عدن سباقة بالكهرباء واليوم تقبع في الظلام

> أحمد ناصر حميدان :

>
اليوم في عدن هناك استنفار أعصاب تالفة، انهارت قدرتها على التحمل، الكل غضبان وطفشان، مر من أمامي جاري العزيز أبو رامي يحدث نفسه، خاطبته قائلا "مالك أبو رامي، سلام يا رجل، خاليها على الله"، رد "سلام، أهلا أحمد، أسف، لولا الله يمدنا بالتحمّل لطفشنا وجننا، الكهرباء جابت لنا الضيق وزادت من مآسينا وأمراضنا"، فقلت له "سلامات أبو رامي، ربنا يعطيك الصحة والعافية".. وأحببت أن أحاوره لساعات الإطفاء التي لم تعد محددة، بل تمتد إلى أكثر من ثلاث ساعات.
وفي عدن تعتبر جحيم لا يطاق، نقضي معا هذا الجحيم في جزء من ذكريات هذا الرجل الكهل، الذي يعتبر حزمة من الخبرات والتاريخ، لأنه جزء من عدن وعدن جزء منه، فبادرته "اسمع أبو رامي أنت عشت ثمانين عاما في عدن، وسمعت من أبوك وجدك تاريخ عن عدن لا يقل عن سبعين عاما، يعني لديك ذخيرة معرفية عن عدن لمائة وخمسين عاما، كيف كانت عدن قبل أن تعرف هذا التطور، وتعتمد الناس اعتمادا كبيرا على الكهرباء، رد بقوله "كهرباء!! أي كهرباء يا بني، نحن في المعلا كنا ساكنين على سفح جبل شمسان، لا كهرباء ولا يحزنون، كان معانا الجاز واللمبه والفانوس، وكان الحاج نعمان (الله يرحمه) يورد الجاز فوق البوزه الذي يجرها جمل إلى دكان الشحاري في المعلا، وكانت نساؤنا كل يوم الساعة الخامسة عصرا تستعد في تنظيف زجاج الفانوس بالرماد من بقايا نار المجمرة، وترسل الأولاد لدكان الشحاري لجلب الجاز، أتذكر أمي حينها وهي تقول الله يقصفك جبت الجاز والذبالة حق الفانوس من عند الشحاري"، يا سلام يا أخي ذكرتني الأيام الجميلة، كانت الدنيا بسيطة وكنا مرتاحين مبحبحين، لا كان موجود سميع ولا خليل ولا صالح، والكهرباء مثل قلتها ما حد عاشقها مثل اليوم.
قلت له "لكن صعب أن تعود تلك الأيام، لأن الناس أصبحت مرتبطة بالكهرباء في كل أعمالها وحياتها لا تطيق انطفائها للحظة"، رد بقوله "يا أخي كان زمان المدينة منظمة غير مزدحمة، المساكن تبنى على أسس بحيث يسمح للرياح التغلغل في وسط الأحياء السكنية، ويتحصل كل مسكن على نسمة هواء خفيفة ترد له الروح والمتنفسات متاحة، وكذلك الجدران مطلية بالنورة بسماكة تمنع تسرب حرارة الحجارة إلى داخل المنزل، أمأ اليوم، فحدث ولا حرج، البناء عشوائي وصارت المدينة كتلا خراسانية بجانب بعض، تمتص حرارة النهار وتشعها بالليل، كما أن التشجير مهم يساعد على تلطيف الهواء، عدن فقدت كل أشجارها المعمرة والتي كانت معالم في عدن، والحدائق المشهورة التي كنا نسميها (البجيشة) بالمعلا والمنصورة والشيخ وكريتر"، وأضفت قائلا "اليوم الجميع يعتمد على الكهرباء لجميع الأجهزة المنزلية وحتى المذاكرة والبحث العلمي يعتمد على النت والاتصالات"، ونحن منسجمون في حديثنا قام جارنا حميد من نومه وشغل الماطور وإذا بنا لا نسمع بعض، وأبو رامي بدأ يسعل متأثرا بدخان هذا الماطور، وقال "لعنة الله على هذه المواطير، أضرارها أكثر من فوائدها"، وتحركنا بعيد حتى استعاد أبو رامي نفسه وقال "استغفر الله كاد ماطور حميد أن يقتلني وافترقنا وذهبت للبحث عن تاريخ الكهرباء في عدن، ووجدته تاريخ عريق، حيث كانت البدايات الأولى لدخول الكهرباء في الجزيرة واليمن، كانت في مدينة عدن في العام 1926 لتغطية احتياجات القاعدة العسكرية للمستعمر البريطاني آنذاك، حيث أنشئت محطة بخارية طاقتها 3 ميجاوات، ثم حدث بعض التوسع لتغطية احتياجات مدينة عدن من خلال محطة حجيف البخارية، التي كان يطلق عليها (البارهوص) وبعض المحطات الأخرى، كما عرفت محافظات حضرموت ولحج وأبين الكهرباء من خلال مولدات صغيرة في بيوت السلاطين وبعض الميسورين، لكن لم تكن الكهرباء في متناول الجميع وبالذات المساكن الشعبية التي على سفوح الجبال والتلال لم تصل لها الكهرباء إلا بعد الثورة المجيدة (أكتوبر)، وتطورت عدن بعد الثورة في مشاريع استراتيجية كبيرة للكهرباء كمشروع الكهروحرارية ومحطة خورمكسر والمنصورة، وكان الجنوب اليمني ـ تقريبا ـ يعيش اكتفاءً واستقرارا بالكهرباء، لكن بعد الوحدة وربط عدن بالشبكة الوطنية تأثرت عدن كثيرا، اليوم عدن أكثر المدن معاناة من الانطفاء للتيار الكهربائي".
وأضاف: "وكلما أعلنت الجهات المسئولة عن تدشين مشروع تحسين كهرباء عدن تكون النتائج معكوسة، وتزداد المعاناة والانطفاء، وكان هناك يد تتعمد ذلك، لا تريد لعدن خيرا، نحن في موسم امتحانات لكل المراحل التعليمية، كيف بالله سيكون حال أولادنا ووضع المدينة بائس بدون كهرباء؟!، أين الخيرون في عدن؟ أين من استفادوا وتنعموا بعدن وخيراتها، لماذا لا يقدمون شيئا لعدن؟، هذه المدينة التي احتضنت الجميع دون استثناء، واليوم تعاني، ولم يمد البعض يده للمساعدة لها، ولو أن هناك إحصائيات دقيقة للموتى الذين قتلتهم الكهرباء لاعتبرناها وباءً علينا محاربته، ضحايا في المستشفيات غير المجهزة بمولدات خاصة، وضحايا في المساكن بسبب الحر وضحايا ما تبثه المواطير من سموم، وضحايا حزن وألم على حال عدن وتدهورها".
لماذا لا تتعاملون مع عدن بصورة استثنائية لاستثنائية حرارتها ومناخها؟!، اجعلوها إذاً تكتفي ذاتيا بكهربائها بفصلها من الشبكة الوطنية، لأننا لم نعد نطيق تحمل مزيد من المعاناة من تدهور الخدمات الصحية، والكهرباء والماء قريبا سينعدمان عن المدينة، إذا استمر العبث بحالهما اللتين لم تعد فيها حدائق ولا متنفسات، وزاد البناء العشوائي، والسلطة في نوم بالعسل، ولك الله ياعدن وأهلها الطيبين!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى