الأعسم.. عندما أبدع في التلفزيون!!

> صالح الوحيشي:

> رحيل المبدعين كالنزيف في الجسم.. يترجلون بدون ضجيج.. وتبقى إبداعاتهم.. والسؤال هل استطاع المجتمع أن يعوض هنا النزيف.. نتذكر هذا الحديث عندما تحل الفاجعة برحيل فارس آخر.

ونكون في أمس الحاجة للبحث عن مناقبه، وعلى الرغم من الفاجعة التي حلت بنا عندما صعقنا بنبأ رحيل فارس الحرف الحر.. فارس الكلمة الصادقة.. رحيل مبدعنا وحبيبنا عادل الأعسم.. ماذا يمكن أن يقول الإنسان في مثل هذا الحدث الأليم.. حتى الكلمات تخونك مثلما تخونك قواك ولا تستطيع التماسك.. وأنا في غمرة أحزاني على رحيل عادل.. مع إيماني بأن الموت حق.. وهذه سنة الحياة، تذكرت عندما أبدع في الأعمال التلفزيونية، ولعل البعض لايعرف ذلك.. لقد خاض التجربة بكل اقتدار..

كانت الحاجة ماسة بعد قيام الجمهورية اليمنية لخدمة مبتكرة ينقل بموجبها تلفزيون (عدن) مشاهديه الأفاضل من منازلهم في رحلات- عبر الأثير- للتعرف على المناطق اليمنية بغية تقوية وتشجيع تواصل اليمنيين وتعميق اندماجهم الاجتماعي.. وبعد مراجعة الخيارات لم يجد المسئولون وسيلة لتحقيق الهدف أفضل من إنتاج أعداد جديدة من برنامج (جولة الكاميرا).. غير أن حلقات ذلك البرنامج- على جماهيريته- أخذت (في تلك الفترة) طابعاً تقريرياً فيه الكثير من الرتابة وما يبعث على الملل بسبب القيود المالية.. وتواصل تداول الموضوع، فكان اسم (عادل الأعسم) هو الحل.. هو المفتاح طرح اسمه بقوة وجاء تجاوب واستجابة المسئولين بقوة أيضاً، فقد اتفق الجميع على أن الفقيد ذو قلم وعبارات رشيقة، وإن كان هذ لا يكفي مهنياً (وأتفق مع هذا التحفظ) على أن مجرد ظهور اسم (عادل الأعسم) على شاشتنا الصغيرة هو مكسب كبير للتلفزة اليمنية.. وفور اكتمال التداول وصدور الضوء الأخضر تم الاتصال بالفقيد، وفي أول جلسة عمل معه تم حثه وتشجيعه على الخروج من محدودية دائرة الرياضة، فرحب بالفكرة على أن تترك له حرية أن يخط قلمه مضمون مشاهداته دون تدخل أو خوف، فلديه رسالة يريد إيصالها للمشاهد ولا يريدها مبتورة، فكان له ما أراد.. إنه عادل الأعسم.

وقبل الشروع في التنفيذ تم إبلاغه أن الإمكانات المالية لهذه القناة في غاية التواضع وليس بمقدورها أن ترصد- كما هو عليه الحال اليوم- موازنة مالية لإنتاج وتمويل الحلقات التي سيتولى إعدادها، فارتسمت ابتسامة عريضة ذات مغزى على محيا الفقيد (رحمه الله) وعلق على ما سمع بعبارة معناها: ومتى كان هم عادل الأعسم المال؟!. وتحاور الجميع، وعلى الفور بدأت عملية تحديد جداول مواعيد السفر إلى محافظة إب لإنتاج حلقة من برنامج جولة الكاميرا بأقل التكاليف المالية الممكنة.

توجه (رحمه الله) مع فريق العمل، وبسرعة خرافية أنجز الفريق المهمة.. ولكن بنجاح فاق كل التصورات، كان أهم عناصره ملكة إبداع (عادل الأعسم) وتعدد مواهبه.. وفور العودة إلى عدن انتظرت الفقيد متاعب البقاء غير المريح في غرفة المونتاج والصبر على الأعطاب التي لاتنتهي في أجهزتنا وبعد يومين كان شريط البرنامج في رفوف مكتبة التلفزيون.

وما أن تم عرضه حتى ارتسمت علامات التعجب على ملامح المسئولين، فالحلقة على بساطة تكاليفها جاءت في منتهى القوة، واكتملت فيها كل الشروط الفنية، وأضفى عليها عادل- رحمة الله عليه- طابعه الشخصي ولمساته الجمالية وأسلوبه المبدع، بل إنه نجح حتى في إعطاء مضمون الحلقة (فلسفة خاصة) وأبعاداً لم يكن يفطن إليها كثير من الزملاء في مثل هذا اللون البرامجي، واستمتع المشاهدون كثيراً، وأعيد عرضها فترات وكسب التلفزيون بإبداع عادل وعطائه لذلك البرنامج أشهر قوة دفع جديدة وطابعاً لم يكن مألوفا وأفكاراً وأساليب هي متاحة لمن يريد أن يحذو حذوه، شرط أن يقبل بالتضحية والألم في سبيل رسالته إلى المشاهد.

ونحن نتحدث في التلفزيون عن رحيل هذا المبدع.. ذكرتنا الزميلة المخرجة المبدعة إفهام إبراهيم بقدرات عادل على العمل بكل بساطة، وأشادت بعمله معها في جولة في مصافي عدن.. وأشارت إلى جد واجتهاد وسرعة استيعابه للكتابة التلفزيونية والنص الجميل.

رحم الله عادل الأعسم وأسكنه فسيح جناته لقد فقدنا بحق مبدعاً وإنساناً سنظل نتذكره ما دمنا ننبض بالحياة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى