أي مشعل للفكر قد انطفأ!

> محمد الحيمدي:

> إن الحديث عن الفقيد والزميل الوفي المرحوم بإذن الله تعالى الأستاذ (عادل الأعسم) كواحد من أبرز عمالقة الصحافة اليمنية والعربية، المهنة التي امتهنها واحترفها عن جدارة واقتدار وعشقها حد الثمالة والهيام.

منذ أن كان طالباً في الثانوية ثم الجامعة والذي كان لي الشرف أن زاملته مرحلة الدراسة الجامعية وإن كانت فترة قصيرة إلا أنها مازالت مرحلة فارقة في حياتي لأني تعرفت فيها على شخصيتين عظيمتين على الرغم من عمرها القصير إلا أنها تركت بصمات مشرقة في مختلف جوانب الحياة الأدبية والإبداعية والثقافية والرياضية والسياسية والصحفية والإنسانية.

هاتان الشخصيتان هما المرحوم د.صالح الصايلي وعادل الأعسم اللذان فجعنا برحيلهما المبكر، ودمعت عليهما قلوبنا قبل عيوننا وكل شوامخ ورواسي اليمن، وحروف الكلمة المبدعة الشجاعة الحرة.

الحديث عن (عادل الأعسم) أمر يصعب الولوج فيه بعجالة أو بدافع طفرة الحماس العاطفي الذي قد يأخذ منحى التسابق لمن ينال قصب السبق لكتابة الكلمات والقصائد الرثائية، وهي عادة تمتطي لغة الحديث التقليدي السائد المحشو بعبارات النفاق المألوفة المكرورة التي يستخدمها ويلجأ إليها الكثير، يتفننون في صياغتها وحبكها بعد رحيل هذه الشخصية أو تلك.. فشخصية فقيدنا الغالي (عادل) لا تحتاج إلى هذه اللغة المصطنعة والعادة التقليدية للعرب منذ مئات السنين.. بقدر أن تاريخه ومسيرة حياته الغنية بالعبر والدروس والحكم وموكب تشييعه الجنائزي المهيب ومواكب المعزين المتدفقة من كل حدب وصوب ومن مختلف الانتماءات السياسية والحزبية والمشارب الفكرية والقبلية إلخ.. ستظل شهادة دامغة حية وأكثر تأكيداً على علو مكانة هذه الشخصية الفذة وما حظيت به من إجلال وتقدير وحب وصدق الوفاء، فشخصية فقيدنا زميلنا العزيز (عادل) تحتاج إلى وقت كافٍ وشجاعة لمن يريد أن يكتب عنها بمصداقية ووقار كي تصبح هذه الكتابات جديرة بحمل رسالة الإنصاف والحكم العادل.

إن تاريخ فقيدنا الحبيب (عادل) ليس تاريخاً عادياً، بل إنه وفي ظروف وأوضاع مختلفة كالتي عاشها، فيها من التناقضات والصراعات والصعوبات الحياتية والمعيشية العامة، أذكر أبسط هذه الصعوبات صعوبة أن يقول الكاتب والصحفي الحقيقة أو حتى نصف الحقيقة وفي زمن «رديء تغيرت فيه كثير من القيم وضاعت الحقوق وانتهكت الحريات وطغت المادة على الأخلاق والمواقف، إلا من رحم ربي»!! كما قال الزميل المبدع شفيع العبد في موضوعه الصادق الذي نشره في «الأيام» العدد (5712) عن الفقيد تحت عنوان (ومات فارس «الفرسان»!!) كل تلك المعطيات تقرب بل تعطي تصوراً واضحاً ورسمياً حياً لشخصية فقيدنا (صحفياً وإنساناً)، أبرز ملامح هذا التصور أو الصورة الصفات الإنسانية المشهودة له بالشجاعة والشموخ والنقاء الخلقي والتواضع السامي وحب الآخرين وإيثارهم على نفسه والصدق وقول الحقيقة والجهر بها مهما كانت مرة دون خوف أو تردد، لقد جعل فقيدنا من نفسه صحفياً جندياً مغواراً ومدافعاً عن قضايا وطنه وشعبه.. عاصر وشارك في صنع الكثير من الإنجازات والتحولات التي مرت بها اليمن لاسيما فترة ما بعد الوحدة، وفي العمل الصحفي تحديداً.. لقد أكدت الحياة أن فقيدنا استخدم قلمه وفكره ومسئولياته باعتداد وثقة كبيرتين وبقدرة عجيبة من الإدراك لطبيعة هذه التحولات والمنعطفات، وأجاد التعامل معها بحنكة القائد المجرب وعقل الحكيم المتمكن، فلم يكن مزاجياً ومهرولاً في أطروحاته وآرائه وانتقاداته وتحليلاته.. وقد أخذ على عاتقه عبئاً ثقيلاً لايستهان به من أعداء قضايا الوطن وهموم الناس ومشاكلهم، وكانت هموم وشجون الصحافة والصحفيين في صدارة هذه الأعباء التي كانت تثقل كاهله وتتعب قلبه وتؤرق نفسه، فكان القدوة والمرجعية لكثير من الصحفيين.. فمعظم آرائه وتقييماته لكثير من الأمور ومواقفه الشجاعة دائماً ما كانت تستنهضنا كما كانت تستنهض الناس الشرفاء كافة، لأن مبادراته وتحليلاته ونظرته للواقع كانت استجابة خلاقة وحية لما يعتمل في صدورنا نحن الصحفيين، وتلامس همومنا ومشاكلنا وهموم ومشاكل عامة الشعب لاسيما السواد الأعظم من الفقراء والمغلوبين والمقهورين.

كان دائماً يتحسس الأوجاع والصعوبات التي تواجه زملاء المهنة وكم هي كثيرة.. ولكنه يدعوهم أن لايتراجعوا خطوة واحدة إلى الخلف ولاييأسوا وأن يمقتوا الامتثال الأعمى والتزلف والتملق أثناء كتابتهم مهما كانت الصعوبات والعراقيل والأخطاء.

الكل يعلم كم قدم فقيدنا الغالي لوطنه وشعبه ومهنة الصحافة والصحافيين، وكم ضحى بأجمل مراحل عمره وحياته وصحته وأعصابه من أجل هذه القضايا دون أن يقدم أدنى التنازلات أو يركع ويحرق المباخر، كما فعل كثيرون غيره حتى وافاه الأجل وهو ذلك الفارس المغوار الرافع الرأس الصافي القلب والسريرة والنظيف اليد والعفيف اللسان.. فرحمك الله فقيدنا (عادل الأعسم) رحمة الأبرار وأسكنك فسيح جناته.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى