اليمن وكيد المارقين

> أحمد الجارالله:

> طالعت كغيري من الشغوفين بمتابعة اخبار اليمن تلك الأحداث المؤسفة التي شهدتها بعض مناطق هذا البلد العربي الشقيق من تظاهرات وأعمال تخريب طالت مؤسسات تجارية في محافظتي حضرموت وأبين.

وما أسفرت عنه من ضحايا بين قتلى وجرحى معظمهم من العسكريين والمدنيين, وقد تألمت كثيرا جراء ما يحدث في هذه الجمهورية العريقة التي تحظى باهتمام وتقدير كبيرين لمواقفها الجريئة المشرفة إزاء مختلف القضايا العربية والإقليمية والدولية.

مرد الألم والحسرة اللذين ينتابان محبي اليمن ممن شاهدوا أو سمعوا عن هذه الأعمال التخريبية يكمن في إيمانهم بأن هذا البلد العظيم مكانة ومساحة لايستحق أن يفعل به وفيه مثل هكذا محاولات للعبث بأمنه او الخروج على قانونه ونظامه, فهو بلد مهيأ تماما للحاق بركب التقدم والرخاء على مختلف الصعد والمجالات في ظل إمكاناته الجمة التي يحتاج استثمارها وتوظيفها على النحو المأمول فقط إلى توفير ظروف اجتماعية أفضل وإدارة اقتصادية أنشط.

يقال في علم الحياة إن الأزمات تخلق الفرص, وأعني هنا الأزمات الاقتصادية التي تبرز حال وقوعها ما إذا كان هناك مَنْ يحسن أو يصيب في اقتناص تلك الفرص من عدمه, بينما الأزمات السياسية يختلط معها حبل الفرص بنابل الضياع, كونها تبذر بذور خراب وتمزيق وشتات الدول.

الجمهورية اليمنية لايعيبها الفقر, ولكن الجوع- كما يقول العامة- كافر أو صاحب الحاجة أعمى حتى تنقضي حاجته, وكل هذه التوصيفات والأقاويل قد يُسمح لمتبنيها أو مؤيديها السير نحو تحقيق أهدافهم انطلاقا منها, غير أنه من غير المقبول ولا الجائز أن يترتب على هذه المفاهيم الفضفاضة شق وحدة البلد وتشرذمه, وهذا هو حال الحركة الانفصالية في الجنوب اليمني التي يتزعمها صاحب حاجة أعمى طلب المستحيل، ولم يطلب المستطاع, وحاول قتل الجانب الإيجابي في الثورة اليمنية الذي تجلى في وحدة الجنوب والشمال بعد سنوات من عبث ولعب وكوارث وتلون سياسي أرهق هذا البلد وشعبه.

نعم.. يشكو جنوب اليمن من بعض الإهمال, ولكنه إهمال له ما يبرره من ضيق ذات اليد, عوضا عن الوضع الاجتماعي لقاطني هذه المناطق الجنوبية التي شربت هي الأخرى من معين التلون السياسي وعدم الاستقرار والعبث في السيادة ممن حكموها, فيما كانت أموالها تُهرّب وطبقتها الحاكمة هذه تعيش ترفا سياسيا واجتماعيا, فضلا عن أن البلاد كانت حينذاك مغلقة, ولم يكن يُسمح لأهلها- على سبيل المثال- أن يتناولوا القهوة مع أجنبي، حتى ولو كان هذا الأخير عربيا قريبا أو صديقا أو نسيبا.

جنوب اليمن مثل شماله، مر بأزمات سياسية ناجمة عن مواقف أناس سكارى وما هم بسكارى, ولكن هكذا كان الحال, والعالم ببواطن الأمور هو مقدر هذه الأحوال.. فالطرفان يشتركان في تجرع كأس الألم, ولهما الحق في أن يشكوا, وعليهما أن يعيا مسببات وأسباب شكواهما حتى لاتتسبب مطالبة كليهما أو أيهما بحقه في خراب بلدهما، فالحفاظ على وحدة اليمن أمر يتوخاه العالم العربي بأسره لا الدولة اليمنية وحدها, ومن ثم فإن كل ما هو مطلوب الآن من من يحاولون زعزعة هذه الوحدة بداعي ضيق الحال التوقف عن هذا الهراء, والعمل على مد يد العون للقائمين على صون استقرار الدولة من أجل خلق نوع من الانفتاح الاستثماري عبر سن قوانين اقتصادية مريحة للمستثمر المحلي والأجنبي على حد سواء, ليتسنى عندئذ تعزيز ثقة العالم بالمجتمع اليمني من جهة ووأد أي حديث عن شظف العيش وضيق الحاجة من جهة أخرى, لاسيما أن جميع المطلعين على الشأن اليمني يعرفون جيدا أنه عندما يريد القيمون على إدارة هذه الدولة أن يفعلوا شيئا يضع بلادهم على الخارطة السياحية أو التجارية أو العمرانية تصطدم خططهم عادة بالأوضاع الاجتماعية التي تأبى الانفتاح وتصر على التقوقع والتخندق من قبيل حمل الخناجر وسط الأجساد لا حمل «ورود الحداثة والتطور».

محصلة القول إن العيب ليس في إمكانات وفرص اليمن، بل العيب كل العيب في الوضع الاجتماعي الذي يعيش طقوس الانغلاق ويرفض أن يفتح عيونه للخارج بتقنياته ومعارفه الواسعة، خصوصا في مجالات الاستثمار والتنقيب عن النفط الذي كان سببا رئيسيا في ثراء دول عدة، فمتى ما تغيرت هذه الأوضاع الاجتماعية في اليمن سيكون هذا البلد على موعد مع نهضة عمرانية كبيرة في صنعاء وعدن وغيرهما من المناطق الأخرى، فالمستثمر الأجنبي المتسلح بالمعارف والتكنولوجيا لايزال يتوجس من التوجه صوب اليمن, مخافة حوادث الاختطاف وطلب الفدية التي يسمع بوقوعها في بعض مناطق هذا البلد.

أخيرا نؤكد من جديد أن وحدة اليمن ليست مرد آلامه كما يزعم البعض, بل هي سبب قوته وعزه, وعلاج هذه الآلام يتأتى بشيء من أفق واع ووقت أطول وصبر على ظهور مفعول الدواء, ولهذا نقول للرئيس علي عبدالله صالح: اصبر على كيد المارقين فإن صبرك قاتلهم, واعلم جيدا أن العرب جميعا يؤيدون مساعيك وخطاك في تثبيت وتأمين وحدة اليمن وشعبه، والنأي به عن مخاطر الفرقة والتمزق.

عن «السياسة الكويتية»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى