في عدن عادات وتقاليد تحتضر! أين اختفت أخلاقيات رمضان؟

> استطلاع / فردوس العلمي:

> كثيرة هي العادات والتقاليد التي كانت تزخر بها مدينة عدن، خاصة في الشهر الكريم (رمضان)، ويحز في النفس كثيراَ أن نقول كانت، فهذا يدل على أننا افتقدنا الكثير من العادات والتقاليد والأخلاقيات الجميلة،ففي كل عام عند حلول شهر رمضان وقبل الإفطار بدقائق كنا نرى الأطفال أولادا وبنات يحملون الأواني و(البراتن) والأطباق المليئة بوجبات الإفطار، يتسابقون لتوصيل إفطار للجيران، ينتقلون من بيت إلى بيت.. يتباركون هنا وهناك، فتسمع دعاء الكبار مصحوبا بالمحبة للصغار ومن أرسلهم.
وكثيرا ما كان الطفلة يعود لمنزله بإفطار أيضاً، هذه العادات والتقاليد والأخلاقيات الجميلة بدأت تختفي أو تندثر ولا ترى في شوارع عدن قبل الإفطار غير عمال المحلات التجارية وهم يستعدون لإغلاق المحلات، وشباب عائدين من مباراة كرة قدم، وناس تحث الخطى حتى لا يأتي وقت الأذان وهي مازالت في الشارع.. كثيرة هي أسباب عزوف الناس عن ممارسة تلك العادات والتقاليد. ولمعرفة المزيد عن هذا الموضوع التقت «الأيام» عددا من المواطنين قبل الإفطار ورصدت انطباعات وآراء مختلفة.
استوقفت الأخت نجوى عبدالرحيم في العقد الرابع من العمر كانت تحمل كيسا في يدها،وسألتها بعد أن عرفتها بنفسي، هل مازلتم تتبادلون الإفطار مع الجيران؟ هل مازالت هذا العادات موجودة؟ ضحكت بصوت عال وقالت: عادك ذاكرة (البرتن) - وعاء من عدة طبقات يحفظ به الطعام- وابتسمت لها وقلت نعم فماذا عنك؟ أجابت: “هذا كان زمان قبل ما ينقلب حال الناس ويقولوا نفسي.. نفسي، ولا أحد يفكر بالآخرين حتى جيرانك لا يعلمون إذا فطرت أو لا؟، وأنت تسألي عن (البرتن)، قلبك أبيض!. الآن نلحق الملكة مول أو الحجاز لنشتري احتياجاتنا، وحتى هؤلاء الأغنياء ينافسونا فيها”.
وأضافت “أول يوم برمضان سرقنا الوقت وأنا اشتري احتياجات رمضان للبيت فاجأني أذان المغرب ولم الحق اشتري لي حبتين باجية وسنبوسة وقارورة ليم وكنت سأبقى بلا إفطار.
تبادل الأطعمة بين الجيران
تبادل الأطعمة بين الجيران
الله يرحم أيام زمان لما حد يشوفك وقت الأذان ينزل لك فطور من غير ما تسأل، واليوم إذا دقيت على الأبواب ما حد يمد لك بكوب ماء ومن خلف الأبواب تسمع الرد (الله كريم ، الله يعطيك)!”.
الأخت هيفاء يوسف في منتصف العقد الثالث من العمر تقول: “هذه عادات جميلة تقرب الناس من بعض ولم تختف نهائياً، ربما قلّت ولكن مازالت متداولة بين الجيران خاصة في مدينة كريتر، ومازالت موائد الرحمة عامرة”، وتعيد الأخت هيفاء تراجع هذه العادات والتقاليد إلى عدة أسباب منها “الوضع الاقتصادي الصعب،نفسيات البشر، نزوح الأسر القديمة من كريتر وحلول أسر جديدة بمنازل مؤجرة لا تعرف عادات وتقاليد عدن، وتدهور الوضع الأمني”.
وتضيف أيضا : “بشكل عام تدهورت أخلاقيات الناس خاصة بعد عام 2011 م تغيرت أخلاقيات الناس ومفاهيمها للحياة كثيرا، وهذه التصرفات قبل أن تكون عادات وتقاليد هي أخلاقيات غُرست فينا من الصغر وهي مراعاة الجار وابن السبيل والمحتاجين، والحمد لله نحن مازلنا نعيش هذا الأخلاقيات،ونتبادل ونوزع الإفطار للجيران، وهناك يوم محدد يتم فيه توزيع الإفطار للجيران والفقراء والمحتاجين”.
يشاركها الرأي الأخ عصام عبد علي ويقول: “نعم هذه أخلاقيات قبل أن تكون عادات،وهذه الأخلاقيات مازالت موجودة ولو بصورة بسيطة، ومدينة كريتر تغيرت فيها بعض تلك الأخلاقيات”، ويوضح “مازالت شقيقاتي يعملن على نهج الوالد والوالدة - الله يرحمهما - بإخراج فطور كامل من بيت الوالد، كما كان الوضع في حياة الوالد والوالدة، فهذه أخلاقيات قبل أن تكون عادات وتقاليد، ولو أن هناك - حاليا- من يرفع شعار نفسي.. نفسي ولا يراعي الجيران أو الناس المحتاجة”.
ويرجع عصام تراجع هذا العادات إلى ضعف الجانب المادي للمواطن، إلى جانب ضعف أخلاقيات الناس ووصول أخلاقيات أخرى لعدن خاصة مدينة كريتر.
آزال علي في أواخر العقد الثاني من العمر تقول: “لم تختف هذا العادات فهي عادات جميلة تجمع الناس ولا تقتصر على الأغنياء بل منازل الفقراء كانت أكثر جودا وكرما، والحمد لله هناك مناطق مازالت هذه العادات والتقاليد موجودة فيها، والناس تتبادل الأطباق المختلفة مع الأهل والجيران ليس في شهر رمضان فقط ولكن بشكل دائم”.
صلاح علي صالح في نهاية العقد الرابع يقول: “هذه العادات والتقاليد موجودة حاليا ولكن بشكل بسيط ويعود ذلك إلى الحالة المادية للأسر ولعدم وجود أمان كاف في حينا، حيث كان الأمر طبيعيا، لكن انتقالي وأسرتي إلى حي جديد غير الأوضاع فأهل الحي الجديد اعتبرونا غرباء وسطهم، فأحسست بأني غريب في الحي خاصة وأن أهل الحي منغلقون فيما بينهم ويعيشون بمعزل عنا”.
ويضيف: “أعتقد أن الأمر إذا أعرفك سأودك ونتزاور، وإذا ما أعرفك أنت في حالك وأنا في حالي، حتى أننا لا نستطيع أن نمد طبقا للجيران، لهذا اكتفت أم أولادي بأن تمد للمسجد القريب من البيت الإفطار والعصائر”.
محمود موشجي في نهاية العقد الخامس يقول: “إرسال طبق للجيران في رمضان أو غير رمضان ليس شيئا مكلفا، فالدين الإسلامي يحثنا على فعل الخير ونشره، ولكن الأمر يعود إلى تغير أخلاقيات الناس وافتقاد الأمان”.
زيارات رمضان عادة اتسمت بها الأسر العدنية
زيارات رمضان عادة اتسمت بها الأسر العدنية
الأخت منى عبدالحكيم في منتصف العقد الثاني من العمر تقول: “إفطار الجيران ليس شيئا يقصم الظهر، فما نرسله هو نفس ما هو موجود في موائدنا، وليس شيئا مكلفا فهذا الجميل في الأمر أن تقاسم جارك طبق بيتك بدون تكلف، نرسل طبق شوربة، عتر، لبنية، جيلي ... حقيقة لم تعد أمي تستطع أن تجازف بإخوتي الصغار خاصة أنه ما عندي أخوان كبار والخوف على أخواتي البنات والعيال الصغار يخلينا نتجنب إرسالهم أو نجازف بهم، فحاليا نشاهد فيلما حيا اسمه (خرج الطفل ولم يعد) فكم من طفل اغتصب وقتل والفاعل أناس ما نتوقع منهم”.
أم محمد عبدالكريم كانت تشتري احتياجاتها من الحجاز مول تقول: “يا بنتي لا تذكري الحزينة البكاء، هذا كان زمان قبل ما تتغير أخلاقيات الناس فما اختفى من عدن ليس عادات وتقاليد فقط، ولكن روح الحب التي كانت سائدة في عدن افتقدناها حتى إننا نفتقد الأبواب المفتوحة في عدن، الآن عشان تدق على جارك انتظر ساعة عشان يفتح لك بعد ستين سؤال من أنت؟ أيش تريد؟ بعد كل هذا الاستفسارات تدخل بيت جارك وكأنك داخل معسكر”.
وعن أسباب تلك التغييرات تقول: “بيوت الإيجار، فأغلب جيرانك جدد عليك، وكلهم ليسوا من أبناء عدن المعروفين، فهؤلاء اختفوا.. بيعت البيوت أو تم تأجيرها لناس آخرين، تصوري بيوت عشنا وتربينا فيها كأنها بيوتنا الآن ما نقدر حتى ندخلها، فكثير من الأسر العدنية المعروفة هجرت منازلها وأخذت إيجارات في مناطق بعيدة عن عدن للبحث عن الهدوء والسكينة بعد ما أصبحت مدينة كريتر سوقا كبيرا، وهذا سبب جفاء وفجوة كبيرة بين الجيران الجدد والباقين في الحارات فأكثرهم من المناطق الشمالية يشترون المحل التجاري وبعدها بفترة يشترون بيتا، وبعد ذلك ينزلون الأسرة بعد شراء المنزل بمبالغ مهولة وهذا دفع الناس إلى بيع بيوتهم أو تأجيرها والعيش في المناطق السكنية الجديدة، وبعضهم قادمون من أرياف عدن وبعضهم من نازحي أبين استقروا في عدن ولم يعودوا إلى أبين”.
أم محمد عبدالعزيز تذكر أيام رمضان في حافة القاضي وتقول: “رمضان في حافة القاضي زمان، تروح السنوات و تجي السنوات ورمضان له نكهة غير، نردد الأناشيد، ننشد (مرحب مرحب يا رمضان)، ونهني بعضنا بفرحة المناسبة (بالتلفون) وبالطريقة المعتادة (المزاورة) ساعة الخبر، ونبدأ نصلح (الحلويات العدنية) ليلة رمضان من اللبنية والبدينج والجيلي، وفي الصباح نحضر مختلف (الأكلات العدنية) وأهمها الشوربة والشفوت والاجتماع للعبادات، وتفقد الأرحام في رمضان، ولا يجي (وقت العصر) إلا والبراتن تتجهز وتروح لأصحابها من بيوت الحي وشهر رمضان شهر كريم وكله بركة، فرمضان يحيي اللي مات فينا طول العام”. وتختم حديثها بالقول “ما أحلا أيامك يا رمضان، ويا الله بعودة يا رمضان،ولازم عيالنا وبناتنا يحافظوا على هذه العادات اللي كلها بركات، والله يجعل حياتنا سعادة،ورمضان مبارك على الجميع”.
في ختام هذا الموضوع نستكشف بأننا تراجعنا وافتقدنا أشياء جميلة كانت سمة من سمات عدن، وهي التكافل الاجتماعي، ومد يد العون للجار والمحتاج، وكان الفقراء ينافسون الأغنياء بالجود والكرم.. يقول المواطنون “ضياع كل هذا يعود إلى افتقاد الأمان، وخروج الأسر العدنية المعروفة إلى خارج منطقة كريتر خاصة وعدن بصفة عامة، ووجود أناس من خارج عدن لا يتطبعون بأخلاقيات أهالي عدن،مع افتقاد الأمان وهو أهم سبب إلى جانب سقوط أخلاقيات وظهور أخلاقيات بعيدة عن مدينة عدن، وكذا الخوف على الأطفال، كلها أسباب أدت إلى انكماش التكافل بين الناس، وإغلاق أبواب خير كانت مفتوحة.
استطلاع / فردوس العلمي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى