جنون وبؤس وواقـــع مأزوم

> د. سمير عبد الرحمن شميري:

> لماذا تحولت حياتنا إلى بؤس وفقــر واضطراب واكتئاب وفوضى كاسحة وفساد يسومنا ويزكم أنوفنا؟! لقــد أصبح الفضاء العام مسموماً بالتصرفات المجنونة والوساخات النتنــة وسلوكيات الإقصاء والتهور والتآمر والتعصب والجنون المنفلت من عقاله.

فمن حولنا تتكاثر بشكل مدهش أعداد الكلاب والمجانين في الشوارع .. هنا كلاب تنبح، وأخرى تعض، وتشير بعض المصادر إلى أن هناك أكثر من مليون كلب شارد في اليمن، وهناك مجانين يتحرشون بالمارة، ويسرحون ويمرحون في المسالك والطرقات ويزرعون الرعب والقلق في النفوس، ويسيرون بحرية بلا حدود عارضين بضاعتهم للمارة، ويعمقون روح الكآبة والضجر والتأفف في الفضاء العام.
ففي اليمن كما تشير منظمة الصحة العالمية "20% من السكان يعانون اضطرابات سلوكية وانفعالية، فيما يعني أن أربعة ملايين نسمة يحتاجون للمساعدة النفسية، في حين أن هناك طبيباً واحداً لكل 100 ألف من طالبي المساعدات النفسية".
وعلى رأس المشاكل التي يصطدم بها السارحون والبارحون في الشوارع تتلخص في كيفية التملص من المجانين الذين يمشطون الشوارع والأزقة والجادات الطويلة ويجدون لذة ممتعة في الاسترخاء أمام الناظرين، ويتبولون ويتبرزون ويطلقون القنابل القذرة والشتائم والألفاظ النابية في الفضاء العام ويعابثون أعضاءهم التناسلية، ويفترشون الأرض ويلتحفون السماء، والعاقل في زماننا كما يقول بطل رواية (قهوة أمريكية) لـ أحمد زين: "يهرب من رؤية المجانين الذين ينتشرون في الشوارع، إلى درجة يخيل إليه أحياناً أنه لم يتبقى فيها عاقل. الجنون والقتل برصاصة طائشة، هو أكثر ما يخشاه في هذه المدينة، ويحاول دائماً أن لا يشغل باله بالتفكير، في سوء الأوضاع الاقتصادية وترديها، أو في المأزق الذي يعيشه غالبية الناس، حتى لا يسقط في هاوية الجنون".
فلا مستقبل لأمة تتكاثر فيها أعداد الكلاب والمجانين، ولا مستقبل لأمة مشحونة بالجهل ومترعة بالإحباط المزمن، ولا مستقبل لأمة لا تخترق حصار الخوف ولا تحطم الأصنام، ولا تنتقل من دائرة التوجس المرضي إلى دائرة الفعل الخلاق لمصارعة السوء في حياتنا.
فأصبح بعض الناس عاجزين عن رؤية أصابع الأمل، وعن تجديد شرايين الحياة، وتقوقعوا تحت صومعة الأمراض وأصيبوا بألوان شتى من العلل النفسية، من:قلق، وخوف، واكتئاب، ووسواس قهري، و انفصام (تشيزوفرينيا)، وانهيارات عصبية، وعُصاب، وذهان.
إن البيئة المريضة مصدر للجنون والوجع والفقر والظلم والإرهاب والعتــه، وهدف عتاولة الفساد تدمير الانتظام العام وتدمير الإنسان وجعله مخلوقاً غريباً معزولاً عن محيطه الاجتماعي لا حول له ولا قوة، يأكل ويشرب وينام ويتعايش مع الرذيلة والفساد.
إنهم يدفعون الإنسان دفعاً صوب الموت والتشرد والعنف والفوضى والعزلة والتطاحن المجتمعي ويشعلون حرائق الكره الاجتماعي لكي يتسنى لهم نهــب الخيرات وســتر المعايب، بينما يعش العامة في حالة فوضى وجوع وعبث واحتراب ومصارعة التناقضات والبحث عن الجينات والهويات بطريقة غير متبصرة لتحطيم المعايير الأخلاقية والدينية والتسامح والثقافة المشتركة والتلاقح والتعايش والتعاون والتدامج الإنساني في ظل تقهقــر لثقافة العقل والحرية والمحبة والسلام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى