صهاريج عدن .. معلم تاريخي طاله شبح الإهمال والاستهتار

> استطلاع/ عبدالله مجيد:

> صهاريج عدن الضاربة جذورها في أعماق الحضارة الإنسانية، الممتدة إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، هي أول صرح يشيد في جزيرة العرب لاستغلال مياه الأمطار، ولمقاومة جفاف المياه، وكذا لحماية المدينة من أضرار السيول جراء هطول الأمطارالغزيرة على البلدة، بالتحكم بها عبر سلسلة من الصهاريج. وظل يستفاد من مياهها حتى القرن الثامن عشر الميلادي، قبل أن يتعرض الكثير منها إلى التخريب والإهمال والبناء العشوائي والممارسات السلوكية غير الحضارية، الأمر الذي جعل تلك المباني في مواجهة مباشرة مع السيول حال تساقطت الأمطار بغزارة على المدينة، والتي جرفت من حاضرها السلوك الحضاري، لتأتي أجيال تعمل على طمس ملامح وجه الصهاريج الجميل.
يبلغ عدد هذه الصهاريج ـ حسب تقدير بعض الباحثين ـ نحو خمسين صهريجاً، معظمها مطمور تحت الأرض، وقضى البناء العشوائي على الكثير، ولم يتبق منها سوى ثمانية عشر صهريجاً فقط.

أوضح مدير عام الصهاريج أ.خالد عبدالله رباطي بأن تاريخ بناء هذه الصهاريج يعود إلى العهد السبئي في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، أثناء قدوم ملكة سبأ إلى عدن، وهي التي وجهت ببنائها لحفظ مياه الأمطار للاستفادة منها، وقد طورت ووسعت هذه المنظومة المائية بشكل كبير من قبل دولة حمير، التي جاءت على أنقاذ دولة سبأ، وفيها بلغ عدد الصهاريج إلى اثنين وخمسين صهريجاً، اندثر ـ فيما بعد ـ معظمها وما تبقى منها يعمل على حفظ مياه الأمطار وتسريبها عبر فُتحات يتم من خلالها تزويد الآبار الجوفية في كريتر.
* إهمال الإرث التاريخي
وعلى الرغم مما تمثله هذه الصهاريج من قيمة تاريخية وسياحية للبلاد إلا أنها تعاني من إهمال كبير من قبل الجهات الحكومية، حسب تعبير جمال الدهري الذي قال: "إن الزائر المحلي يعاني قبل السائح الأجنبي أثناء زيارته للصهاريج التي يفتقر فيها إلى أبسط الخدمات السياحية، فضلاً عما تعانيه من إهمال متعمد من قبل السلطتين، المحلية والمركزية، في عدم ترميمه والاهتمام به لاستثماره سياحياً، ولاعتباره أيضا كأحد الآثار الدالة على قدم حضارتنا".
* الجهل بالقدر والقيمة
من جهته اعتبر محمد البهيجي أن الإهمال الرسمي لهذه المعالم دليل واضح على جهل تلك الجهات المعنية بالقدر والقيمة التي تمثله هذه المعالم السياحية والتاريخية، سواء المعنوية أو المادية.
وأضاف بالقول: "لقد وصل الحد بمن يريد زيارة هذه المعالم أن يحضر حاجياته معه من ماء ومشروبات باردة لعدم توافرها هناك، وهذا عيب أن يكون معلم تاريخي كالصهاريج يفتقر إلى أبسط الخدمات السياحية".

* وأد الحضارة
هناك حيث يوجد صهريج تمتد حضارته لآلاف السنين ظل محافظا على صورته ما تعاقب الليل والنهار، يوجد صهريج يحرق فحمة الليل أنينا من عبث العابثين الذين أبوا إلا أن يختطوا بأظافر استهتارهم علامة القبح في وجه الصهاريج .. وذلك ما يلاحظه الزائر اليوم للصهاريج، وهو يرى بأم عينيه ذلك الصرح الآثري الذي يحكي عراقة إنسان.. يراه اليوم وقد تحول إلى ما يشبه اللوكندة لمضغ القات وبصق التمبل وافتراش الأرض بمظاهر غير حضارية، ترسم صورة مشوهة الملامح لدى الزائر السائح التي ستبقى تلك الممارسات المخلة بالذوق العام عالقة في ذاكرته مدى الحياة وتعكر في خياله صفو الصهاريج التي أتى ليرى فيها عظمة إنسان شيدها في غابر الأزمان.

* حالكة السواد
صهاريج عدن، ظلمة الليل ووحشة المكان، هما من ترتسمان فقط في خيال سائح إذا ما زار تلك الصهاريج، فهي تفتقر إلى الإضاءة ليلا وإلى النظافة نهارا وإلى الإهمال دهرا .. ما الذي يجعل الإنسان شديد العبث؟! لا ريب أنه قلة الوعي والافتقار إلى الانتماء الوطني .. فهل يا ترى سنجد منقذا لتلك المعالم من براثن العابثين؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى