الثنائية مع جامعة الكويت، ومركز البحوث والدراسات التربوية لمجلس التعاون الخليجي، ومركز البحوث والدراسات الكويتي والمجلس الأعلى للثقافة والآداب والفنون الكويتي الذي رافقنا في زيارته الأخ خالد شيخ سفيرنا في الكويت.

وحسبه ابن حبتور قد قرأنا ملامحها في حجم الإصدارات العلمية والأكاديمية والأدبية لجامعة عدن التي حملها معه إهداءً لتلك الجهات التي قام بزيارتها، فرد الكويتيون التحية بمثلها.

وكان الأستاذ الدكتور مرزوق يعقوب الغنيم مدير مركز البحوث التربوية لمجلس التعاون الخليجي يلغي إجازته الأسبوعية وطاقمه العامل في المركز ليستقبل، ويدير حوارا مفيدا مع زميله ابن حبتور لم يخلُ من القفشات الكويتية المعتادة.

وكان الضيف اليمني لا يفوّت فرصة لدعم مجالات التعاون البحثي والتربوي بين الجامعة والمركز بعد أن سبر أغوار هذا المركز من موقعه كنائب لوزير التربية والتعليم سابقا، وأرسى حينها لبنات اعتماد بلادنا عضوا في لجان التربية والتعليم بالمجلس. ثم رافقنا المرزوق إلى مركز البحوث والدراسات الكويتية الذي يترأسه أخوه د. عبدالله يعقوب الغنيم الأديب المعروف والباحث المتمكن الذي أثرى المكتبة العربية برصيد ثري من الأبحاث والدراسات والأعمال الإبداعية الرائعة.

قال الشاعر الأديب عبدالله الغنيم عن (اليمن) أثناء انعقاد اللقاء التربوي لأعضاء المؤتمر العام لوزارة التربية والتعليم لدول مجلس التعاون الخليجي المنعقد بالكويت في الفترة من 9-8 فبراير 2005، وقد خص كل دولة بمقطوعة شعرية:

هذه نفخة اليمن

هذه طلّة الزمن

من بعيد قدومها

تملأ العين والأذن

حيث (بلقيس) تعتلي

عرشها الرائق الحسن

وديار تحلها (حِمْير)

(وابن ذي يزن)

(ومعاذ) الذي أتى

من هدى الله بالسنن

موطن الحكمة التي

أصبحت صورة الوطن

كل ما رُمْتَ علمه

فهو في الناس مختزن

إن يغِب عنك ذكره

فهو في (حكمة اليمن)

عند زيارتنا للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب كنا نستشرف الأفق الثقافي متماهيا في الشخصية الوطنية والقومية للدولة الفتية، ونستعرض الدور الذي امتازت به الكويت على مدى نصف قرن وأكثر في الفضاء العربي منذ أطلت على مشهد الناطقين بالضاد مجلة «العربي» في ديسمبر 1958م لتجتاز سياج الحدود المصطنعة وتدخل كل بيت عربي.

واحتفى القائمون على المجلس بزياتنا، وأثنوا على الأخ السفير خالد شيخ الذي جعل الثقافي يعلو على الدبلوماسي بمرافقتنا للمجلس دون حاجة لتعقيدات البرتوكول الرسمي.

وغير «العربي» التي تصدر عن وزارة الإعلام، يصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب: سلسلة عالم المعرفة، عالم الفكر، من المسرح العالمي، مجلة «الثقافة» العالمية وجريدة «الفنون».

وكان التدشين لأعمال الدورة الثانية والأربعين للمؤتمر العام لمجلس اتحاد الجامعات العربية صبيحة الإثنين 2009/3/9 في جامعة الكويت، وحضر الجلسة الافتتاحية أمير دولة الكويت وكبار رجالات الدولة تقديرا للدور الكبير الذي يلعبه اتحاد الجامعات العربية والغايات المرجوة من التعليم العالي على صعيد بناء الإنسان العربي القادر على مواكبة التطور المذهل في مسارب العلم والتكنولوجيا عالميا.

ولم تكن الديمقراطية بتقاليدها الكويتية العريقة بغائبة عن المشهد الاحتفائي، فقد حملت إلينا الصحف الكويتية في الصباح التالي احتجاجات جمعية أساتذة الجامعة الذين منعوا من حضور الجلسة الافتتاحية لخلافات نقابية مع رئيس جامعتهم، واعتراض البعض على عقد جلسات المؤتمر في قاعة (شيراتون) الكويت بدلا عن قاعات الجامعة، وكله يصب في حيوية المجتمع الكويتي النابض والمتحرك دائما.

وعندما فرغت اللجان المتخصصة، العملية والثقافية والتنظيمية والإدارية والمالية، كان النقاش يحتدم حول إدراج قضية الرئيس السوداني في البيان الختامي فيما يتعلق بقرار المحكمة الدولية الأخير لينتصر الرأي الداعم لإدراج التنديد بهذه الخطوة غير المسبوقة في البيان.

لم يفت الأخ خالد شيخ سفيرنا بالكويت أن يرتب لقاء موسعا بممثلين عن الجالية اليمنية المقيمين في الكويت بأعضاء الوفد الزائر من رؤساء الجامعات، وأثنى على مستوى العلاقات الأخوية مع الكويت، كما تحدث ممثلون عن الجالية اليمنية ووجهوا أسئلة وملاحظات تخص التعليم الجامعي واعتماد الشهادات.. إلخ، في حين رتبت جامعة الكويت زيارة لمعالم الكويت لأعضاء الوفود المشاركة في هذه الدورة.

في اليوم الأخير كان الأستاذ د. عبدالعزيز ابن حبتور حريصا على زيارة الأستاذ أحمد السقاف الشخصية العربية والكويتية واليمنية المعروفة ليخرج بانطباعات طيبة من هذا اللقاء الذي جمعه بواحد من رجالات الفكر والأدب والعمل القومي العربي.

في المساء كنا نحلق في سماء الكويت في طريقنا إلى صنعاء، وقد بدت المدينة المضاءة شعلة من نور في رأس الخليج العربي، يكاد الوميض أن يصل إلى كل أرض عربية بين الماء والماء. نظرت مليا من نافذة الطائرة إلى الكويت، ثم رددت مع الشاعر الكبير أحمد السقاف هذه الأبيات:

هي الكويت محال أن يزيفها

نفط تفنن في تزييفه القلما

وفي الكويت رجولات تفيض ندى

لدى العطاء وترعى العهد والذمما

وفي الكويت أسود ثار ثائرها

على العداة فطارت تدعم الهرما

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى