الانهيار الأخلاقي .. الطفلة شيماء أنموذجا

> علي صالح محمد:

> الحروب والهزائم تترك في العادة دمارا كبيرا يشمل الحجر والأرض والبشر، ولعل أسوأ أنواع الدمار هو ذلك الدمارالذي يصيب النفوس والأخلاق والقيم وناموس الحياة الاجتماعي السائد، لتنشأ بالنتيجة قيم وعادات غريبة وشاذة تصيب بعض المحسوبين بأنهم بشر مع أن سلوكهم لا ينم عن الآدمية، ولا يرتقي إلى سلوك البشر مطلقا ، كما حصل مع الطفله البريئة شيماء في مدينة كريتر من جريمة بشعة تقشعرُّ لها الأبدان وتدينها كافة الأديان السماوية والقوانين الوضعية التي تحكم سلوك البشر الأسوياء ، هذه الجريمة التي اهتزت لها مشاعر الناس ووجدان السكان في أرجاء عدن، المدينة التي لم تكن تعرف مثل هذه الجرائم القذرة إلا بعد أن حلّت الهزيمة ضيفة فيها منذ حرب ١٩٩٤ اللعينة.
قد لا تكون هذه الجريمة هي الأولى من نوعها فهناك جرائم مشابهة كثيره اُرتكبت من قبل مثل هؤلاء الشواذ، وما زالت ترتكب تحت تأثير المخدرات الدخيله على شباب وسكان المدينة، ولكنها ربما الجريمة الأولى التي تحظى بتعاطف شعبي واسع ، وبموقف استنكار وإدانة إنسانية وجماهيرية ملحوظة لسكان عدن الأنقياء؛ لتصبح قضية رأي عام تستوجب استنفار كل الفعاليات الاجتماعية ليس للأخذ بحق الطفلة البريئة الضحية فقط ، ولكن من أجل وضع الموانع اللازمة والتدابير الكفيلة للحد من انتشار هذا النوع وغيرها من الجرائم ومسبباتها، ومن الظواهر المهددة لحياة الناس وأمنها وسلامتها وشرفها وكرامتها، وصون أعراضها من هذا السلوك المخيف القادم تحت عبأة الكيف ،حيث بات السكوت عنها مؤشرا لإباحة مثل هذه الجرائم المستنكرة والمرفوضة والمهددة لسكينة الناس الآمنين، ومصدرا لقلق الجميع بلا استثناء، فاليوم هنا وغدا هناك في حال السكوت ، خصوصا مع انتشار حاله الانفلات الأمني بسبب الأوضاع السياسية غير المستقره التي تشهدها البلد ، وفوق هذا وذاك الانهيار القيمي والأخلاقي الذي أصاب نفوس الكثيرين خلال الأعوام المنصرمة.
يقال: "إن من أعظم النتائج المأساوية التي تتعرض لها البلدان المحتلة هي تكون مجتمعات ضعيفة وهشة تنحل فيها البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، فـ (.....) يكرس احتلاله بإيجاد هذه الظواهر الهدامة ثم يعمل على تعزيزها والعمل على ترسيخها وصولا إلى تدمير كل ما تبقى من إمكانات المجتمعات المستهدفة وانتهاءً بالضربة القاصمة التي يوجهها لمجتمع البلد المحتل والمتمثلة في تدمير وتمزيق الهوية الوطنية بالكامل والتي هي بداية الانهيار الشامل للمنظومة القيمية للمجتمع".
الشيء المؤكد أن هذه الجريمة باتت ترمز كمؤشر قوي إلى الخطر الداهم الذي أصبح يعيش معنا وبين ظهرانينا في مدينه عدن الآمنة، لأنها المدينة الرئيسة التي تعرضت بصورة خاصة لأشد أنواع الدمار المادي والمعنوي بكونها عاصمة الجنوب، الأمر الذي لم تشهده أي مدينة أخرى، وهذا الخطر القادم من أعماق الهزيمة والدمار الممنهج، يصبح تحديا شاقا وصعبا، ويعني كل سكان المدينة والجنوب عموما بلا استثناء، لأنه خطر لا عنوان له ولا هوية، ولكنه خطر سيصيب الجميع، ويحمل في طياته بوادر ومؤشرات الفوضى كخطر أشد ضررا سيصيب الجميع بمقتل ، وهو ما يستوجب حشد كافة الجهود لمواجهته عبر تاسيس هيئات حماية اجتماعية محلية في مدينة عدن ومديرياتها وكافة مناطق الجنوب لحين تقوم مؤسسات الدوله بوظائفها الأساسية تجاه المجتمع.
العمارة يمكن إعادة بناءها حين تدمر، لكن حين تنهار الأخلاق والقيم وتصاب أي أمة، فعندها اقرأ على هذه الأمة السلام ( وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت/ فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا) .
والمحزن أيضاً أن يُصاب بهذا الانهيار - حد الانحطاط والبؤس الفكري- بعض المحسوبين على الفكر والكلمة ، الذين لا يتورعون في توظيف الكلمة باتجاه القذف والتحقير للآخرين، مع أن الكلمة مسؤولية، وكما يقال في الأمثال اليافعية (الكلام مثمن وكل معروف بشملته) .
ختاما يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
وكُلُّ جراحةٍ فلها دواءُ … وسوءُ الخلقِ ليسَ له دواءُ
وليس بدائمٍ أبداً نعيمٌ … كذاكَ البؤسُ ليس له بقاءُ

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى