التذوق اللحني للكلمة في أغنية المثلث

> الفن «الأيام» متابعات:

> كيف يمكن لفن أن يكون في مثلث لحج - عدن - أبين لو لم يكن ذلك الجمال التذوقي للكلمة الشعرية عند الملحن الذي يختار لها من يؤديها بالمعاني والجمل اللحنية الغائبة تماما ربما عند الشاعر.
لنناقش هذا الأمر معا وبعيدا عن المكابرة، وبمصادقية وشفافية. ربما سنقول أنه من الممكن أن يكون هناك من طرق إحتراف الغناء.
بالتأكيد هناك من طرق إحتراف الغناء، ولكن هل سيكون في المستوى الذي برع فيه ذلك الرعيل من جيل الفنانين العظماء إبتداءً بالأمير أحمد فضل القمندان، ومن بعده لطفي جعر أمان ،ليس كشاعر وإنما أيضا كموسيقي يتذوق اللحن فتسري بشعره الجمل الموسيقية إلى فضاء أبعد من الكلمة الغنائية والمتجسدة في الرعيل الذي عاصرهما ،أي القمندان ولطفي.
وعلى سبيل الحصر نستدل بالعظماء فضل محمد اللحجي، وصلاح ناصر كرد، والأمير محسن بن أحمد مهدي ،وعبد الله هادي سبيت ،ومحمد سعد الصنعاني ،وأحمد سالم مهيد ،وهادي سعد شميلة ،وسعودي أحمد صالح ،وفيصل علوي من لحج، وفي عدن أحمد بن أحمد قاسم ،ومحمد مرشد ناجي ،وسالم أحمد بامدهف ،ومحمد سعد عبد الله ،ومحمد عبده زيدي ،والمحسني ،ويوسف أحمد سالم، وفي أبين الأستاذ محمد محسن عطروش ،وثلة من الجمال في مقدمتها أحمد عمر إسكندر، وعلي حسين الكيلة ،هؤلاء الذين جمعوا بين الآلة وبين مرارة الصبر ،والمعاناة التي سبروها في رحلتهم الشاقة بحثا عن الجملة الموسيقية للكلمة الغنائية ،بل تعدى ذلك الأمر في أنهم اختاروا بدقة تلك الحناجر التي ستقوم بعرض جميل لعصارة جهد الشاعر والملحن، والكل ينبغي أن يعرف كيف كان كل أولئك العظماء يعيشون لحظات القلق والرهبة عندما يصعد أحد الفنانين على المسرح لإداء عمل ما لأحدهم.
إن الوسط الذي عاش فيه ذلك الرعيل الجميل من الفنانين، والملحنين لاشك وأنه شهد رعيلاً من جيل أرسى حياة الاستقرار والصدق مع الذات ،ولهذا لايمكن أن يجد أحد ثغرة لنقد ماقدموه طوال مسيرة حياتهم المهنية والثقافية.
ولا أعتقد أن عظيماً من الملحنين قدم عملاً ما لغيره أو لنفسه ،إلى جمهوره إلا بعد أن تذوقه رواد المنتديات التي دخلت حلبة التباهي بذلك الجمال اللحني لأغاني الزمن الجميل، الذي يحلو لي أن أسمية زمن الاستقرار والذي إذ ما شبهته بالهرم فإنني أجد الفن متربعاً على قمة ذلك الهرم الجميل الشامح على قاعدة من القيم الإنسانية.
وحتى لا أطيل عليكم بشرح الرأي دعوني أطرق باب موضوع التذوق عند الملحن في نماذج ثلاثة:
أولاً: الأمير أحمد فضل القمندان:
من هذا الأمير نأخذ اغنيتة (الا ياهل الحسيني):
إنها من أغاني المركّح للعبدلي الأمير أحمد فضل القمندان إلى جانب أغان عدة منها ( غنت على البانة، مطر نيسان) وغيرهما، وقام المبدع الشهيد عبد الله هادي سبيت الذي أتحف مكتبة الطرب اللحجي بأروع ما يمكن أن يجود به مبدع حتى الآن.
وحتى مولى الطرب العبدلي لم يفارقه هاجس المركح على فراش الموت عندما تعذر عليه العودة إلى عاصمة لحج لإعتلال صحته، فبقي في بيت ملكه في عدن،وكان لذلك الظرف انعكاس جميل عبر عنه عندما صدح بآخر أغنية له وهي (الا ياهل الحسيني) تلك الأغنية التي سمعناها من الفنان مسعد بن أحمد حسين ومن بعده سجلها لإذاعة عدن الفنان الكبير فضل كريدي ،وأطرب بها الخالد فيصل علوي.
ومايغيب عن أذهان الكثير هو ذلك الحضور المعنوي بقوة ذهن ،وعزم من الشاعر والملحن المريض الراقض، ليس من خلال الكلمات في الأغنية فحسب بل بصورة أكثر وضوحاً في تبديل الرقصة من رقصة المركح البطئ الأداء إلى فجأة يتم استبدالها الجميل برقصة الزفنة ،وهي الميحة عند النساء ،والشرح عند الرجال وكأنة يعبر عن أللا عودة في قراره النابع من شدة المعاناة من قسوة فراق الحسيني والذهاب معهم إليه، لا غير.
دعونا نعيش مع هذا الأمير ،وهذا التذوق المترجم للكلمة لحنا ورقصاً، فكلمات الأغنية تقول:
ألا ياهل الحسيني منع شلوني معاكم
أنا قلبي يباكم
عشية في الجناين باتسلى من سلاكم
منى الدنيا لقاكم
فرقت الأهل والخلان ماشي لي سواكم
تحاووني فداكم
وهي كما قلنا على رقصة المركح الهادئة، والتي يتجول فيها الراقص في كل الاتجاهات ،وكأنه باحث عن منفذ يقتنصه غير معيق وهكذا حال نده في الرقصة ليخرج كل منهما إلى مكان غير ذلك المكان..
بدأ الشاعر والملحن الأمير العبدلي أحمد فضل القمندان من على فراش مرضه كما أسلفنا باسترضاء زائرية ،أحبابه في أن يجد مكانا بينهم فيذهب معهم إلى ذلك البستان معللاً طلبه بأن يتسلى معهم في جناين الحسيني بعد أن اضحى في مرضه الذي استوطنه ولم يبق له إلا رجاء واحد فيهم بأن (تحاووني فداكم) ولكن اللحن يتغير فجأة وكان هناك حالة لاشعوريه قد إنتابت الأمير في أداء اللحن، فالإيقاع يشرع بالشرح وهذا ماينم عن سرعة الحركة لرقصة الشرح مما يوحي بأن الأمير رأى زائريه وقد غادروه عائدين إلى الحسيني دون تلبية لرجائه فشرع بالخروج للذهاب إلى الحسيني لوحده منفردا، أو في اللحاق بهم في ترديده مع المؤدي:
ألا ياهل الحسيني
انا مابفرق الزين
كما الرمح الرديني
يثنى يسحر العين
محلى باللجين

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى