لا تلم الخيل.. بل لم الطريق

> جلال عبده محسن:

> بقدر ما كان يحمله الواقع في الشطرين قبل الوحدة من مرارة ويأس من الأوضاع فإنه كان يحمل معه دائما الأمل في الغد المشرق والمستقبل الزاهر والتغيير المنتظر، لذلك فإن شعبية شعار الوحدة كانت كبيرة لدى المواطنين.

نحو وحدة حقيقية تكون أكثر عمقا في الوجدان وأقوى لمعانا للإحساس وأقدر على تحريك سواكن النفس واستثارة كوامنها الداخلية قبل الخارجية، إلا أنه ومنذ العام 1994م وتلك الحرب الظالمة بإفرازاتها السالبة وانفراد المؤتمر الشعبي العام بالحكم بعد إقصاء شريكه في تحقيق الوحدة والإصرار على عدم الاعتراف به كشريك حيوي وفاعل في العملية السياسية، فقد ظل هناك بصيص من الأمل في أن ينقلنا الخيل إلى تحقيق الاستقرار السياسي ومواجهة المشكلة الاقتصادية وبناء دولة المؤسسات، ولكن ماذا يفعل الخيل المرهق! بعد أن جعلوه يسلك طريقا وعرة ومليئة بالعراقيل والعثرات مخلفا وراءه واقعا مثقلا بالهموم والصعوبات أدخل معه المواطن اليمني في دوامة التقلبات المعيشية المتلاحقة جراء تنفيذ السياسات الهوجاء وغير الجادة ونحو مزيد من الفقر والجوع والبطالة، قادت البلاد إلى دولة كسيحة عرجاء، نمد أيدينا للغير نستجدي أفضالهم وعطاياهم، وصل معه الأمر إلى أن أحد الوزراء هدد بأن اليمن ستكون مثل الصومال إذا لم يقدموا لها المساعدات.

وعلى الرغم من شدة قبضة السلطة على المعارضة، حيث ما أن يصلها خبر إقامة الاعتصامات أو الاحتجاجات السلمية إلا وتستنفر مختلف أجهزتها الأمنية والاستخبارية استعدادا لذلك وتجدها مشغولة بكيفية التعامل مع الحدث بردود أفعال من شأنها أن تطمئن بها الرأي المحلي والخارجي بدلا من انشغالها بفهم الأسباب الحقيقية لذلك الحدث، بينما تلك القبضة تتحول إلى هشاشة وتراخ عندما يتعلق الأمر بمكافحة الجريمة الاقتصادية ونهب المال العام ومحاربة الفساد والخارجين عن القانون الأمر الذي أثر سلبا على الاقتصاد وعلى نفسية الناس وثقة المواطن.

إن تناقض الدولة مع نفسها بات واضحا، ففي الوقت الذي تدعو فيه بكل شعاراتها إلى تحقيق الرفاهية والاستقرار والبناء والتحديث والقضاء على البطالة ومحاربة الفساد في ظل قوانين وإجراءات وإن بدت عصرية وحضارية إلا أن لسان حالها يوحي بعكس ذلك فالشعارات البراقة لا تكفي وحدها للتقدم وغالبا ما تبدو أنها أجساد لا أيدي فيها ولا أرجل، مالم يواكبها فعل وعمل.

إن المشاريع والأحلام البسيطة قبل العظيمة ما أن تتحقق على أرض الواقع فإنها بحاجة إلى صيانة من وقت لآخر وبشكل دوري حتى لا تتعرض للتصدع والانهيار كنتيجة طبيعية ومنطقية بأن لكل شيء عمرا وزمنا معينا ولا يوجد ماهو أزلي وثابت هو من صنع الإنسان إذ إن هناك عوامل معينة تساعد سلبا أو إيجابا وبشكل نسبي على صمود هذا الشيء من عدمه، فما بالكم إذا كانت تلك القضية هي بحجم الوطن ألا وهي الوحدة اليمنية التي تهم مصلحة أمة قبل أن تهم مصلحة الوطن بأهدافها ومبادئها الوطنية والقومية السامية التي قامت من أجلها، ومثلت النبتة الطيبة في أرض أمتنا العربية والإسلامية بعد ضياع الوحدة المصرية- السورية ومن قبلها ضاعت القدس والأندلس في سنوات الانحطاط والضعف.

إن دروسا كثيرة تبدو اليوم واضحة بعد سنوات ما بعد الوحدة تحوي تجارب وأخطاء تضاءلت معها طموحات وآمال عظيمة نحو تحقيق الحرية والديمقراطية وبناء دولة المؤسسات والنظام والقانون ينبغي التعاطي معها بحكمة وإعادة النظر في الحسابات، والمرحلة لاتقبل المزيد من التنظير الزائف والتبرير المتهافت أو اللعب على القيثارة الاقتصادية وبأن مشاكل اليمن هي الفقر، فإن ذلك سرعان ما يصدر صوتا نشازاً، حيث تناسى هؤلاء بأن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية أسسها سياسية في المقام الأول.

ومع ذلك لا ينبغي أن نسقط كل همومنا وإحباطاتنا وهمنا السياسي على الوحدة نفسها إلا أنه ينبغي أن ندرك أن حب الأوطان يفسده الظلم والفساد وتردي الحال ولا ينجدها أبناؤها وقد يتمنون لها الخذلان، إذا كان في الخذلان استبدال عدل بظلم. كما لا ينبغي أن نضع اللوم على الخيل فالخيل موصوف عند العرب ومنذ القدم في بواديهم وحواضرهم كرمز للفروسية والشجاعة والحلم والوفاء والنخوة وجعله بعض فطاحلة الشعر مضمونا لأشعارهم وقصائدهم أمثال عنترة والمتنبي وحاتم الطائي وعمرو بن كلثوم وغيرهم.. بل يقع اللوم على الطريق الذي سار عليه، فالعصا العوجاء لا تصنع ظلا مستقيما، وماكان للخيل أن يتعثر لولا سعي السلطة جاهدة إلى تقويم الظل بدل أن تقوم العصا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى